[ ص: 251 ] [ ص: 252 ] [ ص: 253 ] [ ص: 254 ] [ ص: 255 ] [ ص: 256 ] [ ص: 257 ] [ ص: 258 ] [ ص: 259 ] [ ص: 260 ] [ ص: 261 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203nindex.php?page=treesubj&link=28973_23444واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون
معطوف على
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فاذكروا الله كذكركم آباءكم وما بينهما اعتراض ، وإعادة فعل اذكروا ليبنى عليه تعليق المجرور أي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203في أيام معدودات لبعد متعلقه وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فاذكروا الله كذكركم آباءكم ، لأنه أريد تقييد الذكر بصفته ثم تقييده بزمانه ومكانه .
فالذكر الثاني هو نفس الذكر الأول وعطفه عليه منظور فيه إلى المغايرة بما علق به من زمانه .
والأيام المعدودات أيام
منى ، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، يقيم الناس فيها
بمنى وتسمى أيام التشريق ، لأن الناس يقددون فيها اللحم ، والتقديد تشريق ، أو لأن الهدايا لا تنحر فيها حتى تشرق الشمس .
وكانوا يعلمون أن إقامتهم
بمنى بعد يوم النحر بعد طواف الإفاضة ثلاثة أيام فيعلمون أنها المراد هنا بالأيام المعدودات ، ولذلك قال جمهور الفقهاء : الأيام المعدودات أيام منى وهي بعد اليوم العاشر وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ومجاهد وعطاء وقتادة والسدي والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ومالك ، وهي غير المراد من الأيام المعلومات التي في قوله تعالى ( ليذكروا اسم الله في أيام معلومات ) في سورة الحج .
فالأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة ، وهي اليوم العاشر ويومان بعده .
والمعدودات أيام
منى بعد يوم النحر ، فاليوم العاشر من المعلومات لا من المعدودات ،
[ ص: 262 ] واليومان بعده من المعلومات والمعدودات ، واليوم الرابع من المعدودات فقط ، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام لأن اليوم الرابع لا نحر فيه ولا ذبح إجماعا ، وقال
أبو يوسف ومحمد بن الحسن : لا فرق بين الأيام المعلومات والأيام المعدودات وهي يوم النحر ويومان بعده فليس اليوم الرابع عندهما معلوما ولا معدودا ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الأيام المعلومات من أول ذي الحجة حتى يوم النحر وما بعد ذلك معدودات ، وهو رواية عن
أبي حنيفة .
ودلت الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=3669_24420_19764طلب ذكر الله تعالى في أيام رمي الجمار وهو الذكر عند الرمي وعند نحر الهدايا .
وإنما أمروا بالذكر في هذه الأيام ، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء ، قال
العرجي :
ما نلتقي إلا ثلاث منى حتى يفرق بيننا النفر
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة :
بدا لي منها معصم حين جمرت وكف خضيب زينت ببنان
فوالله ما أدري وإن كنت داريا بسبع رميت الجمر أم بثمان
لأنهم كانوا يرون أن الحج قد انتهى بانتهاء العاشر ، بعد أن أمسكوا عن ملاذهم مدة طويلة فكانوا يعودون إليها ، فأمرهم الله تعالى بذكر الله فيها وذكر الله فيها هو ذكره عند رمي الجمار .
والأيام المعدودات الثلاثة ترمى الجمار الثلاثة في كل يوم منها بعد الزوال يبتدأ بالجمرة التي تلي مسجد منى بسبع حصيات ، ثم ترمى الجمرتان الأخريان كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ، وآخرها جمرة العقبة ، وفي أحكام الرمي ووقته وعكس الابتداء فيه بجمرة
مسجد منى والمبيت بغير
منى خلافات بين الفقهاء .
والآية تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=33040الإقامة في منى في الأيام المعدودات واجبة فليس للحاج أن يبيت في تلك الليالي إلا في
منى ، ومن لم يبت في
منى فقد أخل بواجب فعليه هدي ، ولا يرخص في المبيت في غير
منى إلا لأهل الأعمال التي تقتضي المغيب عن
منى فقد رخص النبيء صلى الله عليه وسلم
[ ص: 263 ] للعباس المبيت
بمكة لأجل أنه على سقاية
زمزم ، ورخص لرعاء الإبل من أجل حاجتهم إلى رعي الإبل في المراعي البعيدة عن
منى وذلك كله بعد أن يرموا جمرة العقبة يوم النحر ويرجعوا من الغد فيرمون ، ورخص للرعاء الرمي بليل ، ورخص الله في هذه الآية لمن تعجل إلى وطنه أن يترك الإقامة
بمنى اليومين الأخيرين من الأيام المعدودات .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه تفريع لفظي للإذن بالرخصة في
nindex.php?page=treesubj&link=3704ترك حضور بعض أيام منى لمن أعجله الرجوع إلى وطنه ، وجيء بالفاء لتعقيب ذكر الرخصة بعد ذكر العزيمة رحمة منه تعالى بعباده .
وفعلا تعجل وتأخر : مشعران بتعجل وتأخر في الإقامة بالمكان الذي يشعر به اسم الأيام المعدودات ، فالمراد من التعجل عدم اللبث وهو النفر عن
منى ومن التأخر اللبث في
منى إلى يوم نفر جميع الحجيج ، فيجوز أن تكون صيغة تعجل وتأخر معناهما مطاوعة عجله وأخره فإن التفعل يأتي للمطاوعة كأنه عجل نفسه فتعجل وأخرها فتأخر فيكون الفعلان قاصرين لا حاجة إلى تقدير مفعول لهما ولكن المتعجل عنه والمتأخر إليه مفهومان من اسم الأيام المعدودات ، أي تعجل النفر وتأخر النفر ، ويجوز أن تكون صيغة التفعل في الفعلين لتكلف الفعل كأنه اضطر إلى العجلة أو إلى التأخر فيكون المفعول محذوفا لظهوره ; أي فمن تعجل النفر ومن تأخره .
فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ظاهر المعنى في نفي الإثم عنه ، وإنما قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203ومن تأخر فلا إثم عليه يشكل بأن نفي الإثم يقتضي توهم حصوله فيصير التأخر إلى اليوم الرابع رخصة مع أنه هو العزيمة ، ودفع هذا التوهم بما روي أن أهل الجاهلية كانوا على فريقين; فريق منهم يبيحون التعجيل ، وفريق يبيحون التأخير إلى الرابع فوردت الآية للتوسعة في الأمرين ، أو تجعل معنى نفي الإثم فيهما كناية عن التخيير بين الأمرين ، والتأخير أفضل ، ولا مانع في الكلام من التخيير بين أمرين وإن كان أحدهما أفضل ، كما خير المسافر بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل .
وعندي أن وجه ذكر
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203ومن تأخر فلا إثم عليه أن الله لما أمر بالذكر في أيام
منى وترك ما كانوا عليه في الجاهلية من الاشتغال فيها بالفضول كما تقدم ، وقال بعد ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه خيف أن يتوهم أن التعجيل بالنفر أولى تباعدا عن مواقعة ما لا
[ ص: 264 ] يحسن من الكلام ، فدفع ذلك بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203ومن تأخر فلا إثم عليه فإذا نفي هذا التوهم علم السامع أنه قد ثبتت للمتأخر فضيلة الإقامة بتلك المنازل المباركة والمشاركة فيها بذكر الله تعالى ، ولذلك عقبه بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203لمن اتقى أي لمن اتقى الله في تأخره فلم يرفث ولم يفسق في أيام
منى ، وإلا فالتأخر فيها لمن لم يتق إثم فهو متعلق بما تدل عليه ( لا ) من معنى النفي ، أو هو خبر مبتدأ ، أي ذلك لمن اتقى ، وبدون هذا لا يظهر وجه لزيادة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203لمن اتقى وإن تكلفوا في تفسيره بما لا تميل النفس إلى تقريره .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واتقوا الله وصاية بالتقوى وقعت في آخر بيان مهام أحكام الحج ، فهي معطوفة على
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واذكروا الله ومعترضة بين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203ومن تأخر وبين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204ومن الناس من يعجبك إلخ .
وقد استحضر حال المخاطبين بأحكام الحج في حال حجهم; لأن مفاتحة هاته الآيات كانت بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فمن فرض فيهن الحج فلا رفث إلخ ، ولما ختمت بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واذكروا الله في أيام معدودات وهي آخر أيام الحج وأشير في ذلك إلى التفرق والرجوع إلى الأوطان بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فمن تعجل في يومين إلخ ، عقب ذلك بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واتقوا الله وصية جامعة للراجعين من الحج أن يراقبوا تقوى الله في سائر أحوالهم وأماكنهم ولا يجعلوا تقواه خاصة بمدة الحج كما كانت تفعله الجاهلية فإذا انقضى الحج رجعوا يتقاتلون ويغيرون ويفسدون ، وكما يفعله كثير من عصاة المسلمين عند انقضاء رمضان .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واعلموا أنكم إليه تحشرون تحريض على التقوى وتحذير من خلافها ; لأن من علم ذلك سعى لما يجلب رضا المرجوع إليه وتجنب سخطه .
فالأمر في اعلموا للتذكير ، لأن ذلك معلوم عندهم وقد تقدم آنفا عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196واعلموا أن الله شديد العقاب .
والحشر : الجمع بعد التفرق . فلذلك ناسب قوله تحشرون حالتي تفرق الحجيج بعد انقضاء الحج واجتماع أفراد كل فريق منهم إلى بلده بعد ذلك .
واختير لفظ تحشرون هنا دون تصيرون أو ترجعون ، لأن " تحشرون " أجمع لأنه يدل على المصير وعلى الرجوع مع الدلالة على أنهم يصيرون مجتمعين كلهم كما كانوا مجتمعين حين استحضار حالهم في هذا الخطاب وهو اجتماع الحج ، ولأن الناس بعد الحج يحشرون إلى مواطنهم فذكرهم بالحشر العظيم ، فلفظ تحشرون أنسب بالمقام من وجوه كثيرة ، والعرب
[ ص: 265 ] كانوا يتفرقون رابع أيام
منى فيرجعون إلى مكة لزيارة البيت لطواف الوداع ثم ينصرفون فيرجع كل فريق إلى موطنه ، قال
امرؤ القيس يذكر التفرق يوم رابع النحر وهو يوم المحصب في
منى :
فلله عينا من رأى من تفرق أشت وأنأى من فراق المحصب
غداة غدوا فسالك بطن نخلة وآخر منهم جازع نجد كبكب
وقال
كثير :
ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
وشدت على دهم المهارى رحالنا ولم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح
والمعنى ليكن ذكركم الله ودعاؤكم في أيام إقامتكم في منى ، وهي الأيام المعدودات الثلاثة الموالية ليوم الأضحى ، وأقيموا في
منى تلك الأيام فمن دعته حاجته إلى التعجيل بالرجوع إلى وطنه فلا إثم عليه أن يترك يومين من أيام
منى وهما الثاني عشر من ذي الحجة والثالث عشر منه .
[ ص: 251 ] [ ص: 252 ] [ ص: 253 ] [ ص: 254 ] [ ص: 255 ] [ ص: 256 ] [ ص: 257 ] [ ص: 258 ] [ ص: 259 ] [ ص: 260 ] [ ص: 261 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203nindex.php?page=treesubj&link=28973_23444وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
مَعْطُوفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمُ آبَاءَكُمُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ ، وَإِعَادَةُ فِعْلِ اذْكُرُوا لِيُبْنَى عَلَيْهِ تَعْلِيقُ الْمَجْرُورِ أَيْ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ لِبُعْدِ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمُ آبَاءَكُمُ ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ تَقْيِيدُ الذِّكْرِ بِصِفَتِهِ ثُمَّ تَقْيِيدُهُ بِزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ .
فَالذِّكْرُ الثَّانِي هُوَ نَفْسُ الذِّكْرِ الْأَوَّلِ وَعَطْفُهُ عَلَيْهِ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى الْمُغَايَرَةِ بِمَا عُلِّقَ بِهِ مِنْ زَمَانِهِ .
وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ
مِنَى ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ ، يُقِيمُ النَّاسُ فِيهَا
بِمِنَى وَتُسَمَّى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ، لِأَنَّ النَّاسَ يُقَدِّدُونَ فِيهَا اللَّحْمَ ، وَالتَّقْدِيدُ تَشْرِيقٌ ، أَوْ لِأَنَّ الْهَدَايَا لَا تُنْحَرُ فِيهَا حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ .
وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ إِقَامَتَهُمْ
بِمِنَى بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْمُرَادُ هُنَا بِالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ مِنَى وَهِيَ بَعْدَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ nindex.php?page=showalam&ids=11867وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمَالِكٍ ، وَهِيَ غَيْرُ الْمُرَادِ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) فِي سُورَةِ الْحَجِّ .
فَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ النَّحْرِ الثَّلَاثَةُ ، وَهِيَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ .
وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ
مِنَى بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ ، فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ لَا مِنَ الْمَعْدُودَاتِ ،
[ ص: 262 ] وَالْيَوْمَانِ بَعْدَهُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ ، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ فَقَطْ ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ لِأَنَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ لَا نَحْرَ فِيهِ وَلَا ذَبْحَ إِجْمَاعًا ، وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فَلَيْسَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ عِنْدَهُمَا مَعْلُومًا وَلَا مَعْدُودًا ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعْدُودَاتٌ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ .
وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=3669_24420_19764طَلَبِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيَّامِ رَمْيِ الْجِمَارِ وَهُوَ الذِّكْرُ عِنْدَ الرَّمْيِ وَعِنْدَ نَحْرِ الْهَدَايَا .
وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَشْغَلُونَهَا بِالتَّفَاخُرِ وَمُغَازَلَةِ النِّسَاءِ ، قَالَ
الْعَرَجِيُّ :
مَا نَلْتَقِي إِلَّا ثَلَاثَ مِنَى حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَنَا النَّفْرُ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16674عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ :
بَدَا لِي مِنْهَا مِعْصَمٌ حِينَ جَمَّرَتْ وَكَفٌّ خَضِيبٌ زُيِّنَتْ بِبَنَانِ
فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِيًا بِسَبْعٍ رَمَيْتُ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْحَجَّ قَدِ انْتَهَى بِانْتِهَاءِ الْعَاشِرِ ، بَعْدَ أَنْ أَمْسَكُوا عَنْ مَلَاذِّهِمْ مُدَّةً طَوِيلَةً فَكَانُوا يَعُودُونَ إِلَيْهَا ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا وَذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا هُوَ ذِكْرُهُ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ .
وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ الثَّلَاثَةُ تُرْمَى الْجِمَارُ الثَّلَاثَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ يُبْتَدَأُ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، ثُمَّ تُرْمَى الْجَمْرَتَانِ الْأُخْرَيَانِ كُلُّ جَمْرَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيُكَبَّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ، وَآخِرُهَا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ ، وَفِي أَحْكَامِ الرَّمْيِ وَوَقْتِهِ وَعَكْسِ الِابْتِدَاءِ فِيهِ بِجَمْرَةِ
مَسْجِدِ مِنَى وَالْمَبِيتِ بِغَيْرِ
مِنَى خِلَافَاتٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ .
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33040الْإِقَامَةَ فِي مِنَى فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَاجِبَةٌ فَلَيْسَ لِلْحَاجِّ أَنْ يَبِيتَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي إِلَّا فِي
مِنَى ، وَمَنْ لَمْ يَبِتْ فِي
مِنَى فَقَدْ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ ، وَلَا يُرَخَّصُ فِي الْمَبِيتِ فِي غَيْرِ
مِنَى إِلَّا لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمَغِيبَ عَنْ
مِنَى فَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 263 ] لِلْعَبَّاسِ الْمَبِيتَ
بِمَكَّةَ لِأَجْلِ أَنَّهُ عَلَى سِقَايَةِ
زَمْزَمَ ، وَرَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِمْ إِلَى رَعْيِ الْإِبِلِ فِي الْمَرَاعِي الْبَعِيدَةِ عَنْ
مِنَى وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ أَنْ يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَرْجِعُوا مِنَ الْغَدِ فَيَرْمُونَ ، وَرَخَّصَ لِلرِّعَاءِ الرَّمْيَ بِلَيْلٍ ، وَرَخَّصَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِمَنْ تَعَجَّلَ إِلَى وَطَنِهِ أَنْ يَتْرُكَ الْإِقَامَةَ
بِمِنَى الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ تَفْرِيعٌ لَفْظِيٌّ لِلْإِذْنِ بِالرُّخْصَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3704تَرْكِ حُضُورِ بَعْضِ أَيَّامِ مِنَى لِمَنْ أَعْجَلَهُ الرُّجُوعُ إِلَى وَطَنِهِ ، وَجِيءَ بِالْفَاءِ لِتَعْقِيبِ ذِكْرِ الرُّخْصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَزِيمَةِ رَحْمَةً مِنْهُ تَعَالَى بِعِبَادِهِ .
وَفِعْلَا تَعَجَّلَ وَتَأَخَّرَ : مُشْعِرَانِ بِتَعَجُّلٍ وَتَأَخُّرٍ فِي الْإِقَامَةِ بِالْمَكَانِ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ اسْمُ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ ، فَالْمُرَادُ مِنَ التَّعَجُّلِ عَدَمُ اللُّبْثِ وَهُوَ النَّفْرُ عَنْ
مِنَى وَمِنَ التَّأَخُّرِ اللُّبْثُ فِي
مِنَى إِلَى يَوْمِ نَفْرِ جَمِيعِ الْحَجِيجِ ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ تَعَجَّلَ وَتَأَخَّرَ مَعْنَاهُمَا مُطَاوَعَةُ عَجَّلَهُ وَأَخَّرَهُ فَإِنَّ التَّفَعُّلَ يَأْتِي لِلْمُطَاوَعَةِ كَأَنَّهُ عَجَّلَ نَفْسَهُ فَتَعَجَّلَ وَأَخَّرَهَا فَتَأَخَّرَ فَيَكُونُ الْفِعْلَانِ قَاصِرَيْنِ لَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ مَفْعُولٍ لَهُمَا وَلَكِنَّ الْمُتَعَجَّلَ عَنْهُ وَالْمُتَأَخَّرَ إِلَيْهِ مَفْهُومَانِ مِنِ اسْمِ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ ، أَيْ تَعَجُّلِ النَّفْرِ وَتَأَخُّرِ النَّفْرِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ التَّفَعُّلِ فِي الْفِعْلَيْنِ لِتَكَلُّفِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ اضْطُرَّ إِلَى الْعَجَلَةِ أَوْ إِلَى التَّأَخُّرِ فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا لِظُهُورِهِ ; أَيْ فَمَنْ تَعَجَّلَ النَّفْرَ وَمَنْ تَأَخَّرَهُ .
فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْمَعْنَى فِي نَفْيِ الْإِثْمِ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ يُشْكِلُ بِأَنَّ نَفْيَ الْإِثْمِ يَقْتَضِي تَوَهُّمَ حُصُولِهِ فَيَصِيرُ التَّأَخُّرُ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ رُخْصَةً مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْعَزِيمَةُ ، وَدُفِعَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا عَلَى فَرِيقَيْنِ; فَرِيقٌ مِنْهُمْ يُبِيحُونَ التَّعْجِيلَ ، وَفَرِيقٌ يُبِيحُونَ التَّأْخِيرَ إِلَى الرَّابِعِ فَوَرَدَتِ الْآيَةُ لِلتَّوْسِعَةِ فِي الْأَمْرَيْنِ ، أَوْ تَجْعَلُ مَعْنَى نَفْيِ الْإِثْمِ فِيهِمَا كِنَايَةً عَنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ ، وَلَا مَانِعَ فِي الْكَلَامِ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ ، كَمَا خُيِّرَ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ .
وَعِنْدِي أَنَّ وَجْهَ ذِكْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي أَيَّامِ
مِنَى وَتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الِاشْتِغَالِ فِيهَا بِالْفُضُولِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ خِيفَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ التَّعْجِيلَ بِالنَّفْرِ أَوْلَى تَبَاعُدًا عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا لَا
[ ص: 264 ] يَحْسُنُ مِنَ الْكَلَامِ ، فَدَفَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فَإِذَا نُفِيَ هَذَا التَّوَهُّمُ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ لِلْمُتَأَخِّرِ فَضِيلَةُ الْإِقَامَةِ بِتِلْكَ الْمَنَازِلِ الْمُبَارَكَةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِيهَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203لِمَنِ اتَّقَى أَيْ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي تَأَخُّرِهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ فِي أَيَّامِ
مِنَى ، وَإِلَّا فَالتَّأَخُّرُ فِيهَا لِمَنْ لَمْ يَتَّقِ إِثْمٌ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ ( لَا ) مِنْ مَعْنَى النَّفْيِ ، أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ ، أَيْ ذَلِكَ لِمَنِ اتَّقَى ، وَبِدُونِ هَذَا لَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِزِيَادَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203لِمَنِ اتَّقَى وَإِنْ تَكَلَّفُوا فِي تَفْسِيرِهِ بِمَا لَا تَمِيلُ النَّفْسُ إِلَى تَقْرِيرِهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاتَّقُوا اللَّهَ وِصَايَةٌ بِالتَّقْوَى وَقَعَتْ فِي آخِرِ بَيَانِ مَهَامِّ أَحْكَامِ الْحَجِّ ، فَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاذْكُرُوا اللَّهَ وَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَمَنْ تَأَخَّرَ وَبَيْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ إِلَخْ .
وَقَدِ اسْتُحْضِرَ حَالُ الْمُخَاطَبِينَ بِأَحْكَامِ الْحَجِّ فِي حَالِ حَجِّهِمْ; لِأَنَّ مُفَاتَحَةَ هَاتِهِ الْآيَاتِ كَانَتْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ إِلَخْ ، وَلَمَّا خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وَهِيَ آخِرُ أَيَّامِ الْحَجِّ وَأُشِيرَ فِي ذَلِكَ إِلَى التَّفَرُّقِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الْأَوْطَانِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ إِلَخْ ، عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاتَّقُوا اللَّهَ وَصِيَّةٌ جَامِعَةٌ لِلرَّاجِعِينَ مِنَ الْحَجِّ أَنْ يُرَاقِبُوا تَقْوَى اللَّهِ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ وَلَا يَجْعَلُوا تَقْوَاهُ خَاصَّةً بِمُدَّةِ الْحَجِّ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَإِذَا انْقَضَى الْحَجُّ رَجَعُوا يَتَقَاتَلُونَ وَيُغِيرُونَ وَيُفْسِدُونَ ، وَكَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ رَمَضَانَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ تَحْرِيضٌ عَلَى التَّقْوَى وَتَحْذِيرٌ مِنْ خِلَافِهَا ; لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ سَعَى لِمَا يَجْلِبُ رِضَا الْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ وَتَجَنَّبَ سُخْطَهُ .
فَالْأَمْرُ فِي اعْلَمُوا لِلتَّذْكِيرِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .
وَالْحَشْرُ : الْجَمْعُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ . فَلِذَلِكَ نَاسَبَ قَوْلُهُ تُحْشَرُونَ حَالَتَيْ تَفَرُّقِ الْحَجِيجِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَجِّ وَاجْتِمَاعِ أَفْرَادِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَاخْتِيرَ لَفْظُ تُحْشَرُونَ هُنَا دُونَ تَصِيرُونَ أَوْ تُرْجَعُونَ ، لِأَنَّ " تُحْشَرُونَ " أَجْمَعُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَصِيرِ وَعَلَى الرُّجُوعِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ كُلُّهُمْ كَمَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ حِينَ اسْتِحْضَارِ حَالِهِمْ فِي هَذَا الْخِطَابِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْحَجِّ ، وَلِأَنَّ النَّاسَ بَعْدَ الْحَجِّ يُحْشَرُونَ إِلَى مَوَاطِنِهِمْ فَذَكَّرَهُمْ بِالْحَشْرِ الْعَظِيمِ ، فَلَفْظُ تُحْشَرُونَ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَالْعَرَبُ
[ ص: 265 ] كَانُوا يَتَفَرَّقُونَ رَابِعَ أَيَّامِ
مِنَى فَيَرْجِعُونَ إِلَى مَكَّةَ لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَرْجِعُ كُلُّ فَرِيقٍ إِلَى مَوْطِنِهِ ، قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ يَذْكُرُ التَّفَرُّقَ يَوْمَ رَابِعِ النَّحْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْمُحَصَّبِ فِي
مِنَى :
فَلِلَّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ أَشَتَّ وَأَنْأَى مِنْ فِرَاقِ الْمُحَصَّبِ
غَدَاةَ غَدَوْا فَسَالِكٌ بَطْنَ نَخْلَةٍ وَآخَرُ مِنْهُمْ جَازِعٌ نَجْدَ كَبْكَبِ
وَقَالَ
كُثَيِّرٌ :
وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ وَمَسَّحَ بِالْأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ
وَشُدَّتْ عَلَى دَهَمِ الْمَهَارَى رِحَالُنَا وَلَمْ يَنْظُرِ الْغَادِي الَّذِي هُوَ رَائِحُ
أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَنَا وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ الْمَطِيِّ الْأَبَاطِحُ
وَالْمَعْنَى لِيَكُنْ ذِكْرُكُمُ اللَّهَ وَدُعَاؤُكُمْ فِي أَيَّامِ إِقَامَتِكُمْ فِي مِنَى ، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ الثَّلَاثَةُ الْمُوَالِيَةُ لِيَوْمِ الْأَضْحَى ، وَأَقِيمُوا فِي
مِنَى تِلْكَ الْأَيَّامَ فَمَنْ دَعَتْهُ حَاجَتُهُ إِلَى التَّعْجِيلِ بِالرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ
مِنَى وَهُمَا الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْهُ .