الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          غسل الكفين في أول الوضوء ، ومسح العنق : سيأتي في بيان كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل كفيه ثلاثا قبل المضمضة ، فهو من سنن الوضوء باتفاق جمهور علماء الأمة ، وذهب بعض علماء الزيدية إلى أنه واجب ، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب ، ولكنهم دعموه بحديث أبي هريرة في الصحيحين والسنن مرفوعا إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فلا يغمس يده حتى يغسلها ثلاثا ; فإنه لا يدري أين باتت يده وكلمة ( ثلاثا ) في ما عدا رواية البخاري ، والمراد لا يغمس يده في الماء سواء كان يريد تناوله لأجل الطهارة ، أو غيره ، وقد بين سببه ، فإنهم كانوا ينامون بالإزار ، ولا يلبسون السراويلات إلا قليلا ، وكانوا - كما قال الشافعي - يستنجون بالحجارة ، وبلادهم حارة ، فلا يأمن النائم أن تطول يده على ذلك الموضع النجس ، أو على قذر غيره ; فالأمر بغسل اليدين لمن يريد غمسهما في الإناء واجب في هذه الحال ، وهي حال تغليب النجاسة ، وينبغي أن تكون مما يرجح فيه الغالب على الأصل عند تعارضهما ، والأصل في اليد الطهارة ، وقد حمل الجمهور الحديث على إفادة كراهة غمس اليدين في الماء قبل غسلهما ، وندب الغسل قبله عملا بالأصل .

                          وقال أحمد : إن النهي للتحريم ، والأمر للوجوب ، ولكن خصه بنوم الليل ; لأنه رواه هو والترمذي وابن ماجه بلفظ : " إذا استيقظ أحدكم من الليل " ، قال النووي ، وحكي عن أحمد في رواية أنه : إن قام من نوم الليل كره له كراهة تحريم ، وإن قام من نوم النهار كره له كراهة تنزيه .

                          ( قال ) : ومذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم ، بل المعتبر الشك في نجاسة اليد ، فمن شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها ؛ سواء كان قام من نوم الليل ، أو نوم النهار ، أو شك . وجملة القول أن الحديث ليس في الوضوء [ ص: 207 ] فلا يدل على وجوب غسلهما فيه ، ولكن ثبت كون غسلهما سنة من كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم الآتية .

                          وأما مسح العنق فقد قال النووي : " إنه بدعة " . وابن القيم : " لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في مسح العنق حديث ألبتة " . والصواب أنه ورد فيه أحاديث ضعيفة ، مرفوعة وموقوفة ومرسلة ، وقال بعضهم بحسن بعضها ، ولذلك تعقب بعض الشافعية أنفسهم ما قاله النووي بأن البغوي ، وهو من أئمة الحديث ، قال باستحبابه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية