الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2196 حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتنة ماذا أنزل من الخزائن من يوقظ صواحب الحجرات يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا سويد بن نصر ) بن سويد المروزي لقبه الشاه ثقة من العاشرة ( عن هند بنت الحارث ) الفراسية ويقال القرشية ، ثقة من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة ) زاد البخاري في رواية فزعا ( فقال سبحان الله ) بالنصب بفعل لازم الحذف ، قاله تعجبا واستعظاما ( ماذا ) ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم ( أنزل ) بصيغة المجهول ، وفي رواية للبخاري أنزل الله بإظهار الفاعل والمراد بالإنزال إعلام الملائكة بالأمر المقدور ، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن ، فعبر عنه بالإنزال ، قاله الحافظ ( الليلة من الفتنة ؟ ماذا أنزل من الخزائن ؟ ) عبر عن الرحمة بالخزائن كقوله تعالى : خزائن رحمة ربك وعن العذاب بالفتنة لأنها أسبابه قاله الكرماني ( من يوقظ ) استفهام أي هل أحد يوقظ قال الحافظ أراد بقوله من يوقظ ـ بعض خدمه كما قال يوم الخندق : من يأتيني بخبر القوم ؟ وأراد أصحابه ، لكن هناك عرف الذي انتدب كما تقدم وهنا لم يذكر ( صواحب الحجرات ؟ ) جمع حجرة .

                                                                                                          قال في الصراح : حجرة حظيرة شتروخانة خورد ، والجمع حجر ، مثل غرفة وغرف وحجرات بضم الجيم انتهى يعني صلى الله عليه وسلم بصواحب الحجرات أزواجه وإنما خصهن بالإيقاظ لأنهن الحاضرات أو من باب ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ( يا رب كاسية ) قيل المنادى فيه محذوف والتقدير يا سامعين ورب للتكثير ( عارية في الآخرة ) قال عياض : الأكثر بالخفض على الوصف للمجرور برب ، وقال غيره : الأولى الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي يتعلق به رب محذوف ، وقال السهيلي : الأحسن الخفض على النعت لأن رب حرف جر يلزم صدر الكلام ، وهذا رأي سيبويه ، وعند الكسائي هو اسم مبتدأ والمرفوع خبره وإليه كان يذهب [ ص: 366 ] بعض شيوخنا انتهى ، وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى موجب استيقاظ أزواجه ، أي ينبغي لهن أن لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدن على كونهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          قال الحافظ : واختلف في المراد بقوله كاسية وعارية على أوجه :

                                                                                                          أحدها كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى ، عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا .

                                                                                                          ثانيها كاسية بالثياب لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك .

                                                                                                          ثالثها كاسية من نعم الله ، عارية من الشكل الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب .

                                                                                                          رابعها كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية ، فتعاقب في الآخرة .

                                                                                                          خامسها كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح ، عارية في الآخرة من العمل ، فلا ينفعها صلاح زوجها ، كما قال تعالى : فلا أنساب بينهم ذكر هذا الأخير الطيبي ورجحه لمناسبة المقام ، واللفظة وإن وردت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكن العبرة بعموم اللفظ ، قال ابن بطال في هذا الحديث : إن المفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه وأن يبخل به فيمنع الحق ، أو يبطر فيسرف فأراد صلى الله عليه وسلم تحذير أزواجه من ذلك كله ، وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك ، وفي الحديث الندب إلى الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة ، ولا سيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ، ومن دعا له انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث صحيح ) وأخرجه أحمد والبخاري .




                                                                                                          الخدمات العلمية