تنبيه
اعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين
nindex.php?page=treesubj&link=29009_28904الشيء الذي أقسم الله عليه في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ، فقال بعضهم : إن المقسم عليه مذكور ، والذين قالوا إنه مذكور اختلفوا في تعيينه ، وأقوالهم في ذلك كلها ظاهرة السقوط .
فمنهم من قال : إن المقسم عليه هو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=64إن ذلك لحق تخاصم أهل النار [ 38 \ 64 ] .
ومنهم من قال هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=54إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ 38 \ 54 ] .
ومنهم من قال هو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=14إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب [ 38 \ 14 ] كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تالله إن كنا لفي ضلال مبين . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=1والسماء والطارق nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وما أدراك ما الطارق nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النجم الثاقب nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إن كل نفس لما عليها حافظ [ 86 \ 1 - 4 ] .
ومنهم من قال هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كم أهلكنا من قبلهم ، ومن قال هذا قال : إن الأصل لكم أهلكنا ولما طال الكلام ، حذفت لام القسم ، فقال : كم أهلكنا بدون لام .
قالوا : ونظير ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1والشمس وضحاها [ 91 \ 1 ] لما طال الكلام بين القسم والمقسم عليه ، الذي هو
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها ، حذفت منه لام القسم .
ومنهم من قال : إن المقسم عليه هو قوله : ص قالوا معنى ص صدق رسول الله والقرآن ذي الذكر . وعلى هذا فالمقسم عليه هو صدقه صلى الله عليه وسلم .
ومنهم من قال المعنى : هذه ص أي السورة التي أعجزت العرب ،
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا يخفى سقوطها .
وقال بعض العلماء إن المقسم عليه محذوف ، واختلفوا في تقديره ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري [ ص: 327 ] في الكشاف ، التقدير
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر . إنه لمعجز ، وقدره
ابن عطية وغيره فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقوله الكفار ، إلى غير ذلك من الأقوال .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الذي يظهر صوابه بدليل استقراء القرآن : أن جواب القسم محذوف وأن تقديره
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقوله الكفار ، وأن قولهم : المقسم على نفيه شامل لثلاثة أشياء متلازمة .
الأول : منها أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من الله حقا وأن الأمر ليس كما يقول الكفار في قوله تعالى عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43ويقول الذين كفروا لست مرسلا [ 13 \ 43 ] .
والثاني : أن الإله المعبود جل وعلا واحد ، وأن الأمر ليس كما يقوله الكفار في قوله تعالى عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ 38 \ 5 ] .
والثالث : أن الله جل وعلا يبعث من يموت ، وأن الأمر ليس كما يقوله الكفار في قوله تعالى عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [ 16 \ 38 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا [ 64 \ 7 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة [ 34 \ 3 ] .
أما الدليل من القرآن على أن المقسم عليه محذوف فهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بل الذين كفروا في عزة وشقاق [ 38 \ 2 ] ; لأن الإضراب بقوله بل ، دليل واضح على المقسم عليه المحذوف . أي ما الأمر كما يقوله الذين كفروا ، بل الذين كفروا في عزة ، أي في حمية وأنفة واستكبار عن الحق ، وشقاق ، أي مخالفة ومعاندة .
وأما دلالة استقراء القرآن على أن المنفي المحذوف شامل للأمور الثلاثة المذكورة ، فلدلالة آيات كثيرة : أما صحة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكون الإله المعبود واحدا لا شريك له فقد أشار لهما هنا .
أما كون الرسول مرسلا حقا ففي قوله تعالى هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب [ 38 \ 4 ] يعني أي : لا وجه للعجب المذكور . لأن يجيء المنذر الكائن منهم .
لا شك في أنه بإرسال من الله حقا .
[ ص: 328 ] وقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4هذا ساحر كذاب إنما ذكره تعالى إنكارا عليهم وتكذيبا لهم . فعرف بذلك أن في ضمن المعنى والقرآن ذي الذكر أنك مرسل حقا ولو عجبوا من مجيئك منذرا لهم ، وزعموا أنك ساحر كذاب ، أي فهم الذين عجبوا من الحق الذي لا شك فيه ، وزعموا أن خاتم الرسل ، وأكرمهم على الله ، ساحر كذاب .
وأما كون الإله المعبود واحدا لا شريك له ، ففي قوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ 38 \ 5 ] ; لأن الهمزة في قوله : أجعل للإنكار المشتمل على معنى النفي ، فهي تدل على نفي سبب تعجبهم من قوله صلى الله عليه وسلم : إن الإله المعبود واحد .
وهذان الأمران قد دلت آيات أخر من القرآن العظيم ، على أن الله أقسم على تكذيبهم فيها وإثباتها بالقسم صريحا كقوله تعالى مقسما على أن الرسول مرسل حقا
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2والقرآن الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=3إنك لمن المرسلين [ 36 \ 1 - 3 ] فهي توضح معنى ص والقرآن ذي الذكر إنك لمن المرسلين .
وقد جاء تأكيد صحة تلك الرسالة في آيات كثيرة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=252تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين [ 2 \ 252 ] ، وأما كونه تعالى هو المعبود الحق لا شريك له ، فقد أقسم تعالى عليه في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=1والصافات صفا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=2فالزاجرات زجرا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=3فالتاليات ذكرا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=4إن إلهكم لواحد [ 37 \ 1 - 4 ] ونحو ذلك من الآيات فدل ذلك على أن المعنى تضمن ما ذكر أي والقرآن ذي الذكر ، إن إلهكم لواحد كما أشار إليه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أجعل الآلهة الآية [ 38 \ 5 ] .
وأما كون
nindex.php?page=treesubj&link=30336_28904البعث حقا ، فقد أقسم عليه إقساما صحيحا صريحا ، في آيات من كتاب الله ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7قل بلى وربي لتبعثن [ 64 \ 7 ] . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3قل بلى وربي لتأتينكم [ 64 \ 3 ] أي الساعة . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قل إي وربي إنه لحق . [ 10 \ 53 ]
وأقسم على اثنين من الثلاثة المذكورة وحذف المقسم عليه الذي هو الاثنان المذكوران ، وهي كون الرسول مرسلا ، والبعث حقا ، وأشار إلى ذلك إشارة واضحة ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق والقرآن المجيد nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=3أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد [ 50 \ 1 - 3 ] فاتضح
[ ص: 329 ] بذلك أن المعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق والقرآن المجيد ، إن المنذر الكائن منكم الذي عجبتم من مجيئه لكم منذرا رسول منذر لكم من الله حقا ، وإن البعث الذي أنكرتموه واستبعدتموه غاية الإنكار ، والاستبعاد ، في قوله تعالى عنكم :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=3أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد أي : ذلك الرجع الذي هو البعث رجع بعيد في زعمكم واقع لا محالة ، وإنه حق لا شك فيه ، كما أشار له في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=4قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ إذ المعنى : أن ما أكلته الأرض من لحومهم ، ومزقته من أجسامهم وعظامهم ، يعلمه جل وعلا ، لا يخفى عليه منه شيء فهو قادر على رده كما كان .
وإحياء تلك الأجساد البالية ، والشعور المتمزقة ، والعظام النخرة كما قدمنا موضحا بالآيات القرآنية ، في سورة يس في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون [ 36 \ 51 ] وكونه صلى الله عليه وسلم مرسل من الله حقا ، يستلزم استلزاما لا شك فيه ، أن القرآن العظيم منزل من الله حقا ، وأنه ليس بسحر ولا شعر ولا كهانة ولا أساطير الأولين .
ولذلك أقسم تعالى ، في مواضع كثيرة ، على أن القرآن أيضا منزل من الله ; كقوله تعالى في أول سورة الدخان :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=2والكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة [ 44 \ 1 - 3 ] ، وقوله تعالى في أول سورة الزخرف :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2والكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم [ 43 \ 1 - 4 ] .
تَنْبِيهٌ
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ
nindex.php?page=treesubj&link=29009_28904الشَّيْءِ الَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ مَذْكُورٌ ، وَالَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ مَذْكُورٌ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهِ ، وَأَقْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كُلُّهَا ظَاهِرَةُ السُّقُوطِ .
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=64إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ 38 \ 64 ] .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=54إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ 38 \ 54 ] .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=14إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ [ 38 \ 14 ] كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=1وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النَّجْمُ الثَّاقِبُ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [ 86 \ 1 - 4 ] .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ : إِنِ الْأَصْلَ لَكَمْ أَهْلَكْنَا وَلَمَّا طَالَ الْكَلَامُ ، حُذِفَتْ لَامُ الْقَسَمِ ، فَقَالَ : كَمْ أَهْلَكْنَا بِدُونِ لَامٍ .
قَالُوا : وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [ 91 \ 1 ] لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ بَيْنَ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ، الَّذِي هُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ، حُذِفَتْ مِنْهُ لَامُ الْقَسَمِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ : ص قَالُوا مَعْنَى ص صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ ذِي الذَّكَرِ . وَعَلَى هَذَا فَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ هُوَ صِدْقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمَعْنَى : هَذِهِ ص أَيِ السُّورَةِ الَّتِي أَعْجَزَتِ الْعَرَبَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا يَخْفَى سُقُوطُهَا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ [ ص: 327 ] فِي الْكَشَّافِ ، التَّقْدِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ . إِنَّهُ لِمُعْجِزٌ ، وَقَدَّرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُهُ الْكُفَّارُ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : الَّذِي يَظْهَرُ صَوَابُهُ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِ : أَنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ وَأَنَّ تَقْدِيرَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُهُ الْكُفَّارُ ، وَأَنَّ قَوْلَهُمُ : الْمُقْسَمُ عَلَى نَفْيِهِ شَامِلٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مُتَلَازِمَةٍ .
الْأَوَّلِ : مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ حَقًّا وَأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْكُفَّارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [ 13 \ 43 ] .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْإِلَهَ الْمَعْبُودَ جَلَّ وَعَلَا وَاحِدٌ ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا يَقُولُهُ الْكُفَّارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ 38 \ 5 ] .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا يَقُولُهُ الْكُفَّارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [ 16 \ 38 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [ 64 \ 7 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ [ 34 \ 3 ] .
أَمَّا الدَّلِيلُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ 38 \ 2 ] ; لِأَنَّ الْإِضْرَابَ بِقَوْلِهِ بَلْ ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى الْمَقْسَمِ عَلَيْهِ الْمَحْذُوفِ . أَيْ مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ ، أَيْ فِي حَمِيَّةٍ وَأَنَفَةٍ وَاسْتِكْبَارٍ عَنِ الْحَقِّ ، وَشِقَاقٍ ، أَيْ مُخَالَفَةٍ وَمُعَانَدَةٍ .
وَأَمَّا دَلَالَةُ اسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ الْمَحْذُوفَ شَامِلٌ لِلْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ ، فَلِدَلَالَةِ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ : أَمَّا صِحَّةُ رِسَالَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَوْنُ الْإِلَهِ الْمَعْبُودِ وَاحِدًا لَا شَرِيكَ لَهُ فَقَدْ أَشَارَ لَهُمَا هُنَا .
أَمَّا كَوْنُ الرَّسُولِ مُرْسَلًا حَقًّا فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ 38 \ 4 ] يَعْنِي أَيْ : لَا وَجْهَ لِلْعَجَبِ الْمَذْكُورِ . لِأَنْ يَجِيءَ الْمُنْذِرُ الْكَائِنُ مِنْهُمْ .
لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ بِإِرْسَالٍ مِنَ اللَّهِ حَقًّا .
[ ص: 328 ] وَقَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=4هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ إِنَّمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى إِنْكَارًا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا لَهُمْ . فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ فِي ضِمْنِ الْمَعْنَى وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أَنَّكَ مُرْسَلٌ حَقًّا وَلَوْ عَجِبُوا مِنْ مَجِيئِكَ مُنْذِرًا لَهُمْ ، وَزَعَمُوا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ، أَيْ فَهُمُ الَّذِينَ عَجِبُوا مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ خَاتَمَ الرُّسُلِ ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ ، سَاحِرٌ كَذَّابٌ .
وَأَمَّا كَوْنُ الْإِلَهِ الْمَعْبُودِ وَاحِدًا لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَفِي قَوْلِهِ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ 38 \ 5 ] ; لِأَنَّ الْهُمَزَةَ فِي قَوْلِهِ : أَجَعَلَ لِلْإِنْكَارِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ سَبَبِ تَعَجُّبِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْإِلَهَ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ .
وَهَذَانَ الْأَمْرَانِ قَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ أُخَرُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ فِيهَا وَإِثْبَاتِهَا بِالْقَسَمِ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مُقْسِمًا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ مُرْسَلٌ حَقًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=3إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ 36 \ 1 - 3 ] فَهِيَ تُوَضِّحُ مَعْنَى ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ إِنَّكَ لِمَنِ الْمُرْسَلِينَ .
وَقَدْ جَاءَ تَأْكِيدُ صِحَّةِ تِلْكَ الرِّسَالَةِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=252تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ 2 \ 252 ] ، وَأَمَّا كَوْنُهُ تَعَالَى هُوَ الْمَعْبُودُ الْحَقُّ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=1وَالصَّافَّاتِ صَفًّا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=2فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=3فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=4إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ [ 37 \ 1 - 4 ] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى تَضْمَّنَ مَا ذُكِرَ أَيْ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=5أَجَعَلَ الْآلِهَةَ الْآيَةَ [ 38 \ 5 ] .
وَأَمَّا كَوْنُ
nindex.php?page=treesubj&link=30336_28904الْبَعْثِ حَقًّا ، فَقَدْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ إِقْسَامًا صَحِيحًا صَرِيحًا ، فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [ 64 \ 7 ] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [ 64 \ 3 ] أَيِ السَّاعَةُ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ . [ 10 \ 53 ]
وَأَقْسَمَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَحَذَفَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الِاثْنَانِ الْمَذْكُورَانِ ، وَهِيَ كَوْنُ الرَّسُولِ مُرْسَلًا ، وَالْبَعْثِ حَقًّا ، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ إِشَارَةً وَاضِحَةً ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=3أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ 50 \ 1 - 3 ] فَاتَّضَحَ
[ ص: 329 ] بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، إِنَّ الْمُنْذِرَ الْكَائِنَ مِنْكُمُ الَّذِي عَجِبْتُمْ مِنْ مَجِيئِهِ لَكُمْ مُنْذِرًا رَسُولٌ مُنْذِرٌ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ حَقًّا ، وَإِنَّ الْبَعْثَ الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ وَاسْتَبْعَدْتُمُوهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ ، وَالِاسْتِبْعَادِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْكُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=3أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ أَيْ : ذَلِكَ الرَّجْعُ الَّذِي هُوَ الْبَعْثُ رَجْعٌ بَعِيدٌ فِي زَعْمِكُمْ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنَّهُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=4قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ إِذِ الْمَعْنَى : أَنَّ مَا أَكَلَتْهُ الْأَرْضُ مِنْ لُحُومِهِمْ ، وَمَزَّقَتْهُ مِنْ أَجْسَامِهِمْ وَعِظَامِهِمْ ، يَعْلَمُهُ جَلَّ وَعَلَا ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهِ كَمَا كَانَ .
وَإِحْيَاءُ تِلْكَ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ ، وَالشُّعُورِ الْمُتَمَزِّقَةِ ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ كَمَا قَدَّمْنَا مُوَضَّحًا بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ ، فِي سُورَةِ يس فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [ 36 \ 51 ] وَكَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ حَقًّا ، يَسْتَلْزِمُ اسْتِلْزَامًا لَا شَكَّ فِيهِ ، أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ حَقًّا ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا شِعْرٍ وَلَا كَهَانَةٍ وَلَا أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ .
وَلِذَلِكَ أَقْسَمَ تَعَالَى ، فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ، عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أَيْضًا مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الدُّخَانِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [ 44 \ 1 - 3 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الزُّخْرُفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [ 43 \ 1 - 4 ] .