الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2758 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن بكير بن الأشج عن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام فقلت يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع قال فذهبت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت قال بكير وأخبرني أن أبا رافع كان قبطيا قال أبو داود هذا كان في ذلك الزمان فأما اليوم فلا يصلح

                                                                      التالي السابق


                                                                      بصيغة المجهول .

                                                                      ( به ) أي بالإمام ( في العهود ) والميثاق والصلح والأمان .

                                                                      وفي بعض النسخ : باب يستجن بالإمام في العهود .

                                                                      قال ( الراغب ) أصل الجن الستر عن الحاسة انتهى .

                                                                      وفي لسان العرب : جن الشيء يجنه جنا ستره ، وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك ، وأجنه ستره ، وبه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار ، ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه ، واستجن فلان إذا استتر بشيء انتهى .

                                                                      والمعنى أن الإمام يستتر به وأنه محل العصمة والوقاية للرعية ، فالإمام كالمجن والترس ، فإن من استتر بالترس فقد وقى نفسه من [ ص: 346 ] أذية العدو فكذا الإمام يستتر به في العهود والميثاق والصلح والأمان فالإمام إذا عقد العهد وصالح بين المسلمين وبين غير أهل الإسلام إلى مدة ، فالمسلمون يسيرون ويمرون في بلاد أهل الشرك ولا يتعرض لهم مخالفوهم بأذية ولا فساد في أنفسهم وأموالهم لأجل هذا الصلح ، وكذا يسيرون أهل الشرك في بلاد الإسلام من غير خوف على أنفسهم وأموالهم ، فالستر والمنع عن الأذى والفساد لا يحصل إلا بعهد وأمانالإمام والله أعلم .

                                                                      كذا في الشرح .

                                                                      ( إنما الإمام جنة ) بضم الجيم .

                                                                      قال النووي : أي كالساتر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ، ويمنع الناس بعضهم من بعض ، ويحمي بيضة الإسلام انتهى . قال الخطابي : معناه أن الإمام هو الذي يعقد العهد والهدنة بين المسلمين وبين أهل الشرك ، فإذا رأى ذلك صلاحا لهم وهادنهم فقد وجب على المسلمين أن يجيزوا أمانه لهم .

                                                                      ومعنى الجنة العصمة والوقاية ، وليس لغير الإمام أن يجعل لأمة بأسرها من الكفار أمانا انتهى ( يقاتل ) بالبناء للمفعول ( به ) أي برأيه وأمره .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .

                                                                      ( ألقي ) : بصيغة المجهول أي أوقع ( لا أخيس ) : بكسر الخاء المعجمة بعدها تحتية أي لا أنقض العهد ، من خاس الشيء في الوعاء إذا فسد ( ولا أحبس ) : بالحاء المهملة والموحدة ( البرد ) : بضمتين ، وقيل بسكون الراء جمع بريد وهو الرسول .

                                                                      قال الخطابي : يشبه أن يكون المعنى في ذلك أن الرسالة تقتضي جوابا والجواب لا يصل إلى المرسل إلا مع الرسول بعد انصرافه ، فصار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه .

                                                                      قال وفي قوله لا أخيس بالعهد أن العهد يراعى مع الكافر كما يراعى مع المسلم ، وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان فقد وجب عليك أن تؤمنه ولا تغتاله في دم ولا مال ولا منفعة انتهى ( فإن كان ) : أي [ ص: 347 ] ثبت ( في نفسك ) : أي في مستقبل الزمان ( الذي في نفسك الآن ) : يعني الإسلام ( فارجع ) : أي من الكفار إلينا ( قال بكير ) : هو ابن الأشج ( وأخبرني ) : أي الحسن بن علي ( قبطيا ) : أي عبدا قبطيا ( واليوم لا يصلح ) : أي لا يصلح نسبته إلى الرق تعظيما لشأن الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                      كذا في بعض الحواشي ، وهذا ليس بشيء والصحيح ما قاله الشيخ ابن تيمية في المنتقى معناه والله أعلم أنه كان في المرة التي شرط لهم فيها أن يرد من جاءه منهم مسلما انتهى .

                                                                      وقال في زاد المعاد : وكان هديه أيضا أن لا يحبس الرسول عنده إذا اختار دينه ويمنعه اللحاق بقومه بل يرده إليهم كما قال أبو رافع فذكر حديثه .

                                                                      قال أبو داود : وكان هذا في المدة التي شرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم من جاء منهم وإن كان مسلما وأما اليوم فلا يصلح هذا .

                                                                      وفي قوله لا أحبس البرد إشعار بأن هذا حكم يختص بالرسل مطلقا .

                                                                      وأما رده لمن جاء إليه منهم وإن كان مسلما فهذا إنما يكون مع الشرط كما قال أبو داود .

                                                                      وأما الرسل فلهم حكم آخر ألا تراه لم يتعرض لرسولي مسيلمة وقد قالا له في وجهه ما قالاه انتهى .

                                                                      كذا في الشرح .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي .

                                                                      قال أبو داود هكذا كان في ذلك الزمان فأما اليوم لا يصلح .

                                                                      هذا آخر كلامه .

                                                                      وأبو رافع اسمه إبراهيم ، ويقال أسلم ، ويقال ثابت ، ويقال هرمز .




                                                                      الخدمات العلمية