الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2694 حدثنا موسى بن إسمعيل قال حدثنا حماد عن محمد بن إسحق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذه القصة قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن مسك بشيء من هذا الفيء فإن له به علينا ست فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا ثم دنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال يا أيها الناس إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا ورفع أصبعيه إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخياط والمخيط فقام رجل في يده كبة من شعر فقال أخذت هذه لأصلح بها برذعة لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك فقال أما إذ بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( في هذه القصة ) : أي السابقة ( ردوا عليهم ) : أي على وفد هوازن ( فمن مسك بشيء ) : قال الخطابي : يريد من أمسك يقال مسكت الشيء وأمسكته بمعنى واحد وفيه إضمار وهو الرد ، كأنه قال من أصاب شيئا من هذا الفيء فأمسكه ثم رده ( ست فرائض ) : جمع فريضة وهي البعير المأخوذ في الزكاة ، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير في غير الزكاة كذا في النهاية ( من أول شيء يفيئه الله علينا ) : قال الخطابي يريد الخمس من الفيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ينفق منه على أهله ويجعل الباقي في مصالح الدين ومنافع المسلمين ، وذلك بمعنى قوله إلا الخمس والخمس مردود عليكم ( ثم دنا ) : أي قرب ( وبرة ) : بفتحات أي شعرة ( ولا هذا ) : يشير إلى ما أخذ .

                                                                      قال الطيبي : ولا هذا تأكيد وهو إشارة إلى الوبرة على تأويل شيء ( ورفع أصبعيه ) : أي وقد رفع إصبعيه اللتين أخذ بهما الوبرة ( إلا الخمس ) : ضبط بالرفع والنصب فالرفع على البدل والنصب على الاستثناء [ ص: 287 ] ( والخمس مردود عليكم ) : أي مصروف في مصالحكم من السلاح والخيل وغير ذلك ( فأدوا الخياط ) : بكسر الخاء أي الخيط أو جمعه ( والمخيط ) : بكسر الميم وسكون الخاء هو الإبرة .

                                                                      قال الخطابي : فيه دليل على أن قليل ما يغنم وكثيره مقسوم بين من شهد الوقعة ليس لأحد أن يستبد منه بشيء وإن قل إلا الطعام الذي قد وردت فيه الرخصة وهذا قول الشافعي انتهى مختصرا ( في يده كبة ) : بضم الكاف وتشديد الموحدة أي قطعة مكبكبة من غزل شعر ( بردعة ) : بفتح الموحدة والدال المهملة وقيل بالمعجمة ، وفي القاموس إهمال الدال أكثر ، وفي المغرب هي الحلس الذي تحت رحل البعير .

                                                                      قاله القاري ( أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك ) : أي أما ما كان نصيبي ونصيبهم فأحللناه لك ، وأما ما بقي من أنصباء الغانمين فاستحلاله ينبغي أن يكون منهم ( فقال ) : أي الرجل ( أما إذا بلغت ) : أي وصلت الكبة ( ما أرى ) : أي إلى ما أرى من التبعة والمضايقة أو إلى هذه الغاية ( فلا أرب ) : بفتح الهمزة والراء أي لا حاجة ( ونبذها ) : أي ألقاها .

                                                                      وأحاديث الباب تدل على ما ترجم به أبو داود قال الخطابي ما محصله : إن في حديث جبير وحديث ابن عباس وحديث ابن مسعود دليلا على أن الإمام مخير في الأسارى البالغين إن شاء من عليهم وأطلقهم من غير فداء ، وإن شاء فاداهم بمال معلوم ، وإن شاء قتلهم ، يفعل ما هو أحفظ للإسلام وأصلح لأمر الدين .

                                                                      وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل ، وهو قول الأوزاعي وسفيان الثوري .

                                                                      وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن شاء قتلهم ، وإن شاء فاداهم ، وإن شاء استرقهم ولا يمن عليهم فيطلقهم بغير عوض .

                                                                      وزعم بعضهم أن المن خاص للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره .

                                                                      قال والتخصيص لا يكون إلا بدليل .

                                                                      وقوله تعالى فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء الآية عام لجماعة الأمة كلهم ليس فيه تخصيص للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                      انتهى .

                                                                      قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن للإمام أن يمن على من شاء من الأسارى ، ويقتل من شاء منهم ويفدي من شاء .

                                                                      واختار بعض أهل العلم القتل على الفداء .

                                                                      وقال الأوزاعي : بلغني أن هذه الآية منسوخة يعني قوله : فإما منا بعد وإما فداء نسخها قوله واقتلوهم حيث ثقفتموهم وقال [ ص: 289 ] إسحاق بن منصور : قلت لأحمد إذا أسر الأسير يقتل أو يفادى أحب إليك ؟ قال : إن قدر أن يفادى فليس به بأس ، وإن قتل فما أعلم به بأسا .

                                                                      قال إسحاق بن إبراهيم : الإثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفا فأطمع به الكثير انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي .

                                                                      132 - باب في الإمام يقيم عند الظهور على العدو بعرصتهم




                                                                      الخدمات العلمية