الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب المسح على الناصية والعمامة

                                                                                                                274 وحدثني محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد يعني ابن زريع حدثنا حميد الطويل حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفت معه فلما قضى حاجته قال أمعك ماء فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يده من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه وغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر فأومأ إليه فصلى بهم فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( وحدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يزيد يعني ابن زريع قال : حدثنا حميد الطويل قال : حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه ) قال الحافظ أبو علي الغساني قال أبو مسعود الدمشقي : هكذا يقول مسلم في حديث ابن بزيع عن يزيد بن زريع عن عروة بن المغيرة وخالفه الناس فقالوا فيه : ( حمزة بن المغيرة ) بدل ( عروة ) ، وأما أبو الحسن الدارقطني [ ص: 511 ] فنسب الوهم فيه إلى محمد بن عبد الله بن بزيع لا إلى مسلم . هذا آخر كلام الغساني . قال القاضي عياض : حمزة بن المغيرة هو الصحيح عندهم في هذا الحديث ، وإنما عروة بن المغيرة في الأحاديث الأخر ، وحمزة وعروة ابنان للمغيرة ، والحديث مروي عنهما جميعا ، لكن رواية بكر بن عبد الله بن المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة وعن ابن المغيرة غير مسمى ولا يقول بكر : عروة ، ومن قال عروة عنه فقد وهم ، وكذلك اختلف عن بكر ; فرواه معتمر في أحد الوجهين عنه عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة ، وكذا رواه يحيى بن سعيد عن التيمي ، وقد ذكر هذا مسلم ، وقال غيرهم : عن بكر عن المغيرة ، قال الدارقطني : وهو وهم . هذا آخر كلام القاضي عياض . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فأتيته بمطهرة ) قد تقدم قريبا أن فيها لغتين فتح الميم وكسرها ، وأنها الإناء الذي يتطهر منه .

                                                                                                                قوله : ( ثم ذهب يحسر عن ذراعيه ) هو بفتح الياء وكسر السين أي : يكشف . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( مسح بناصيته وعلى العمامة ) هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ، ولا يشترط الجميع لأنه لو وجب الجميع لما اكتفى بالعمامة عن الباقي ، فإن الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد لا يجوز ، كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى ، وأما التتميم بالعمامة فهو عند الشافعي وجماعة على الاستحباب لتكون الطهارة على جميع الرأس ، ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طهر أو على حدث ، وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته ، ويستحب أن يتم على القلنسوة كالعمامة ، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئا من الرأس لم يجزه ذلك بلا خلاف ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء - رحمهم الله تعالى - . وذهب أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - إلى جواز الاقتصار ، ووافقه عليه جماعة من السلف . والله أعلم . و ( الناصية ) هي مقدم الرأس .

                                                                                                                قوله : ( فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع ركعة بهم ، فلما أحس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر ، فأومأ إليه فصلى بهم ، فلما سلم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا ) اعلم أن هذا الحديث فيه فوائد كثيرة : منها جواز اقتداء الفاضل بالمفضول ، وجواز صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف بعض أمته ، ومنها : أن الأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت فإنهم فعلوها أول الوقت ولم ينتظروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنها : أن الإمام إذا تأخر عن أول الوقت [ ص: 512 ] استحب للجماعة أن يقدموا أحدهم فيصلي بهم إذا وثقوا بحسن خلق الإمام وأنه لا يتأذى من ذلك ولا يترتب عليه فتنة ، فأما إن لم يأمنوا أذاه فإنهم يصلون في أول الوقت فرادى ، ثم إن أدركوا الجماعة بعد استحب لهم إعادتها معهم . ومنها : أن من سبقه الإمام ببعض الصلاة أتى بما أدرك ، فإذا سلم الإمام أتى بما بقي عليه ولا يسقط ذلك عنه بخلاف قراءة الفاتحة فإنها تسقط عن المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا ، ومنها : اتباع المسبوق للإمام في فعله في ركوعه وسجوده وجلوسه وإن لم يكن ذلك موضع فعله للمأموم ، ومنها : أن المسبوق إنما يفارق الإمام بعد سلام الإمام . والله أعلم .

                                                                                                                وأما بقاء عبد الرحمن في صلاته وتأخر أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - ليتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فالفرق بينهما أن في قضية عبد الرحمن كان قد ركع ركعة فترك النبي - صلى الله عليه وسلم - التقدم لئلا يختل ترتيب صلاة القوم بخلاف قضية أبي بكر - رضي الله عنهما - . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله : ( فركعنا الركعة التي سبقتنا ) فكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول بفتح السين والباء والقاف وبعدها مثناة من فوق ساكنة أي : وجدت قبل حضورنا . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية