الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1698 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثناه محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت وحدثنا أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح وحدثني عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر كلهم عن الزهري بهذا الإسناد نحوه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله ) معنى أنشدك : أسألك رافعا نشيدي وهو صوتي ، وهو بفتح الهمزة وضم الشين . وقوله : ( بكتاب الله ) أي بما تضمنه كتاب الله ، وفيه أنه يستحب للقاضي أن يصبر على من يقول من جفاة الخصوم : احكم بالحق بيننا ، ونحو ذلك .

                                                                                                                قوله : ( فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه ) قال العلماء يجوز أن يكون أراد أنه بالإضافة أكثر فقها منه ، ويحتمل أن المراد أفقه منه في هذه القضية لوصفه إياها على وجهها ، ويحتمل أنه لأدبه واستئذانه في الكلام وحذره من الوقوع في النهي في قوله تعالى : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله بخلاف خطاب الأول في قوله : " أنشدك الله " إلى آخره فإنه من جفاء الأعراب .

                                                                                                                قوله : ( إن ابني كان عسيفا على هذا ) هو بالعين والسين المهملتين أي أجيرا ، وجمعه عسفاء كأجير وأجراء ، وفقيه وفقهاء .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( لأقضين بينكما بكتاب الله ) يحتمل أن المراد بحكم الله ، وقيل : هو إشارة إلى قوله تعالى : أو يجعل الله لهن سبيلا وفسر النبي صلى الله عليه وسلم السبيل بالرجم في حق المحصن كما سبق في حديث عبادة بن الصامت ، وقيل : هو إشارة إلى آية : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ) وقد سبق أنه مما نسخت تلاوته وبقي حكمه ; فعلى هذا يكون الجلد قد أخذه من قوله تعالى : الزانية والزاني وقيل : المراد نقض صلحهما الباطل على الغنم والوليدة .

                                                                                                                قوله : ( فسألت أهل العلم ) فيه جواز استفتاء غير النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليه .

                                                                                                                وفيه جواز استفتاء المفضول مع وجود أفضل منه .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( الوليدة والغنم رد ) أي مردودة ، ومعناه يجب ردها إليك ، وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد ، وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده ، وأن الحدود لا تقبل الفداء .

                                                                                                                [ ص: 351 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ) هذا محمول على أن الابن كان بكرا ، وعلى أنه اعترف وإلا فإقرار الأب عليه لا يقبل ، أو يكون هذا إفتاء ، أي إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه جلد مائة وتغريب عام .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، فغدا عليها فاعترفت فأمر بها فرجمت ) ( أنيس ) هذا صحابي مشهور ، وهو أنيس بن الضحاك الأسلمي ، معدود في الشاميين ، وقال ابن عبد البر : هو أنيس بن مرثد ، والأول هو الصحيح المشهور ، وأنه أسلمي ، والمرأة أيضا أسلمية .

                                                                                                                واعلم أن بعث أنيس محمول عند العلماء من أصحابنا وغيرهم على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه ، فيعرفها بأن لها عنده حد القذف فتطالب به أو تعفو عنه إلا أن تعترف بالزنا ، فلا يجب عليه حد القذف ، بل يجب عليها حد الزنا وهو الرجم ; لأنها كانت محصنة فذهب إليها أنيس فاعترفت بالزنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها فرجمت ، ولا بد من هذا التأويل ; لأن ظاهره أنه بعث لإقامة حد الزنا وهذا غير مراد ; لأن حد الزنا لا يحتاج له بالتجسس والتفتيش عنه ، بل لو أقر به الزاني استحب أن يلقن الرجوع كما سبق ، فحينئذ يتعين التأويل الذي ذكرناه ، وقد اختلف أصحابنا في هذا البعث هل يجب على القاضي إذا قذف إنسان معين في مجلسه أن يبعث إليه ليعرفه بحقه من حد القذف أم لا يجب ؟ والأصح وجوبه . وفي هذا الحديث أن المحصن يرجم ولا يجلد مع الرجم ، وقد سبق بيان الخلاف فيه .




                                                                                                                الخدمات العلمية