الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب صفة غسل الجنابة

                                                                                                                316 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه وحدثناه قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب قالا حدثنا جرير ح وحدثنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر ح وحدثنا أبو كريب حدثنا ابن نمير كلهم عن هشام في هذا الإسناد وليس في حديثهم غسل الرجلين وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة فبدأ فغسل كفيه ثلاثا ثم ذكر نحو حديث أبي معاوية ولم يذكر غسل الرجلين

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                ( باب صفة غسل الجنابة ) قال أصحابنا : كمال غسل الجنابة أن يبدأ المغتسل فيغسل كفيه ثلاثا قبل إدخالهما في الإناء ، ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة بكماله ، ثم يدخل أصابعه كلها في الماء ، فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات ، ويتعاهد معاطف بدنه ، كالإبطين وداخل الأذنين والسرة ، وما بين الأليتين وأصابع الرجلين ، وعكن البطن ، وغير ذلك ، فيوصل الماء إلى جميع ذلك ، ثم يفيض على رأسه ثلاث حثيات ، ثم يفيض الماء على جسده ثلاث مرات ، يدلك في كل مرة ما تصل إليه يداه من بدنه ، وإن كان يغتسل في نهر أو بركة انغمس فيها ثلاث مرات ، ويوصل الماء إلى جميع بشرته ، والشعور الكثيفة والخفيفة ، ويعم بالغسل ظاهر الشعر وباطنه وأصول منابته ، والمستحب أن يبدأ بميامنه وأعالي بدنه ، وأن يكون مستقبل القبلة ، وأن يقول بعد الفراغ : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وينوي الغسل من أول شروعه فيما ذكرناه ، ويستصحب النية إلى أن يفرغ من غسله ، فهذا كمال الغسل ، والواجب من هذا كله النية في أول ملاقاة أول جزء من البدن للماء ، وتعميم البدن شعره وبشره بالماء ، ومن شرطه أن يكون البدن طاهرا من النجاسة ، وما زاد على هذا مما ذكرناه سنة . وينبغي لمن اغتسل من إناء كالإبريق ونحوه أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها ، وهي أنه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء بالماء فينبغي أن يغسل محل الاستنجاء بعد ذلك بنية غسل الجنابة ; لأنه إذا لم يغسله الآن ربما غفل عنه بعد ذلك ; فلا يصح غسله لترك ذلك ، وإن ذكره احتاج إلى مس فرجه ; فينتقض وضوءه ، أو يحتاج إلى كلفة في لف خرقة على يده . والله أعلم .

                                                                                                                هذا مذهبنا ومذهب كثيرين من الأئمة ولم يوجب أحد من العلماء الدلك ، في الغسل ولا في الوضوء إلا مالك والمزني ، ومن سواهما يقول : هو سنة ، لو تركه صحت طهارته في الوضوء والغسل ، ولم يوجب أيضا الوضوء في غسل الجنابة إلا داود الظاهري ، ومن سواه يقولون : هو سنة ، فلو أفاض الماء على جميع بدنه من غير وضوء صح غسله ، واستباح به الصلاة وغيرها ، ولكن الأفضل أن يتوضأ كما ذكرنا ، وتحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل أو بعده ، وإذا توضأ أولا لا يأتي به ثانيا فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان . والله أعلم .

                                                                                                                فهذا مختصر ما يتعلق بصفة الغسل . وأحاديث الباب تدل على معظم ما ذكرناه ، وما بقي فله دلائل مشهورة . والله أعلم .

                                                                                                                واعلم أنه جاء في روايات عائشة - رضي الله عنها - في صحيح البخاري ومسلم : أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ وضوءه للصلاة قبل إفاضة الماء عليه ، فظاهر هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - أكمل الوضوء بغسل الرجلين ، وقد جاء في أكثر روايات ميمونة ، توضأ ثم أفاض الماء عليه ، ثم تنحى فغسل رجليه ، وفي رواية من حديثها ، رواها البخاري : توضأ وضوءه للصلاة غير قدميه ، ثم أفاض الماء عليه ، ثم نحى قدميه فغسلهما ، وهذا تصريح بتأخير القدمين . وللشافعي - رضي الله عنه - قولان : أصحهما وأشهرهما والمختار [ ص: 555 ] منهما : أنه يكمل وضوءه بغسل القدمين . والثاني : أنه يؤخر غسل القدمين ، فعلى القول الضعيف يتأول روايات عائشة وأكثر روايات ميمونة على أن المراد بوضوء الصلاة أكثره ، وهو ما سوى الرجلين كما بينته ميمونة في رواية البخاري فهذه الرواية صريحة ، وتلك الرواية محتملة للتأويل ، فيجمع بينهما بما ذكرناه ، وأما على المشهور الصحيح ، فيعمل بظاهر الروايات المشهورة المستفيضة عن عائشة وميمونة جميعا في تقديم وضوء الصلاة ، فإن ظاهره كمال الوضوء ، فهذا كان الغالب والعادة المعروفة له - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يعيد غسل القدمين بعد الفراغ لإزالة الطين لا لأجل الجنابة ، فتكون الرجل مغسولة مرتين ، وهذا هو الأكمل الأفضل ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يواظب عليه . وأما رواية البخاري عن ميمونة فجرى ذلك مرة أو نحوها بيانا للجواز ، وهذا كما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثا ثلاثا ، ومرة مرة ، فكان الثلاث في معظم الأوقات لكونه الأفضل ، والمرة في نادر من الأوقات لبيان الجواز . ونظائر هذا كثيرة . والله أعلم .

                                                                                                                وأما نية هذا الوضوء فينوي به رفع الحدث الأصغر ، إلا أن يكون جنبا غير محدث ، فإنه ينوي به سنة الغسل . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فيدخل أصابعه في أصول الشعر ) إنما فعل ذلك ليلين الشعر ويرطبه مرور الماء عليه .

                                                                                                                قوله : ( حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه حفنات ) معنى ( استبرأ ) أي أوصل البلل إلى جميعه . ومعنى ( حفن ) أخذ الماء بيديه جميعا .




                                                                                                                الخدمات العلمية