[ ص: 117 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم يكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما
استئناف وانتقال إلى التحريض على الجهاد بمناسبة لطيفة ، فإنه انتقل من طاعة الرسول إلى ذكر أشد التكاليف ، ثم ذكر الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين ، وكان الحال أدعى إلى التنويه بشأن الشهادة دون بقية الخلال المذكورة معها الممكنة النوال .
وهذه الآية تشير لا محالة إلى تهيئة غزوة من غزوات المسلمين ، وليس في كلام السلف ذكر سبب نزولها ، ولا شك أنها لم تكن أول غزوة لأن غزوة
بدر وقعت قبل نزول هذه السورة ، وكذلك غزوة
أحد التي نزلت فيها سورة آل عمران ، وليست نازلة في غزوة الأحزاب لأن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فانفروا ثبات يقتضي أنهم غازون لا مغزوون .
ولعلها نزلت لمجرد التنبيه إلى قواعد الاستعداد لغزو العدو ، والتحذير من العدو الكاشح ، ومن العدو الكائد ، ولعلها إعداد لغزوة الفتح ، فإن هذه السورة نزلت في سنة ست ، وكان فتح
مكة في سنة ثمان ، ولا شك أن تلك المدة كانت مدة اشتداد التألب من العرب كلهم لنصرة مشركي
قريش والذب عن آلهتهم .
ويدل لذلك قوله بعد
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين إلخ ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141فإن كان لكم فتح من الله فإن اسم الفتح أريد به فتح
مكة في مواضع كثيرة كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فجعل من دون ذلك فتحا قريبا .
وابتدأ بالأمر بأخذ الحذر . وهي أكبر قواعد القتال لاتقاء خدع الأعداء . والحذر : هو توقي المكروه .
[ ص: 118 ] ومعنى ذلك أن لا يغتروا بما بينهم وبين العدو من هدنة صلح
الحديبية ، فإن العدو وأنصاره يتربصون بهم الدوائر ، ومن بينهم منافقون هم أعداء في صورة أولياء ، وهم الذين عنوا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وإن منكم لمن ليبطئن إلى فوزا عظيما .
ولفظ " خذوا " استعارة لمعنى شدة الحذر وملازمته ، لأن حقيقة الأخذ تناول الشيء الذي كان بعيدا عنك ، ولما كان النسيان والغفلة يشبهان البعد والإلقاء كان التذكر والتيقظ يشبهان أخذ الشيء بعد إلقائه ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو ، وقولهم : أخذ عليه عهدا وميثاقا .
وليس الحذر مجازا في السلاح كما توهمه كثير ، فإن الله تعالى قال في الآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، فعطف السلاح عليه .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فانفروا ثبات أو انفروا جميعا تفريع عن أخذ الحذر لأنهم إذا أخذوا حذرهم تخيروا أساليب القتال بحسب حال العدو ، و انفروا بمعنى اخرجوا للحرب ، ومصدره النفر ، بخلاف نفر ينفر بضم الفاء في المضارع فمصدره النفور .
و " ثبات " بضم الثاء جمع " ثبة " بضم الثاء أيضا وهي الجماعة ، وأصلها ثبية أو ثبوة بالياء أو الواو ، والأظهر أنها بالواو ، لأن الكلمات التي بقي من أصولها حرفان وفي آخرها هاء التأنيث أصلها الواو نحو عزة وعضة فوزنها فعة .
وأما ثبة الحوض ، وهي وسطه الذي يجتمع فيه الماء فهي من ثاب يثوب إذا رجع ، وأصلها ثوبة فخففت فصارت بوزن فلة ، واستدلوا على ذلك بأنها تصغر على ثويبة ، وأن الثبة بمعنى الجماعة تصغر على ثبية . قال
النحاس : ربما توهم الضعيف في اللغة أنهما واحد مع أن بينهما فرقا ، ومع هذا فقد جعلهما صاحب القاموس من واد واحد وهو حسن ، إذ قد تكون ثبة الحوض مأخوذة من الاجتماع إلا إذا ثبت اختلاف التصغير بسماع صحيح .
وانتصب " ثبات " على الحال ، لأنه في تأويل : متفرقين ، ومعنى جميعا جيشا واحدا .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وإن منكم لمن ليبطئن أي من جماعتكم وعدادكم ، والخبر الوارد فيهم ظاهر منه أنهم ليسوا بمؤمنين في خلوتهم ، لأن المؤمن إن أبطأ عن الجهاد لا يقول
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ، فهؤلاء منافقون ، وقد أخبر الله عنهم بمثل هذا صراحة في آخر هذه السورة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=138بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما إلى قوله
[ ص: 119 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين .
وعلى كون المراد بـ من ليبطئن المنافقين حمل الآية
مجاهد ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج . وقيل : أريد بهم ضعفة المؤمنين يتثاقلون عن الخروج إلى أن يتضح أمر النصر . قال
الفخر وهذا اختيار جماعة من المفسرين ، وعلى هذا فمعنى منكم أي من أهل دينكم . وعلى كلا القولين فقد أكد الخبر بأقوى المؤكدات لأن هذا الخبر من شأنه أن يتلقى بالاستغراب .
وبطأ بالتضعيف قاصر ، بمعنى تثاقل في نفسه عن أمر ، وهو الإبطاء عن الخروج إبطاء بداعي النفاق أو الجبن . والإخبار بذلك يستتبع الإنكار عليه ، والتعريض به ، مع كون الخبر باقيا على حقيقته لأن مستتبعات التراكيب لا توصف بالمجاز .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72فإن أصابتكم مصيبة تفريع عن
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72ليبطئن ، إذ هذا الإبطاء تارة يجر له الابتهاج بالسلامة ، وتارة يجر له الحسرة والندامة .
( والمصيبة ) اسم لما أصاب الإنسان من شر ، والمراد هنا مصيبة الحرب أعني الهزيمة من قتل وأسر .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72أنعم الله علي الإنعام بالسلامة : فإن كان من المنافقين فوصف ذلك بالنعمة ظاهر ، لأن القتل عندهم مصيبة محضة إذ لا يرجون منه ثوابا; وإن كان من ضعفة المؤمنين فهو قد عد نعمة البقاء أولى من نعمة فضل الشهادة لشدة الجبن ، وهذا من تغليب الداعي الجبلي على الداعي الشرعي .
والشهيد على الوجه الأول : إما بمعنى الحاضر المشاهد للقتال ، وإما تهكم منه على المؤمنين مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله ; وعلى الوجه الثاني الشهيد بمعناه الشرعي وهو القتيل في الجهاد . وأكد قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن ، باللام الموطئة للقسم وبلام جواب القسم وبنون التوكيد ، تنبيها على غريب حالته حتى ينزل سامعها منزلة المنكر لوقوع ذلك منه .
والمراد من الفضل الفتح والغنيمة . وهذا المبطئ يتمنى أن لو كان مع الجيش ليفوز فوزا عظيما ، وهو الفوز
[ ص: 120 ] بالغنيمة والفوز بأجر الجهاد ، حيث وقعت السلامة والفوز برضا الرسول ، ولذلك أتبع " أفوز " بالمصدر والوصف بعظيم .
ووجه غريب حاله أنه أصبح متلهفا على ما فاته بنفسه ، وأنه يود أن تجري المقادير على وفق مراده ، فإذا قعد عن الخروج لا يصيب المسلمين فضل من الله .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ) معترضة بين فعل القول ومقوله . والمودة الصحبة والمحبة; وإما أن يكون إطلاق المودة على سبيل الاستعارة الصورية إن كان المراد به المنافق ، وإما أن تكون حقيقة إن أريد ضعفة المؤمنين .
وشبه حالهم في حين هذا القول بحال من لم تسبق بينه وبين المخاطبين مودة حقيقية أو صورية ، فاقتضى التشبيه أنه كان بينه وبينهم مودة من قبل هذا القول .
ووجه هذا التشبيه أنه لما تمنى أن لو كان معهم وتحسر على فوات فوزه لو حضر معهم ، كان حاله في تفريطه رفقتهم يشبه حال من لم يكن له اتصال بهم بحيث لا يشهد ما أزمعوا عليه من الخروج للجهاد ، فهذا التشبيه مسوق مساق زيادة تنديمه وتحسيره ، أي أنه الذي أضاع على نفسه سبب الانتفاع بما حصل لرفقته من الخير ، أي أنه قد كان له من الخلطة مع الغانمين ما شأنه أن يكون سببا في خروجه معهم ، وانتفاعه بثواب النصر وفخره ونعمة الغنيمة .
وقرأ الجمهور ( لم يكن ) بياء الغيبة وهو طريقة في إسناد الفعل لما لفظه مؤنث غير حقيقي التأنيث ، مثل لفظ مودة هنا ، ولا سيما إذا كان فصل بين الفعل وفاعله . وقرأ
ابن كثير ، وحفص ، ورويس عن
يعقوب بالتاء الفوقية علامة المضارع المسند إلى المؤنث اعتبارا بتأنيث لفظ مودة .
[ ص: 117 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا
اسْتِئْنَافٌ وَانْتِقَالٌ إِلَى التَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ بِمُنَاسَبَةٍ لَطِيفَةٍ ، فَإِنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ إِلَى ذِكْرِ أَشَدِّ التَّكَالِيفِ ، ثُمَّ ذِكْرِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيئِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَكَانَ الْحَالُ أَدْعَى إِلَى التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الشَّهَادَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْخِلَالِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهَا الْمُمْكِنَةِ النَّوَالِ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ تُشِيرُ لَا مَحَالَةَ إِلَى تَهْيِئَةِ غَزْوَةٍ مِنْ غَزَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِهَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَوَّلَ غَزْوَةٍ لِأَنَّ غَزْوَةَ
بَدْرٍ وَقَعَتْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَكَذَلِكَ غَزْوَةُ
أُحُدٍ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ ، وَلَيْسَتْ نَازِلَةً فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ لِأَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَازُونَ لَا مَغْزُوُّونَ .
وَلَعَلَّهَا نَزَلَتْ لِمُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ إِلَى قَوَاعِدِ الِاسْتِعْدَادِ لِغَزْوِ الْعَدُوِّ ، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْعَدُوِّ الْكَاشِحِ ، وَمِنَ الْعَدُوِّ الْكَائِدِ ، وَلَعَلَّهَا إِعْدَادٌ لِغَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ ، وَكَانَ فَتْحُ
مَكَّةَ فِي سِنَةِ ثَمَانٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ كَانَتْ مُدَّةَ اشْتِدَادِ التَّأَلُّبِ مِنَ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ لِنُصْرَةِ مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ وَالذَّبِّ عَنْ آلِهَتِهِمْ .
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ إِلَخْ ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ فَإِنَّ اسْمَ الْفَتْحِ أُرِيدَ بِهِ فَتْحُ
مَكَّةَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
وَابْتَدَأَ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِ الْحَذَرِ . وَهِيَ أَكْبَرُ قَوَاعِدِ الْقِتَالِ لِاتِّقَاءِ خُدَعِ الْأَعْدَاءِ . وَالْحَذَرُ : هُوَ تَوَقِّي الْمَكْرُوهِ .
[ ص: 118 ] وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَغْتَرُّوا بِمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ مِنْ هُدْنَةِ صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ وَأَنْصَارَهُ يَتَرَبَّصُونَ بِهِمُ الدَّوَائِرَ ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ مُنَافِقُونَ هُمْ أَعْدَاءٌ فِي صُورَةِ أَوْلِيَاءَ ، وَهُمُ الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ إِلَى فَوْزًا عَظِيمًا .
وَلَفْظُ " خُذُوا " اسْتِعَارَةٌ لِمَعْنَى شِدَّةِ الْحَذَرِ وَمُلَازَمَتِهِ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخْذِ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ بَعِيدًا عَنْكَ ، وَلَمَّا كَانَ النِّسْيَانُ وَالْغَفْلَةُ يُشْبِهَانِ الْبُعْدَ وَالْإِلْقَاءَ كَانَ التَّذَكُّرُ وَالتَّيَقُّظُ يُشْبِهَانِ أَخْذَ الشَّيْءِ بَعْدَ إِلْقَائِهِ ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ ، وَقَوْلِهِمْ : أَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا .
وَلَيْسَ الْحَذَرُ مَجَازًا فِي السِّلَاحِ كَمَا تَوَهَّمَهُ كَثِيرٌ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ، فَعَطَفَ السِّلَاحَ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا تَفْرِيعٌ عَنْ أَخْذِ الْحَذَرِ لِأَنَّهُمْ إِذَا أَخَذُوا حِذْرَهُمْ تَخَيَّرُوا أَسَالِيبَ الْقِتَالِ بِحَسَبِ حَالِ الْعَدُوِّ ، وَ انْفِرُوا بِمَعْنَى اخْرُجُوا لِلْحَرْبِ ، وَمَصْدَرُهُ النَّفْرُ ، بِخِلَافِ نَفَرَ يَنْفُرُ بِضَمِّ الْفَاءِ فِي الْمُضَارِعِ فَمَصْدَرُهُ النُّفُورُ .
وَ " ثُبَاتٍ " بِضَمِّ الثَّاءِ جَمْعُ " ثُبَةٍ " بِضَمِّ الثَّاءِ أَيْضًا وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ، وَأَصْلُهَا ثُبَيَةٌ أَوْ ثُبَوَةٌ بِالْيَاءِ أَوِ الْوَاوِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا بِالْوَاوِ ، لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي بَقِيَ مِنْ أُصُولِهَا حَرْفَانِ وَفِي آخِرِهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ أَصْلُهَا الْوَاوُ نَحْوَ عِزَةٌ وَعِضَةٌ فَوَزْنُهَا فِعَةٌ .
وَأَمَّا ثُبَةُ الْحَوْضِ ، وَهِيَ وَسَطُهُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَهِيَ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ ، وَأَصْلُهَا ثُوَبَةٌ فَخُفِّفَتْ فَصَارَتْ بِوَزْنِ فُلَةٍ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا تُصَغَّرُ عَلَى ثُوَيْبَةٍ ، وَأَنَّ الثُّبَةَ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ تُصَغَّرُ عَلَى ثُبَيَّةٍ . قَالَ
النَّحَّاسُ : رُبَّمَا تَوَهَّمَ الضَّعِيفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ جَعَلَهُمَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَهُوَ حَسَنٌ ، إِذْ قَدْ تَكُونُ ثُبَةُ الْحَوْضِ مَأْخُوذَةً مِنَ الِاجْتِمَاعِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ اخْتِلَافُ التَّصْغِيرِ بِسَمَاعٍ صَحِيحٍ .
وَانْتَصَبَ " ثُبَاتٍ " عَلَى الْحَالِ ، لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ : مُتَفَرِّقِينَ ، وَمَعْنَى جَمِيعًا جَيْشًا وَاحِدًا .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ أَيْ مِنْ جَمَاعَتِكُمْ وَعِدَادِكُمْ ، وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ فِيهِمْ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ فِي خَلْوَتِهِمْ ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنْ أَبْطَأَ عَنِ الْجِهَادِ لَا يَقُولُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ، فَهَؤُلَاءِ مُنَافِقُونَ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِمِثْلِ هَذَا صَرَاحَةً فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=138بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا إِلَى قَوْلِهِ
[ ص: 119 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَعَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِـ مَنْ لَيُبَطِّئَنَّ الْمُنَافِقِينَ حَمَلَ الْآيَةَ
مُجَاهِدٌ ، وَقَتَادَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ . وَقِيلَ : أُرِيدَ بِهِمْ ضَعَفَةُ الْمُؤْمِنِينَ يَتَثَاقَلُونَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى أَنْ يَتَّضِحَ أَمْرُ النَّصْرِ . قَالَ
الْفَخْرُ وَهَذَا اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى مِنْكُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ . وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ أُكِّدَ الْخَبَرُ بِأَقْوَى الْمُؤَكِّدَاتِ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَلَقَّى بِالِاسْتِغْرَابِ .
وَبَطَّأَ بِالتَّضْعِيفِ قَاصِرٌ ، بِمَعْنَى تَثَاقَلَ فِي نَفْسِهِ عَنْ أَمْرٍ ، وَهُوَ الْإِبْطَاءُ عَنِ الْخُرُوجِ إِبْطَاءٌ بِدَاعِي النِّفَاقِ أَوِ الْجُبْنِ . وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ يَسْتَتْبِعُ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ ، وَالتَّعْرِيضَ بِهِ ، مَعَ كَوْنِ الْخَبَرِ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ لَا تُوصَفُ بِالْمَجَازِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ تَفْرِيعٌ عَنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72لَيُبَطِّئَنَّ ، إِذْ هَذَا الْإِبْطَاءُ تَارَةً يَجُرُّ لَهُ الِابْتِهَاجَ بِالسَّلَامَةِ ، وَتَارَةً يَجُرُّ لَهُ الْحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ .
( وَالْمُصِيبَةُ ) اسْمٌ لِمَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ مِنْ شَرٍّ ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُصِيبَةُ الْحَرْبِ أَعْنِي الْهَزِيمَةَ مِنْ قَتْلٍ وَأَسْرٍ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِنْعَامُ بِالسَّلَامَةِ : فَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَوَصْفُ ذَلِكَ بِالنِّعْمَةِ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَهُمْ مُصِيبَةٌ مَحْضَةٌ إِذْ لَا يَرْجُونَ مِنْهُ ثَوَابًا; وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَعَفَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ قَدْ عَدَّ نِعْمَةَ الْبَقَاءِ أَوْلَى مِنْ نِعْمَةِ فَضْلِ الشَّهَادَةِ لِشِدَّةِ الْجُبْنِ ، وَهَذَا مِنْ تَغْلِيبِ الدَّاعِي الْجِبِلِّيِّ عَلَى الدَّاعِي الشَّرْعِيِّ .
وَالشَّهِيدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ : إِمَّا بِمَعْنَى الْحَاضِرِ الْمُشَاهِدِ لِلْقِتَالِ ، وَإِمَّا تَهَكُّمٌ مِنْهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ; وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي الشَّهِيدُ بِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْقَتِيلُ فِي الْجِهَادِ . وَأُكِّدَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ ، بِاللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ وَبِلَامِ جَوَابِ الْقَسَمِ وَبِنُونِ التَّوْكِيدِ ، تَنْبِيهًا عَلَى غَرِيبِ حَالَتِهِ حَتَّى يُنَزَّلَ سَامِعُهَا مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْفَضْلِ الْفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ . وَهَذَا الْمُبَطِّئُ يَتَمَنَّى أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ الْجَيْشِ لِيَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ، وَهُوَ الْفَوْزُ
[ ص: 120 ] بِالْغَنِيمَةِ وَالْفَوْزُ بِأَجْرِ الْجِهَادِ ، حَيْثُ وَقَعَتِ السَّلَامَةُ وَالْفَوْزُ بِرِضَا الرَّسُولِ ، وَلِذَلِكَ أَتْبَعَ " أَفُوزَ " بِالْمَصْدَرِ وَالْوَصْفِ بِعَظِيمٍ .
وَوَجْهٌ غَرِيبٌ حَالُهُ أَنَّهُ أَصْبَحَ مُتَلَهِّفًا عَلَى مَا فَاتَهُ بِنَفْسِهِ ، وَأَنَّهُ يَوَدُّ أَنْ تَجْرِيَ الْمَقَادِيرُ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ ، فَإِذَا قَعَدَ عَنِ الْخُرُوجِ لَا يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ) مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ فِعْلِ الْقَوْلِ وَمَقُولِهِ . وَالْمَوَدَّةُ الصُّحْبَةُ وَالْمَحَبَّةُ; وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ الْمَوَدَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الصُّورِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُنَافِقَ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً إِنْ أُرِيدَ ضَعَفَةُ الْمُؤْمِنِينَ .
وَشَبَّهَ حَالَهُمْ فِي حِينِ هَذَا الْقَوْلِ بِحَالِ مَنْ لَمْ تَسْبِقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخَاطَبِينَ مَوَدَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ صُورِيَّةٌ ، فَاقْتَضَى التَّشْبِيهُ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مَوَدَّةٌ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقَوْلِ .
وَوَجْهُ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَمَّا تَمَنَّى أَنْ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ وَتَحَسَّرَ عَلَى فَوَاتِ فَوْزِهِ لَوْ حَضَرَ مَعَهُمْ ، كَانَ حَالُهُ فِي تَفْرِيطِهِ رُفْقَتَهُمْ يُشْبِهُ حَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اتِّصَالٌ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَشْهَدُ مَا أَزْمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ ، فَهَذَا التَّشْبِيهُ مَسُوقٌ مَسَاقَ زِيَادَةِ تَنْدِيمِهِ وَتَحْسِيرِهِ ، أَيْ أَنَّهُ الَّذِي أَضَاعَ عَلَى نَفْسِهِ سَبَبَ الِانْتِفَاعِ بِمَا حَصَلَ لِرُفْقَتِهِ مِنَ الْخَيْرِ ، أَيْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ مِنَ الْخِلْطَةِ مَعَ الْغَانِمِينَ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي خُرُوجِهِ مَعَهُمْ ، وَانْتِفَاعِهِ بِثَوَابِ النَّصْرِ وَفَخْرِهِ وَنِعْمَةِ الْغَنِيمَةِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( لَمْ يَكُنْ ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَهُوَ طَرِيقَةٌ فِي إِسْنَادِ الْفِعْلِ لِمَا لَفْظُهُ مُؤَنَّثٌ غَيْرُ حَقِيقِيِّ التَّأْنِيثِ ، مِثْلَ لَفْظِ مَوَدَّةٍ هُنَا ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فَصْلٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَحَفْصٌ ، وَرُوَيْسٌ عَنْ
يَعْقُوبَ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَامَةِ الْمُضَارِعِ الْمُسْنَدِ إِلَى الْمُؤَنَّثِ اعْتِبَارًا بِتَأْنِيثِ لَفْظِ مَوَدَّةٍ .