قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29017_30433ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون .
معنى الآية الكريمة أنه يقال للكفار يوم يعرضون على النار :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم .
فقول : يعرضون على النار - قال بعض العلماء : معناه يباشرون حرها ، كقول العرب : عرضهم على السيف إذا قتلهم به ، وهو معنى معروف في كلام العرب .
وقد ذكر - تعالى - مثل ما ذكر هنا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=34ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق [ 46 \ 34 ] وهذا يدل على أن المراد بالعرض مباشرة العذاب ; لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=34قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون [ 6 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا [ 40 \ 45 - 46 ] ; لأنه عرض عذاب .
وقال بعض العلماء : معنى عرضهم على النار هو تقريبهم منها ، والكشف لهم عنها حتى يروها ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=53ورأى المجرمون النار الآية [ 18 \ 53 ] . وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وجيء يومئذ بجهنم [ 89 \ 23 ] .
وقال بعض العلماء في الكلام قلب ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره . قالوا : والمعنى : ويوم تعرض النار على الذين كفروا . قالوا : وهو كقول العرب : عرضت الناقة على الحوض . يعنون عرضت الحوض على الناقة ، ويدل لهذا قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=100وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا [ 18 \ 100 ] .
[ ص: 228 ] قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : هذا النوع الذي ذكروه من القلب في الآية ، كقلب الفاعل مفعولا ، والمفعول فاعلا ، ونحو ذلك - اختلف فيه علماء العربية ، فمنعه البلاغيون إلا في التشبيه ، فأجازوا
nindex.php?page=treesubj&link=28914قلب المشبه مشبها به والمشبه به مشبها بشرط أن يتضمن ذلك نكتة وسرا لطيفا ، كما هو المعروف عندهم في مبحث التشبيه المقلوب .
وأجازه كثير من علماء العربية .
والذي يظهر لنا أنه أسلوب عربي نطقت به العرب في لغتها ، إلا أنه يحفظ ما سمع منه ، ولا يقاس عليه ، ومن أمثلته في التشبيه قول الراجز :
ومنهل مغبرة أرجاؤه كأن لون أرضه سماؤه
أي كأن سماءه لون أرضه ، وقول الآخر :
وبدا الصباح كأن غرته وجه الخليفة حين يمتدح
لأن أصل المراد تشبيه وجه الخليفة بغرة الصباح ، فقلب التشبيه ليوهم أن الفرع أقوى من الأصل في وجه الشبه .
قالوا : ومن أمثلته في القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة [ 28 \ 76 ] ; لأن العصبة من الرجال هي التي تنوء بالمفاتيح ، أي تنهض بها بمشقة وجهد لكثرتها وثقلها ، وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=66فعميت عليهم الأنباء [ 28 \ 66 ] . أي عموا عنها . ومن أمثلته في كلام العرب قول
كعب بن زهير :
كأن أوب ذراعيها إذا عرقت وقد تلفع بالقور العساقيل
لأن معنى قوله : تلفع لبس اللفاع وهو اللحاف ، والقور : الحجارة العظام ، والعساقيل : السراب .
والكلام مقلوب ; لأن القور هي التي تلتحف بالعساقيل لا العكس ، كما أوضحه
لبيد في معلقته بقوله :
فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى واجتاب أردية السراب إكامها
فصرح بأن الإكام التي هي الحجارة اجتابت ، أي لبست ، أردية السراب .
والأردية جمع رداء ، وهذا النوع من القلب وإن أجازه بعضهم فلا ينبغي حمل الآية
[ ص: 229 ] عليه ; لأنه خلاف الظاهر ، ولا دليل عليه يجب الرجوع إليه .
وظاهر الآية جار على الأسلوب العربي الفصيح ، كما أوضحه
أبو حيان في البحر المحيط .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29017_18919أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها قرأه
ابن كثير وابن عامر : أأذهبتم بهمزتين ، وهما على أصولهما في ذلك .
فابن كثير يسهل الثانية بدون ألف إدخال بين الهمزتين .
وهشام يحققها ويسهلها مع ألف الإدخال .
وابن ذكوان يحققها من غير إدخال .
وقرأه
نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : أذهبتم طيباتكم بهمزة واحدة على الخبر من غير استفهام .
واعلم أن للعلماء كلاما كثيرا في هذه الآية قائلين : إنها تدل على أنه ينبغي التقشف والإقلال من التمتع بالمآكل والمشارب والملابس ، ونحو ذلك .
وإن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يفعل ذلك خوفا منه أن يدخل في عموم من يقال لهم يوم القيامة :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا الآية . والمفسرون يذكرون هنا آثارا كثيرة في ذلك ، وأحوال أهل الصفة وما لاقوه من شدة العيش .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : التحقيق : إن شاء الله في معنى هذه الآية هو أنها في الكفار ، وليست في المؤمنين الذين يتمتعون باللذات التي أباحها الله لهم ; لأنه - تعالى - ما أباحها لهم ليذهب بها حسناتهم .
وإنما قلنا : إن هذا هو التحقيق ; لأن الكتاب والسنة الصحيحة دالان عليه ، والله - تعالى - يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآية [ 4 \ 59 ] .
أما كون الآية في الكفار فقد صرح الله - تعالى - به في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم الآية .
والقرآن والسنة الصحيحة قد دلا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29468_28846الكافر إن عمل عملا صالحا مطابقا للشرع ، مخلصا فيه لله ، كالكافر الذي يبر والديه ، ويصل الرحم ويقري الضيف ، وينفس عن المكروب ، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله - يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق
[ ص: 230 ] والعافية ، ونحو ذلك ، ولا نصيب له في الآخرة .
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [ 11 \ 15 - 16 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب [ 42 \ 20 ] .
وقد قيد - تعالى - هذا الثواب الدنيوي المذكور في الآيات بمشيئته وإرادته ، في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا [ 17 \ 18 ] .
وقد ثبت في صحيح
مسلم من حديث
أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009412إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة; يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزي بها " . هذا لفظ
مسلم في صحيحه .
وفي لفظ له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007983إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا ، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته " ا هـ .
فهذا الحديث الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه التصريح بأن الكافر يجازى بحسناته في الدنيا فقط ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29680المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معا ، وبمقتضى ذلك يتعين تعيينا لا محيص عنه أن الذي أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها هو الكافر; لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة .
وأما المؤمن الذي يجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معا - فلم يذهب طيباته في الدنيا ; لأن حسناته مدخرة له في الآخرة ، مع أن الله - تعالى - يثيبه بها في الدنيا ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ومن يتق الله يجعل له مخرجا nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3ويرزقه من حيث لا يحتسب [ 65 \ 2 - 3 ] فجعل المخرج من الضيق له ورزقه من حيث لا يحتسب - ثوابا في الدنيا ، وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة .
والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة ، وعلى كل حال فالله - جل وعلا - أباح لعباده على
[ ص: 231 ] لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - الطيبات في الحياة الدنيا ، وأجاز لهم التمتع بها ، ومع ذلك جعلها خاصة بهم في الآخرة ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة [ 7 \ 32 ] .
فدل هذا النص القرآني أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة ، وهو صريح في أنهم لم يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا .
ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة ، يكون لهم أجر زائد على ذلك ; لأن المؤمنين يؤجرون بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد ، كما هو معلوم .
والنصوص الدالة على أن الكافر هو الذي يذهب طيباته في الحياة الدنيا ; لأنه يجزى في الدنيا فقط كالآيات المذكورة ، وحديث
أنس المذكور عند
مسلم - قد قدمناها موضحة في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا وذكرنا هناك أسانيد الحديث المذكور وألفاظه .
وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29017فاليوم تجزون عذاب الهون أي عذاب الهوان ، وهو الذل والصغار .
وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ، الباء في قوله : بما كنتم - سببية ، وما مصدرية ، أي تجزون عذاب الهون بسبب كونكم مستكبرين في الأرض ، وكونكم فاسقين .
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من كون
nindex.php?page=treesubj&link=18669_30532_29494الاستكبار في الأرض والفسق من أسباب عذاب الهون ، وهو عذاب النار - جاء موضحا في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60أليس في جهنم مثوى للمتكبرين [ 39 \ 60 ] . وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=20وأما الذين فسقوا فمأواهم النار الآية [ 32 \ 20 ] .
وقد قدمنا النتائج الوخيمة الناشئة عن التكبر في سورة " الأعراف " في الكلام على قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=13فما يكون لك أن تتكبر فيها الآية [ 7 \ 13 ] .
[ ص: 232 ] وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20بغير الحق مع أنه من المعلوم أنهم لا يستكبرون في الأرض إلا استكبارا متلبسا بغير الحق ، كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ولا طائر يطير بجناحيه [ 6 \ 38 ] ومعلوم أنه لا يطير إلا بجناحيه ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم [ 2 \ 79 ] . ومعلوم أنهم لا يكتبونه إلا بأيديهم ، ونحو ذلك من الآيات ، وهو أسلوب عربي نزل به القرآن .
قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29017_30433وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ .
مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ .
فَقَوْلُ : يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ - قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَعْنَاهُ يُبَاشِرُونَ حَرَّهَا ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ : عَرَضَهُمُ عَلَى السَّيْفِ إِذَا قَتَلَهُمْ بِهِ ، وَهُوَ مَعْنًى مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ .
وَقَدْ ذَكَرَ - تَعَالَى - مِثْلَ مَا ذَكَرَ هُنَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=34وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ [ 46 \ 34 ] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرْضِ مُبَاشَرَةُ الْعَذَابِ ; لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=34قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [ 6 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [ 40 \ 45 - 46 ] ; لِأَنَّهُ عَرْضُ عَذَابٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَعْنَى عَرْضِهِمْ عَلَى النَّارِ هُوَ تَقْرِيبُهُمْ مِنْهَا ، وَالْكَشْفُ لَهُمْ عَنْهَا حَتَّى يَرَوْهَا ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=53وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ الْآيَةَ [ 18 \ 53 ] . وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [ 89 \ 23 ] .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَلَامِ قَلْبٌ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ . قَالُوا : وَالْمَعْنَى : وَيَوْمَ تُعْرَضُ النَّارُ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا . قَالُوا : وَهُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ : عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ . يَعْنُونَ عَرَضْتُ الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=100وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [ 18 \ 100 ] .
[ ص: 228 ] قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : هَذَا النَّوْعُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنَ الْقَلْبِ فِي الْآيَةِ ، كَقَلْبِ الْفَاعِلِ مَفْعُولًا ، وَالْمَفْعُولِ فَاعِلًا ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - اخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ ، فَمَنَعَهُ الْبَلَاغِيُّونَ إِلَّا فِي التَّشْبِيهِ ، فَأَجَازُوا
nindex.php?page=treesubj&link=28914قَلْبَ الْمُشَبَّهِ مُشَبَّهًا بِهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مُشَبَّهًا بِشَرْطِ أَنْ يَتَضَمَّنَ ذَلِكَ نُكْتَةً وَسِرًّا لَطِيفًا ، كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ فِي مَبْحَثِ التَّشْبِيهِ الْمَقْلُوبِ .
وَأَجَازَهُ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ نَطَقَتْ بِهِ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا ، إِلَّا أَنَّهُ يُحْفَظُ مَا سَمِعَ مِنْهُ ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي التَّشْبِيهِ قَوْلُ الرَّاجِزِ :
وَمَنْهَلٌ مُغْبَرَّةٌ أَرْجَاؤُهُ كَأَنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ
أَيْ كَأَنَّ سَمَاءَهُ لَوْنُ أَرْضِهِ ، وَقَوْلُ الْآخَرِ :
وَبَدَا الصَّبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ وَجْهُ الْخَلِيفَةِ حِينَ يُمْتَدَحَ
لِأَنَّ أَصْلَ الْمُرَادِ تَشْبِيهُ وَجْهِ الْخَلِيفَةِ بِغُرَّةِ الصَّبَاحِ ، فَقَلَبَ التَّشْبِيهَ لِيُوهِمَ أَنَّ الْفَرْعَ أَقْوَى مِنَ الْأَصْلِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ .
قَالُوا : وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [ 28 \ 76 ] ; لِأَنَّ الْعُصْبَةَ مِنَ الرِّجَالِ هِيَ الَّتِي تَنُوءُ بِالْمَفَاتِيحِ ، أَيْ تَنْهَضُ بِهَا بِمَشَقَّةٍ وَجُهْدٍ لِكَثْرَتِهَا وَثِقَلِهَا ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=66فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ [ 28 \ 66 ] . أَيْ عَمُوا عَنْهَا . وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ
كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ :
كَأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا إِذَا عَرِقَتْ وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقَوْرِ الْعَسَاقِيلِ
لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : تَلَفَّعَ لَبِسَ اللِّفَاعَ وَهُوَ اللِّحَافُ ، وَالْقَوْرُ : الْحِجَارَةُ الْعِظَامُ ، وَالْعَسَاقِيلُ : السَّرَابُ .
وَالْكَلَامُ مَقْلُوبٌ ; لِأَنَّ الْقَوْرَ هِيَ الَّتِي تَلْتَحِفُ بِالْعَسَاقِيلِ لَا الْعَكْسُ ، كَمَا أَوْضَحَهُ
لَبِيدٌ فِي مُعَلَّقَتِهِ بِقَوْلِهِ :
فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إِكَامُهَا
فَصَرَّحَ بِأَنَّ الْإِكَامَ الَّتِي هِيَ الْحِجَارَةُ اجْتَابَتْ ، أَيْ لَبِسَتْ ، أَرْدِيَةَ السَّرَابِ .
وَالْأَرْدِيَةُ جَمْعُ رِدَاءٍ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْقَلْبِ وَإِنْ أَجَازَهُ بَعْضُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْآيَةِ
[ ص: 229 ] عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ .
وَظَاهِرُ الْآيَةِ جَارٍ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ ، كَمَا أَوْضَحَهُ
أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29017_18919أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا قَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ : أَأَذْهَبْتُمْ بِهَمْزَتَيْنِ ، وَهُمَا عَلَى أُصُولِهِمَا فِي ذَلِكَ .
فَابْنُ كَثِيرٍ يُسَهِّلُ الثَّانِيَةَ بِدُونِ أَلْفِ إِدْخَالٍ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ .
وَهِشَامٌ يُحَقِّقُهَا وَيُسَهِّلُهَا مَعَ أَلْفِ الْإِدْخَالِ .
وَابْنُ ذَكْوَانَ يُحَقِّقُهَا مِنْ غَيْرِ إِدْخَالٍ .
وَقَرَأَهُ
نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ كَلَامًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَائِلِينَ : إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّقَشُّفُ وَالْإِقْلَالُ مِنَ التَّمَتُّعِ بِالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي عُمُومِ مَنْ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا الْآيَةَ . وَالْمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ هُنَا آثَارًا كَثِيرَةً فِي ذَلِكَ ، وَأَحْوَالِ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَمَا لَاقَوْهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : التَّحْقِيقُ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ أَنَّهَا فِي الْكُفَّارِ ، وَلَيْسَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِاللَّذَّاتِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لَهُمْ ; لِأَنَّهُ - تَعَالَى - مَا أَبَاحَهَا لَهُمْ لِيُذْهِبَ بِهَا حَسَنَاتِهِمْ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ دَالَّانِ عَلَيْهِ ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ الْآيَةَ [ 4 \ 59 ] .
أَمَّا كَوْنُ الْآيَةِ فِي الْكُفَّارِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ الْآيَةَ .
وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ قَدْ دَلَّا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_28846الْكَافِرَ إِنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا مُطَابِقًا لِلشَّرْعِ ، مُخْلِصًا فِيهِ لِلَّهِ ، كَالْكَافِرِ الَّذِي يَبَرُّ وَالِدَيْهِ ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَقْرِي الضَّيْفَ ، وَيُنَفِّسُ عَنِ الْمَكْرُوبِ ، وَيُعِينُ الْمَظْلُومَ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ - يُثَابُ بِعَمَلِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا خَاصَّةً بِالرِّزْقِ
[ ص: 230 ] وَالْعَافِيَةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ .
فَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ 11 \ 15 - 16 ] . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [ 42 \ 20 ] .
وَقَدْ قَيَّدَ - تَعَالَى - هَذَا الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَاتِ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [ 17 \ 18 ] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009412إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً; يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يَجْزِي بِهَا " . هَذَا لَفَظُ
مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ .
وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007983إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ " ا هـ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْكَافِرَ يُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا فَقَطْ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29680الْمُؤْمِنُ يُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعًا ، وَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ تَعْيِينًا لَا مَحِيصَ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي أَذْهَبَ طَيِّبَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا هُوَ الْكَافِرُ; لِأَنَّهُ لَا يُجْزَى بِحَسَنَاتِهِ إِلَّا فِي الدُّنْيَا خَاصَّةً .
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُجْزَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعًا - فَلَمْ يُذْهِبْ طَيِّبَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ حَسَنَاتِهِ مُدَّخَرَةٌ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُثِيبُهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=3وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [ 65 \ 2 - 3 ] فَجَعَلَ الْمَخْرَجَ مِنَ الضِّيقِ لَهُ وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ - ثَوَابًا فِي الدُّنْيَا ، وَلَيْسَ يَنْقُصُ أَجْرَ تَقْوَاهُ فِي الْآخِرَةِ .
وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - أَبَاحَ لِعِبَادِهِ عَلَى
[ ص: 231 ] لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّيِّبَاتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَأَجَازَ لَهُمُ التَّمَتُّعَ بِهَا ، وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَهَا خَاصَّةً بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ 7 \ 32 ] .
فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ أَنَّ تَمَتُّعَ الْمُؤْمِنِينَ بِالزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنِ اخْتِصَاصِهِمْ بِالتَّنَعُّمِ بِذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يُذْهِبُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا .
وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ يُعَانِي شِدَّةَ الْفَقْرِ فِي الدُّنْيَا كَأَصْحَابِ الصُّفَّةِ ، يَكُونُ لَهُمْ أَجْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُؤْجَرُونَ بِمَا يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ .
وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ هُوَ الَّذِي يُذْهِبُ طَيِّبَاتِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ يُجْزَى فِي الدُّنْيَا فَقَطْ كَالْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ ، وَحَدِيثُ
أَنَسٍ الْمَذْكُورُ عِنْدَ
مُسْلِمٍ - قَدْ قَدَّمْنَاهَا مُوَضَّحَةً فِي سُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَسَانِيدَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَلْفَاظَهُ .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29017فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ أَيْ عَذَابَ الْهَوَانِ ، وَهُوَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ، الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : بِمَا كُنْتُمْ - سَبَبِيَّةٌ ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ، أَيْ تُجْزُونَ عَذَابَ الْهُونِ بِسَبَبِ كَوْنِكُمْ مُسْتَكْبِرِينَ فِي الْأَرْضِ ، وَكَوْنِكُمْ فَاسِقِينَ .
وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِ
nindex.php?page=treesubj&link=18669_30532_29494الِاسْتِكْبَارِ فِي الْأَرْضِ وَالْفِسْقِ مِنْ أَسْبَابِ عَذَابِ الْهُونِ ، وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ [ 39 \ 60 ] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=20وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ الْآيَةَ [ 32 \ 20 ] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا النَّتَائِجَ الْوَخِيمَةَ النَّاشِئَةَ عَنِ التَّكَبُّرِ فِي سُورَةِ " الْأَعْرَافِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=13فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا الْآيَةَ [ 7 \ 13 ] .
[ ص: 232 ] وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20بِغَيْرِ الْحَقِّ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اسْتِكْبَارًا مُتَلَبِّسًا بِغَيْرِ الْحَقِّ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [ 6 \ 38 ] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَطِيرُ إِلَّا بِجَنَاحَيْهِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [ 2 \ 79 ] . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَا يَكْتُبُونَهُ إِلَّا بِأَيْدِيهِمْ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَهُوَ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ .