الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2272 حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري وأبو كريب محمد بن العلاء وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة جده عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها أيضا بقرا والله خير فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ) أما ( الوهل ) فبفتح الهاء ، ومعناه وهمي [ ص: 432 ] واعتقادي . ( وهجر ) مدينة معروفة ، وهي قاعدة البحرين ، وهي معروفة سبق بيانها في كتاب الإيمان . وأما ( يثرب ) فهو اسمها في الجاهلية ، فسماها الله تعالى المدينة ، وسماها رسول الله طيبة وطابة ، وقد سبق شرحه مبسوطا في آخر كتاب الحج ، وقد جاء في حديث النهي عن تسميتها ( يثرب ) لكراهة لفظ التثريب ، ولأنه من تسمية الجاهلية ، وسماها في هذا الحديث يثرب ، فقيل : يحتمل أن هذا كان قبل النهي ، وقيل : لبيان الجواز ، وأن النهي للتنزيه لا للتحريم ، وقيل : خوطب به من يعرفها به ، ولهذا جمع بينه وبين اسمه الشرعي ، فقال : " المدينة يثرب " .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا ، فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المسلمين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان ) أما ( هززت وهززته ) فوقع في معظم النسخ بالزائين فيهما ، وفي بعضها ( هزت وهزته ) بزاي واحدة مشددة وإسكان التاء ، وهي لغة صحيحة . قال العلماء : وتفسيره صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بما ذكره لأن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم كما يصول بسيفه . وقد يفسر السيف في غير هذا بالولد ، والوالد ، والعم ، أو الأخ أو الزوجة ، وقد يدل على الولاية أو الوديعة ، وعلى لسان الرجل وحجته ، وقد يدل على سلطان جائر ، وكل ذلك بحسب قرائن تنضم تشهد لأحد هذه المعاني في الرائي أو في الرؤية .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورأيت فيها أيضا بقرا ، والله خير ، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد ، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر ) قد جاء في غير مسلم زيادة في هذا الحديث ( ورأيت بقرا تنحر ) وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر ، فنحر البقر هو قتل الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا بأحد .

                                                                                                                قال القاضي عياض : ضبطنا هذا الحرف عن جميع الرواة ( والله خير ) برفع الهاء والراء على المبتدأ والخبر . و ( بعد يوم بدر ) بضم دال ( بعد ) ، ونصب ( يوم ) قال : وروي بنصب الدال . قالوا : ومعناه ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين ، لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم ذلك إيمانا ، و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء [ ص: 433 ] ، وتفرق العدو عنهم هيبة لهم . قال القاضي : قال أكثر شراح الحديث : معناه ثواب الله خير أي صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا . قال القاضي : والأولى قول من قال : ( والله خير ) من جملة الرؤيا وكلمة ألقيت إليه وسمعها في الرؤيا عند رؤيا البقر بدليل تأويله لها بقوله صلى الله عليه وسلم : " وإذا الخير ما جاء الله " والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية