الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الثاني : الدم ) والمراد به : المسفوح ، أي المائع الذي يسفح ويراق من الحيوان ، وإن جمد بعد ذلك ، بخلاف المتجمد في الطبيعة كالطحال والكبد ، وما يتخلل اللحم عادة فإنه لا يعد مسفوحا ، وحكمة تحريم الدم الضرر والاستقذار أيضا كما قيل في الميتة ، أما كونه خبثا [ ص: 112 ] مستقذرا عند الناس فظاهر ، وأما كونه ضارا ; فلأنه عسر الهضم جدا ويحمل كثيرا من المواد العفنة الميتة التي تنحل من الجسم ، وهي فضلات لفظتها الطبيعة كما تلفظ البراز ، واستعاضت عنها بمواد حية جديدة من الدم ، فالعود إلى التغذي بها يشبه التغذي بالرجيع ، وقد يكون في الدم جراثيم بعض الأمراض المعدية ، وهي تكون فيه أكثر مما تكون في اللحم ، وكذا اللبن الذي أعده الخالق الحكيم في أصل الطبيعة للتغذي به ، ومع هذا ترى الأطباء متفقين على وجوب غلي اللبن ; لأجل قتل ما عساه يوجد فيه من جراثيم الأمراض المعدية ، والدم لا يغلى كما يغلى اللبن ، بل يجمد بقليل من الحرارة ، وحينئذ تبقى جراثيم المرض فيه حية تؤثر في الجسم الذي تدخله . فإن قيل : إن المشهور عن الأطباء أن الدم مادة الحياة الحيوانية الفعالة في الصحة ; فإذا أمكن للإنسان أن يضيف دم غيره من الأحياء إلى دمه فالقياس أنه لا يزيده ذلك إلا صحة وقوة .

                          فالجواب : أن هذا لا يؤخذ على إطلاقه ، ولم يثبت عند الأطباء أن شرب الدم المسفوح ، أو أكله بعد أن يجمد بنفسه أو بالطبخ ، مفيد للصحة والقوة ، ولا أنه يزيد الدم ; ولذلك لا يفعلونه ولا يأمرون الناس به ، ولا يقولون : إن معد الناس تقوى على هضمه والتغذي به بسهولة ، وإنما يتولد الدم مما يهضم من الطعام ، نعم يمكن أن يحقن ضعيف الدم بدم حيوان سليم ، فيزيده ذلك قوة ، وهذا غير محرم ، ولا مما نحن فيه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية