الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم قال عز وجل : اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون . إنني أتنسم من وضع هذا الخبر في هذا الموضع ، وترتيب هذا الأمر والنهي عليه أن حكمة الاكتفاء في أول الإسلام بذكر محرمات الطعام الأربعة الواردة في بعض السور المكية ، وترك تفصيل ما يندرج فيها مما كرهه الإسلام للمسلمين من سائر ما ذكر في هذه الآية إلى ما بعد فتح مكة - هو التدريج في تحريم هذه الخبائث والتشديد فيها ، كما كان التدريج في تحريم الخمر ; لئلا ينفر العرب من الإسلام ، ويرون فيه حرجا عليهم يرجون به أن يرتد إليهم من آمن من الفقراء ، وهم أكثر السابقين الأولين . جاء هذا التفصيل للمحرمات بعد قوة الإسلام ، وتوسعة الله على أهله وإعزازهم ، وبعد أن يئس المشركون بذلك من نفور أهله منه ، وفرارهم من تكاليفه ، وزال طمعهم في الظهور عليهم وإزالة دينهم بالقوة القاهرة ، فكان المؤمنون أجدر بألا يبالوا بمداراتهم ، ولا يهتموا بما ينفرهم من الإسلام ، وألا يخافوهم على أنفسهم وعلى دينهم ، قيل : إن المراد [ ص: 128 ] باليوم في هذه الجملة وفيما بعدها مطلق الوقت والزمن ، كما تقول : كنت بالأمس طفلا أو غلاما ، وقد صرت اليوم رجلا ، والصحيح أن المراد به : يوم عرفة من عام حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة وكان يوم جمعة ، وهو اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية المبينة لما بقي من الأحكام التي أبطل بها الإسلام بقايا مهانة الجاهلية وخبائثها وأوهامها ، والمبشرة بظهور المسلمين على المشركين ظهورا تاما لا مطمع لهم في زواله ، ولا حاجة معه إلى شيء من مداراتهم أو الخوف من عاقبة أمرهم ، وستأتي الروايات في ذلك ، والمعنى : أن الله أخبر المؤمنين بأن الكفار أنفسهم قد يئسوا من زوال دينهم . وأنه ينبغي لهم وقد بدلهم بضعفهم قوة وبخوفهم أمنا وبفقرهم غنى ، ألا يخشوا غير الذي جربوا فضله عليه ، وإعزازه لهم ، ثم قال :

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية