الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فروع تتعلق بهذه المسألة

                                                                                                                                                                                                                                      الفرع الأول : إذا كان مع المحصر هدي لزمه نحره إجماعا ، وجمهور العلماء على أنه ينحره في المحل الذي حصر فيه ، حلا كان أو حرما ، وقد نحر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحديبية ، وجزم الشافعي وغيره بأن الموضع الذي نحروا فيه من الحديبية من الحل لا من الحرم ، واستدل لذلك بدليل واضح من القرآن وهو قوله تعالى : ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) [ 48 \ 25 ] فهو نص [ ص: 84 ] صريح في أن ذلك الهدي لم يبلغ محله ، ولو كان في الحرم لكان بالغا محله ، وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب ، عن أبيه ، قال : " لما حبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه نحروا بالحديبية ، وبعث الله ريحا فحملت شعورهم ، فألقتها في الحرم " وعقده أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي في غزوة الحديبية بقوله : [ الرجز ]

                                                                                                                                                                                                                                      ونحروا وحلقوا وحملت شعورهم للبيت ريح قد غلت



                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عبد البر في " الاستذكار " : فهذا يدل على أنهم نحروا في الحل ، وتعقبه ابن حجر في " فتح الباري " : بأنه يمكن أن يكونوا أرسلوا هديهم مع من ينحره في الحرم ، قال : وقد ورد في ذلك حديث ابن جندب بن جندب الأسلمي قال : قلت : يا رسول الله ابعث معي الهدي حتى أنحره في الحرم . أخرجه النسائي من طريق إسرائيل ، عن مجزأة بن زاهر ، عن ناجية ، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر ، عن إسرائيل ، لكن قال عن ناجية ، عن أبيه : لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه ، بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل ، وذلك دال على الجواز والله أعلم . انتهى كلام ابن حجر . وخالف في هذه المسألة أبو حنيفة - رحمه الله - الجمهور ، وقال : لا ينحر المحصر هديه إلا في الحرم ، فيلزمه أن يبعث به إلى الحرم ، فإذا بلغ الهدي محله حل ، وقال : إن الموضع الذي نحر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الحديبية من طرف الحرم ، واستدل بقوله بعد هذه الآية : ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) [ 2 \ 196 ] ورد هذا الاستدلال بما قدمنا من أنه نحر في الحل ، وأن القرآن دل على ذلك ، وأن قوله : ( ولا تحلقوا رءوسكم ) معطوف على قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، لا على قوله : ( فما استيسر من الهدي ) أو أن المراد بمحله المحل الذي يجوز نحره فيه ، وذلك بالنسبة إلى المحصر حيث أحصر ، ولو كان في الحل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل الذي ذهب إليه ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو أنه إن استطاع إرسال الهدي إلى الحرم أرسله ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، إذ لا وجه لنحر الهدي في الحل مع تيسر الحرم ، وإن كان لا يستطيع إرساله إلى الحرم نحره في المكان الذي أحصر فيه من الحل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري في [ صحيحه ] في " باب من قال ليس على المحصر بدل " ما نصه : [ ص: 85 ] وقال روح ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : " إنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ ، فأما من حبسه عذر ، أو غير ذلك فإنه يحل ، ولا يرجع " وإن كان معه هدي وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به ، وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ، ا ه ، محل الغرض منه بلفظه ولا ينبغي العدول عنه ; لظهور وجهه كما ترى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية