الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          هذا باب في التيمم

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فعاتبني أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته

                                                                                                          وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك فقال بل يتيمم لكل صلاة لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم

                                                                                                          وسئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء قال يؤمهم غيره أحب إلي ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسا

                                                                                                          قال يحيى قال مالك في رجل تيمم حين لم يجد ماء فقام وكبر ودخل في الصلاة فطلع عليه إنسان معه ماء قال لا يقطع صلاته بل يتمها بالتيمم وليتوضأ لما يستقبل من الصلوات

                                                                                                          قال يحيى قال مالك من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع الله وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ولا أتم صلاة لأنهما أمرا جميعا فكل عمل بما أمره الله به وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن وجد الماء والتيمم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة

                                                                                                          وقال مالك في الرجل الجنب إنه يتيمم ويقرأ حزبه من القرآن ويتنفل ما لم يجد ماء وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          23 - هذا باب في التيمم

                                                                                                          هو لغة القصد قال امرؤ القيس :


                                                                                                          تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أعلى دارها نظر عالي

                                                                                                          كذا رواه بعضهم ، والمشهور تنورتها أي نظرت إليها ، وشرعا القصد إلى الصعيد لمسح [ ص: 218 ] الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة .

                                                                                                          وقال ابن السكيت : قوله ( فتيمموا صعيدا طيبا ) ( سورة النساء : الآية 43 ) أي اقصدوا الصعيد ، ثم كثر استعمالهم حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالصعيد ، فعلى هذا هو مجاز لغوي ، وعلى الأول حقيقة شرعية وفي أنه عزيمة أو رخصة خلاف ، وفصل بعضهم فقال : هو لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة ، وهو من خصائص هذه الأمة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " .

                                                                                                          الحديث في الصحيحين عن جابر أي بعد أن تيمم .

                                                                                                          ففي رواية البيهقي من حديث أبي أمامة : " فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجدا " ولأحمد : " فعنده طهوره ومسجده " .

                                                                                                          122 120 - ( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم ) بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمد المدني ، روى عن أبيه وأسلم مولى عمر وسعيد بن المسيب وعروة ، وعنه مالك وسماك بن حرب وأيوب والزهري وحميد الطويل والسفيانان وخلق وكان ثقة جليلا .

                                                                                                          قال ابن عيينة : كان أفضل أهل زمانه ، مات بالشام سنة ست وعشرين ومائة وقيل بعدها .

                                                                                                          ( عن أبيه ) القاسم بن محمد أبي عبد الرحمن المدني أحد الفقهاء بها ، قال ابن سعد : ثقة رفيع عالم فقيه إمام ورع كثير الحديث ، قال يحيى بن سعيد : ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله عليه .

                                                                                                          وقال أبو الزناد : ما رأيت أحدا أعلم بالسنة منه ، وما كان الرجل يعد رجلا حتى يعرف السنة .

                                                                                                          وقال أيوب : ما رأيت أفضل منه مات سنة ست ومائة على الصحيح .

                                                                                                          ( عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره ) قال في التمهيد : يقال إنها غزاة بني المصطلق في سنة ست وقيل خمس وجزم بذلك في الاستذكار وسبقه ابن سعد وابن حبان ، وغزاة بني المصطلق هي غزاة المريسيع وفيها وقعت قصة الإفك لعائشة ، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا ، فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لأجل اختلاف القصتين كما هو بين في سياقهما ، وذهب جماعة إلى تعدد ضياع العقد ، وأن هذه كانت بعد قصة الإفك محتجين بما رواه الطبراني عن عائشة : " لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه ، فقال أبو بكر : يا بنية في كل مرة تكونين عناء وبلاء على الناس فأنزل الله آية التيمم ، فقال أبو [ ص: 219 ] بكر : إنك لمباركة " ففيه التصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين ، وبذلك جزم محمد بن حبيب الإخباري فقال : سقط عقدها في غزاة بني المصطلق وفي ذات الرقاع ، واختلف أهل المغازي في أيهما كانت أولا .

                                                                                                          وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة : " لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع " ففيه دلالة على تأخرها عن بني المصطلق لأن إسلام أبي هريرة كان في السابعة وهي بعدها بلا خلاف

                                                                                                          ( حتى إذا كنا بالبيداء ) بفتح الموحدة والمد وهي الشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة .

                                                                                                          ( أو بذات الجيش ) بفتح الجيم وسكون التحتية وشين معجمة ، موضع على بريد من المدينة ، وبينها وبين العقيق سبعة أميال قاله أبو عبيد البكري في معجمه ، والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر ، فقول النووي : البيداء وذات الجيش بين المدينة وخيبر فيه نظر ، ويؤيد الأول رواية الحميدي عن سفيان عن هشام عن أبيه عروة عن عائشة أن القلادة سقطت ليلة الأبواء والأبواء بين مكة والمدينة .

                                                                                                          وللنسائي وجعفر الفريابي وابن عبد البر من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عنها ، وكان ذلك بمكان يقال له الصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين أولاهما ساكنة وهو جبل عند ذي الحليفة ، ذكره البكري في الصاد المهملة ، ووهم مغلطاي فزعم أنه ضبطه بالمعجمة وقلده بعض الشراح فزاده وهما ، ذكره كله الحافظ وقال غيره والشك من عائشة .

                                                                                                          ( انقطع عقد لي ) بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى قلادة ، وللبخاري من وجه آخر : " سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ - صلى الله عليه وسلم - ونزل " وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة ، ولأبي داود وغيره من حديث عمار بن ياسر : أن العقد كان من جزع ظفار ، وجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمني وظفار مدينة بسواحل اليمن بكسر الظاء المعجمة مصروف أو فتحها ، والبناء بوزن قطام ، وإضافته إليها لكونه في يدها وتصرفها فلا يخالف رواية البخاري وغيره عن عروة عنها أنها استعارته من أسماء أختها بناء على اتحاد القصة وهو أظهر من دعوى تعددها .

                                                                                                          ( فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه ) أي لأجل طلبه ( وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء ) ففيه إشارة إلى ترك إضاعة المال واعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين وإن قلت ، فقد روي أن ثمن العقد كان اثني عشر درهما ، ويلحق بتحصيل الضائع الإقامة للحاق المنقطع ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية ، واستدل به على جواز الإقامة في مكان لا ماء فيه وسلوك طريق لا ماء فيها ، ونظر فيه الحافظ بأن المدينة كانت قريبة منهم وهم على قصد دخولها ، قال : ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم بعدم الماء مع الركب وإن علم أن المكان لا ماء فيه ، ويحتمل أن قوله : وليس معهم ماء أي للوضوء ، وأما الشرب فيحتمل أنه معهم والأول محتمل لجواز إرسال المطر ونبع [ ص: 220 ] الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - كما وقع في مواطن أخرى .

                                                                                                          ( فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا : ألا ترى ) بهمزة الاستفهام ( ما صنعت عائشة ، أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ) أسند الفعل إليها لأنه كان بسببها ، وفيه شكوى المرأة إلى أبيها وإن كان لها زوج ، وكأنهم إنما شكوا له لأنه - صلى الله عليه وسلم - نائم وكانوا لا يوقظونه ، قاله الحافظ : أو خافوا تغيظه لشدة محبة المصطفى لها ، قاله بعض شيوخي .

                                                                                                          ( قالت عائشة : فجاء أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي ) بالذال المعجمة ( قد نام ) ففيه جواز دخول الرجل على بنته وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك ، ولم تكن حالة مباشرة .

                                                                                                          ( فقال : حبست ) منعت ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ) وفيه ضرر شديد ( قالت عائشة : فعاتبني أبو بكر ) لم تقل أبي لأن قضية الأبوة الحنو ، والعتاب والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر فأنزلته منزلة الأجنبي .

                                                                                                          ( فقال ما شاء الله أن يقول ) فقال : حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء وبلاء على الناس .

                                                                                                          ( وجعل يطعن بيده ) بضم العين وكذا جميع ما هو حسي ، وأما المعنوي فبالفتح على المشهور فيهما ، وحكى الفتح فيهما معا في المطالع وغيرها والضم فيهما صاحب الجامع ( في خاصرتي ) هو الشاكلة ، وخصر الإنسان بفتح المعجمة وسكون المهملة وسطه كما في الكواكب ، وفيه تأديب الرجل بنته ولو متزوجة كبيرة خارجة عن بيته ، ويلحق به تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن الإمام .

                                                                                                          ( فلا يمنعني من التحرك إلا مكان ) أي كون واستقرار رأس ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي ) فأرادت بالمكان هنا الكون والاستقرار فلا يرد أن الفخذ هو المكان فلا معنى للجمع بينهما ، وفيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة ويحصل به التشويش لنائم ، وكذا لمصل أو قارئ أو مشتغل بعلم أو ذكر .

                                                                                                          ( فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح ) دخل في الصباح ( على غير ماء ) متعلق بنام وأصبح فتنازعا فيه ، هكذا الرواية في الموطأ حتى وهي رواية مسلم عن يحيى والبخاري في فضل أبي بكر عن قتيبة عن مالك ، ورواه في التيمم عن [ ص: 221 ] عبد الله بن يوسف بلفظ حين بتحتية ونون ، قال الحافظ : ومعناهما متقارب لأن كلا منهما يدل على أن قيامه من نومه كان عند الصبح ، وقال بعضهم : ليس المراد بقوله حتى أصبح بيان غاية النوم إلى الصباح بل بيان غاية فقد الماء لأنه قيد الغاية بقوله : على غير ماء أي آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء .

                                                                                                          وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها : ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ وحضرت الصبح ، فإن أعربت الواو حالية كان دليلا على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر ، واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر إن ثبت أنه كان واجبا عليه ، وعلى أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بعد قوله : وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد ( فأنزل الله تعالى آية التيمم ) قال ابن العربي : هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة .

                                                                                                          وقال ابن بطال : هي آية النساء أو المائدة .

                                                                                                          وقال القرطبي : هي آية النساء لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء ، وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها .

                                                                                                          وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء ، قال الحافظ : وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري أنها آية المائدة بلا تردد لرواية عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عند البخاري في التفسير إذ قال فيها : فنزلت آية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) ( سورة المائدة : الآية 6 ) الآية قال : واستدل به على أن الوضوء كان واجبا قبل نزول الآية ، ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء ، ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع ، قال ابن عبد البر : معلوم عند جميع أهل المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل منذ فرضت الصلاة إلا بوضوء ، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند قال : وفي قوله : آية التيمم إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء ، قال : والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل ، وقال غيره : يحتمل أن أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة ، وإطلاق آية التيمم على هذا من إطلاق الكل على البعض ، لكن رواية عمرو بن الحارث تدل على أن الآية نزلت في هذه القصة ، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر . انتهى .

                                                                                                          وقد ثبت في رواية محمد بن الحسن وعبد الله التنيسي ويحيى التميمي قوله : ( فتيمموا ) وسقط من رواية يحيى وغيره ، قال الحافظ : يحتمل أنه خبر عن فعل الصحابة أي فتيمم الناس بعد نزول الآية ، ويحتمل أنه حكاية لبعض الآية وهو الأمر في قوله : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) ( سورة المائدة : الآية 6 ) بيانا لقوله : آية التيمم أو بدلا ، واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم لأن معناه اقصدوا كما تقدم وهو قول فقهاء الأمصار إلا الأوزاعي .

                                                                                                          ( فقال أسيد ) بضم الهمزة وفتح السين ( ابن حضير ) بضم المهملة وفتح الضاد المعجمة ابن سماك الأنصاري الأشهلي أبو يحيى الصحابي الجليل مات [ ص: 222 ] سنة عشرين أو إحدى وعشرين ( ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ) بل هي مسبوقة بغيرها من البركات ، والمراد بآله نفسه وأهله وأتباعه ، وفي رواية عمرو بن الحارث لقد بارك الله فيكم .

                                                                                                          وللبخاري من وجه آخر فقال أسيد لعائشة : جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا .

                                                                                                          وفي لفظ له : إلا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة .

                                                                                                          وإنما قال ذلك أسيد دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع .

                                                                                                          وفي تفسير إسحاق المسيبي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ما كان أعظم بركة قلادتك " ( قالت : فبعثنا ) أي أثرنا ( البعير الذي كنت ) راكبة ( عليه ) حالة السير ( فوجدنا العقد تحته ) هذا ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولا لم يجدوه .

                                                                                                          وفي رواية عروة عن عائشة في البخاري : فبعث - صلى الله عليه وسلم - رجلا فوجدها أي القلادة .

                                                                                                          وللبخاري ومسلم : فبعث ناسا من أصحابه فطلبها .

                                                                                                          ولأبي داود : فبعث أسيد بن حضير وناسا معه ، وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث لذلك فلذا سمي في بعض الروايات دون غيره ، وأسند إلى واحد منهم في رواية دون غيره وهو المراد به وكأنهم لم يجدوا العقد أولا ، فلما رجعوا ونزلت الآية وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد .

                                                                                                          فقوله في رواية عروة فوجدها أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره .

                                                                                                          وقال النووي : يحتمل أن فاعل وجدها النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                          وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة ، ونقل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نمير راويها عن هشام عن أبيه وقد بان أن لا تخالف بينهم ولا وهم ذكره الحافظ .

                                                                                                          وحديث الباب أخرجه البخاري هنا ، وفي النكاح عن عبد الله بن يوسف ، وفي المناقب عن قتيبة بن سعيد ، وفي التفسير والمحاربين عن إسماعيل ومسلم عن يحيى الأربعة عن مالك به ، قال الحافظ : ولم يقع في شيء من طرق حديث عائشة هذا كيفية التيمم ، وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه لكن اختلفت الرواة عنه في الكيفية فورد بالاقتصار على الوجه والكفين في الصحيحين ، وبذكر المرفقين في السنن ، وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية أخرى إلى الإبط ، فأما رواية إلى المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال ، وأما رواية إلى الآباط فقال الشافعي وغيره : إن كان وقع ذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكل تيمم صح للنبي - صلى الله عليه وسلم - فهو ناسخ له ، وإن كان بغير أمره فالحجة فيما أمر به ، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعده - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، وراوي الحديث أعرف بالمراد من غيره ولاسيما الصحابي المجتهد انتهى .

                                                                                                          [ ص: 223 ] ( وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك ؟ فقال : بل يتيمم لكل صلاة لأن عليه أن يبتغي ) يطلب ( الماء لكل صلاة ) على ظاهر قوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء ) ( سورة المائدة : الآية 6 ) ( فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم ) إذ التيمم مبيح للصلاة لا رافع للحدث على المشهور فيطلب لكل صلاة بذلك المبيح .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء ؟ قال : يؤمهم غيره أحب إلي ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسا )أي أنه جائز مع الكراهة ، ودليل الجواز ما رواه أبو داود والحاكم عن عمرو بن العاصي قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن أغتسل فأهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح ، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ " فأخبرته بالذي منعني عن الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ( سورة النساء : الآية 29 ) فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئا ، وإسناده قوي .

                                                                                                          ( قال مالك في رجل تيمم حين لم يجد ماء فقام وكبر ودخل في الصلاة فطلع عليه إنسان معه ماء قال : لا يقطع صلاته بل يتمها بالتيمم وليتوضأ لما يستقبل من الصلوات ) لأنه لم يثبت في سنة ولا إجماع ما يوجب قطع صلاته ، وهو كمن وجب عليه صوم ظهار أو قتل فصام أكثره ثم أيسر لا يعود إلى العتق ، وبه قال الشافعي وداود ، وقال أبو حنيفة وأحمد وغيرهما : يقطع الصلاة ويتوضأ ويستأنف للإجماع في المعتدة بالشهور يبقى أقلها ثم تحيض أنها تستقبل عدتها بالحيض ، وأما إن وجد الماء قبل الدخول في الصلاة فعليه الوضوء إجماعا عند ابن عبد البر ، وقد قال أبو سلمة : ليس عليه الوضوء وإن وجد بعدها فلا إعادة عند الجمهور ، [ ص: 224 ] ومنهم من استحبها في الوقت .

                                                                                                          ( قال مالك : من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم ) بقوله : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) ( فقد أطاع الله ) لأنه فعل ما أمره به ( وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ) يعني في الإجزاء لا في الفضيلة ، كذا قال الباجي ، والظاهر خلافه لاسيما مع قوله : ( ولا أتم صلاة ) فالمعنى أن كل واحد منهما تام الطهارة في تأدية فرضه ( لأنهما أمرا جميعا فكل عمل بما أمره الله به ، وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن وجد الماء والتيمم لا لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة ) فإن دخل فلا قطع إلا ناسيه وبعدها لا إعادة كما مر .

                                                                                                          ( وقال مالك في الرجل الجنب : إنه يتيمم ويقرأ حزبه من القرآن ويتنفل ) تبعا للفرض بعده ( ما لم يجد ماء ) فإن وجده منع حتى يغتسل ( وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم ) وهو عدم الماء حقيقة أو حكما وهو عدم القدرة على استعماله .




                                                                                                          الخدمات العلمية