الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة السادسة : أظهر أقوال العلم عندي فيمن قال لامرأته : أنت علي كأمي أو مثل أمي ، ولم يذكر الظهر أنه لا يكون ظهارا إلا أن ينوي به الظهار ; لاحتمال اللفظ معاني أخرى غير الظهار ، مع كون الاستعمال فيها مشهورا ، فإن قال : نويت به الظهار ، فهو ظهار في قول عامة العلماء ، قاله في " المغني " . وإن نوى به أنها مثلها في الكرامة عليه والتوقير ، أو أنها مثلها في الكبر أو الصفة فليس بظهار ، والقول قوله في نيته ، قاله في " المغني " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما إن لم ينو شيئا ، فقد قال في " المغني " : وإن أطلق ، فقال أبو بكر : هو صريح في [ ص: 197 ] الظهار ، وهو قول مالك ، ومحمد بن الحسن . وقال ابن أبي موسى : فيه روايتان ، أظهرهما : أنه ليس بظهار حتى ينويه ، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ; لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم ، فلم ينصرف إليه بغير نية ككنايات الطلاق ، انتهى منه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : وهذا القول هو الأظهر عندي ، لأن اللفظ المذكور لا يتعين لا عرفا ، ولا لغة ، إلا لقرينة تدل على قصده الظهار .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن قدامة في " المغني " : ووجه الأول يعني القول بأن ذلك ظهار أنه شبه امرأته بجملة أمه ، فكان مشبها لها بظهرها ، فيثبت الظهار ; كما لو شبهها به منفردا .

                                                                                                                                                                                                                                      والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف ، فيقول : إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي ، أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار ; لأنه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شيء أو الحث عليه ، وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ، ولأن كونها مثل أمه في صفتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط ، فيدل على أنه إنما أراد الظهار ، ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ، ويوجب اجتنابها وهو الظهار ، وإن عدم هذا فليس بظهار ; لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا ، فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل ، ونحو هذا قول أبي ثور ، انتهى محل الغرض من " المغني " ، وهو الأظهر فلا ينبغي العدول عنه ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية