الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                191 حدثني عبيد الله بن سعيد وإسحق بن منصور كلاهما عن روح قال عبيد الله حدثنا روح بن عبادة القيسي حدثنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون فيقولون ننظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء ثم كذلك ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ويذهب حراقه ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - يسأل عن الورود فقال : نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس قال : فتدعى الأمم بأوثانها إلى آخره ) هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الأصول من صحيح مسلم ، واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف وتغيير واختلاط في اللفظ . قال الحافظ عبد الحق في كتابه ( الجمع بين الصحيحين ) : هذا الذي وقع في كتاب مسلم تخليط من أحد الناسخين أو كيف كان وقال القاضي عياض : هذه صورة الحديث في جميع النسخ ، وفيه تغيير كثير وتصحيف قال : وصوابه : ( نجيء يوم القيامة على كوم ) هكذا رواه بعض أهل الحديث وفي كتاب ابن أبي خيثمة من طريق كعب بن مالك ( يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتي على تل ) وذكر الطبري في التفسير من حديث ابن عمر فيرقى هو يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأمته على كوم فوق الناس ، وذكر من حديث كعب بن مالك ( يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ) قال القاضي : فهذا كله يبين ما تغير من الحديث وأنه كان أظلم هذا الحرف على الراوي أو أمحي فعبر عنه بكذا وكذا وفسره بقوله : أي : فوق الناس ، وكتب عليه انظر تنبيها فجمع النقلة الكل ونسقوه على أنه من متن الحديث كما تراه ، هذا كلام القاضي وقد تابعه عليه جماعة من المتأخرين والله أعلم .

                                                                                                                قال القاضي : ثم إن هذا الحديث جاء كله من كلام جابر موقوفا عليه وليس هذا من شرط مسلم إذ ليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما ذكره مسلم وأدخله في المسند ; لأنه روي مسندا من غير هذا الطريق ، [ ص: 416 ] فذكر ابن أبي خيثمة عن ابن جريح يرفعه بعد قوله : يضحك " قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : فينطلق بهم ، وقد نبه على هذا مسلم بعد هذا في حديث ابن أبي شيبة وغيره في الشفاعة وإخراج من يخرج من النار ، وذكر إسناده وسماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى بعض ما في هذا الحديث . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله : ( فيتجلى لهم يضحك فينطلق بهم ويتبعونه ) فتقدم بيانهما في أوائل الكتاب وكذلك تقدم قريبا معنى الضحك . وأما التجلي فهو الظهور وإزالة المانع من الرؤية ، ومعنى ( يتجلى يضحك ) أي : يظهر وهو راض عنهم .

                                                                                                                قوله : ( ثم يطفأ نور المنافقين ) روي بفتح الياء وضمها وهما صحيحان معناهما ظاهر .

                                                                                                                قوله : ( ثم ينجو المؤمنون ) هكذا هو في كثير من الأصول وفي أكثرها المؤمنين ) بالياء .

                                                                                                                قوله ( أول زمرة ) أي : جماعة .

                                                                                                                قوله : ( حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ، ويذهب حراقه ، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها ) هكذا هو في جميع الأصول ببلادنا ( نبات الشيء ) ، وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين ، وعن بعض رواة مسلم ( نبات الدمن ) يعني بكسر الدال وإسكان الميم وهذه الرواية هي الموجودة في ( الجمع بين الصحيحين ) لعبد الحق ، وكلاهما صحيح ، لكن الأول هو المشهور الظاهر وهو بمعنى الروايات السابقة ( نبات الحبة في حميل السيل ) ، وأما نبات الدمن فمعناها أيضا كذلك ، فإن الدمن البعر ، والتقدير : نبات ذي الدمن في السيل ، أي كما ينبت الشيء الحاصل في البعر والغثاء الموجود في أطراف النهر ، والمراد التشبيه به في السرعة والنضارة ، وقد أشار صاحب ( المطالع ) إلى تصحيح هذه الرواية ، ولكن لم ينقح الكلام في تحقيقها ; بل قال : عندي أنها رواية صحيحة ، ومعناه سرعة نبات الدمن مع ضعف ما ينبت فيه وحسن منظره . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله : ( ويذهب حراقه ) فهو بضم الحاء [ ص: 417 ] المهملة وتخفيف الراء ، والضمير في ( حراقه ) يعود على المخرج من النار وعليه يعود الضمير في قوله ثم يسأل ، ومعنى ( حراقه ) أثر النار . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية