الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب فيمن أصبح جنبا في شهر رمضان

                                                                      2388 حدثنا القعنبي عن مالك ح و حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحق الأذرمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا قال عبد الله الأذرمي في حديثه في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم قال أبو داود وما أقل من يقول هذه الكلمة يعني يصبح جنبا في رمضان وإنما الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم [ ص: 12 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 12 ] ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا ) : قال النووي : وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء ، وفيه خلاف ، الأشهر امتناعه ، قالوا : لأنه من تلاعب الشيطان وهم [ ص: 13 ] منزهون عنه ، فالمراد يصبح جنبا من جماع ولا يجنب من احتلام لامتناعه منه .

                                                                      أما حكم المسألة فقد أجمع أهل هذه الأعصار على صحة صوم الجنب سواء كان من احتلام أو جماع ، وبه قال جماهير الصحابة والتابعين ، وحكي عن الحسن بن صالح بن حي إبطاله ، وكان عليه أبو هريرة والصحيح أنه رجع عنه كما صرح به في رواية مسلم ، وقيل لم يرجع عنه وليس بشيء .

                                                                      وحكي عن طاوس وعروة والنخعي إن علم بجنابته لم يصح وإلا فيصح ، وحكي مثله عن أبي هريرة وحكي أيضا عن الحسن البصري والنخعي أنه يجزئه في صوم التطوع دون الفرض .

                                                                      وحكي عن سالم بن عبد الله والحسن البصري والنخعي والحسن بن صالح يصومه ويقضيه ، ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته .

                                                                      وفي صحة الإجماع بعد الخلاف خلاف مشهور لأهل الأصول .

                                                                      وحديث عائشة وأم سلمة حجة على كل مخالف والله أعلم .

                                                                      وإذا انقطع دم الحائض والنفساء في الليل ثم طلع الفجر قبل اغتسالهما صح صومهما ووجب عليهما إتمامه ، سواء تركت الغسل عمدا أو سهوا بعذر أم بغيره كالجنب ، وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا [ ص: 14 ] نعلم صح عنه أم لا . انتهى كلام النووي بتغيير .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي مختصرا ومطولا .

                                                                      قال أبو داود : ما أقل من يقول هذه الكلمة . يعني يصبح جنبا في رمضان وإنما الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم هذا آخر كلامه .

                                                                      وقد وقعت هذه الكلمة في صحيح مسلم وفي كتاب النسائي وفيها رد على إبراهيم النخعي والحسن البصري في قولهما ولا يجزئه صومه في الفرض ويجزئه في التطوع .

                                                                      ( ما أقل ) : صيغة تعجب ( من يقول هذه الكلمة ) : المروية في رواية عبد الله الأذرمي ( يعني يصبح جنبا في رمضان ) : وهذه الجملة مشار إليها لقوله هذه الكلمة ، فعبد الله الأذرمي يقول في روايته : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم ، وغير عبد الله الأذرمي يقول يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم أي من غير ذكر في رمضان ( وإنما الحديث ) : المروي من طرق كثيرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم ) : أي من غير ذكر رمضان .

                                                                      فيشبه أن يكون مراد المؤلف أن الحديث مروي [ ص: 15 ] بلفظين أحدهما بإطلاق الصوم حالة الجنابة من غير ذكر رمضان كما رواه غير عبد الله الأذرمي .

                                                                      وثانيهما - صومه على تلك الحالة مقيدا بصوم رمضان كما رواه الأذرمي لكن الرواة لرواية تقييد الصوم برمضان أقل قليل جدا من الرواة لرواية إطلاق الصوم حتى صارت قلة رواة التقييد في محل التعجب .

                                                                      والحاصل أن رواة الإطلاق أكثر وأشهر ورواة التقييد أقل القليل جدا .

                                                                      والأذرمي تفرد في حديث مالك بذكر رمضان ، لكن قال المنذري : قد وقعت هذه الكلمة في صحيح مسلم وفي كتاب النسائي انتهى .

                                                                      يعني وإن كان رواة التقييد برمضان بالنسبة إلى رواة الإطلاق قلة ، لكن ليست القلة بحيث تفضي إلى العجب ، بل رواية التقييد في صحيح مسلم أيضا من غير طريق الأذرمي وكذا في النسائي فكيف يقال إن رواة التقييد قليلة جدا . والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية