الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2647 حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحق بن إبراهيم واللفظ لزهير قال إسحق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة قال فقال رجل يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فقال من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة فقال اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهناد بن السري قالا حدثنا أبو الأحوص عن منصور بهذا الإسناد في معناه وقال فأخذ عودا ولم يقل مخصرة وقال ابن أبي شيبة في حديثه عن أبي الأحوص ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 149 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 149 ] قوله : ( فنكس فجعل ينكت بمخصرته ) أما ( نكس ) فبتخفيف الكاف وتشديدها ، لغتان فصيحتان ، يقال : نكسه ينكسه فهو ناكس كقتله يقتله فهو قاتل ، ونكسه ينكسه تنكيسا فهو منكس ، أي خفض رأسه وطأطأ إلى الأرض على هيئة المهموم . وقوله : ( ينكت ) بفتح الياء وضم الكاف وآخره وتاء مثناة فوق أي يخط بها خطا يسيرا مرة بعد مرة ، وهذا فعل المفكر المهموم . و ( المخصرة ) بكسر الميم ما أخذه الإنسان بيده واختصره من عصا لطيفة وعكاز لطيف وغيرهما . وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر ، وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره ; خيرها وشرها ، [ ص: 150 ] ونفعها وضرها ، وقد سبق في أول كتاب الإيمان قطعة صالحة من هذا . قال الله تعالى : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فهو ملك لله تعالى يفعل ما يشاء ، ولا اعتراض على المالك في ملكه ، ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله . قال الإمام أبو المظفر السمعاني : سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول ، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ، ولم يبلغ شفاء النفس ، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب ; لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار ، واختص الله به ، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم ; لما علمه من الحكمة . وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ، ولا نتجاوزه ، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم ، فلم يعلمه نبي مرسل ، ولا ملك مقرب . وقيل : إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ، ولا ينكشف قبل دخولها . والله أعلم . وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر ، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها ، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره ، ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعملهم كما قال : قال فسنيسره لليسرى وللعسرى ، وكما صرحت به هذه الأحاديث .




                                                                                                                الخدمات العلمية