الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
91 [ ص: 182 ] [ ص: 183 ] حديث رابع لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة بن الزبير ، يقول : دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء ، فقال مروان : ومن مس الذكر الوضوء ، قال عروة : ما علمت هذا ، فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ .

التالي السابق


قال أبو عمر : في نسخة يحيى في الموطأ في إسناد هذا الحديث وهم وخطأ غير مشكل ، وقد يجوز أن يكون من خطأ اليد ، فهو من قبيح الخطأ في الأسانيد ، وذلك أن في كتابه في هذا الحديث : مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن محمد بن عمرو بن حزم فجعل في موضع " ابن " " عن " فأفسد الإسناد ، وجعل الحديث لمحمد بن عمرو بن حزم ، وهكذا حدث به عنه ابنه عبيد الله بن يحيى .

وأما ابن وضاح ، فلم يحدث به هكذا ، وحدث به على الصحة ، فقال : مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وهذا الذي لا شك فيه عند جماعة [ ص: 184 ] أهل العلم ، وليس الحديث لمحمد بن عمرو بن حزم عند أحد من أهل العلم بالحديث ، ولا رواه محمد بن عمرو بن حزم بوجه من الوجوه ، ومحمد بن عمرو بن حزم لا يروي مثله ، عن عروة . وولد محمد بن عمرو بن حزم بنجران ، وأبوه عامل عليها من قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة عشر من الهجرة فسماه أبوه محمدا وكناه أبا سليمان وكتب بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره أن يسميه محمدا ويكنيه أبا عبد الملك . ففعل ، وكان محمد بن عمرو فارسا شجاعا توفي سنة ثلاث وستين .

وقد ذكرناه وذكرنا أباه عمرو بن حزم في كتابنا في الصحابة بما فيه كفاية .

وقد روى هذا الحديث أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عروة كما رواه ابنه عبد الله ، عن عروة ، وقد اجتمع مع أبيه في شيوخ .

وأما محمد بن عمرو بن حزم ، فلم يقل أحد إنه روى عن عروة لا هذا الحديث ولا غيره ، والمحفوظ في هذا الحديث رواية عبد الله بن أبي بكر له ، عن عروة ورواية أبي بكر له عن عروة أيضا ، وإن كان عبد الله قد خالف أباه في إسناده ، والقول عندنا في ذلك قول عبد الله ، هذا إن صح اختلافهما في ذلك ، وما أظنه إلا ممن دون أبي بكر ، وذلك أن عبد الحميد كاتب الأوزاعي رواه عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن [ ص: 185 ] محمد بن عمرو بن حزم ، عن عروة ، عن بسرة ، وإنما الحديث لعروة ، عن مروان ، عن بسرة ، والمحفوظ أيضا في هذا الحديث أن الزهري رواه عن عبد الله بن أبي بكر لا عن أبي بكر ، والله أعلم .

وقد اختلف فيه عن الزهري ، فروي عنه ، عن عبد الله بن أبي بكر . وروي عنه ، عن أبي بكر . وروي عنه ، عن عروة ، ومن رواه عنه ، عن عروة فليس بشيء عندهم .

وقد حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، حدثنا الحسين بن الحسن الخياط ، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من مس فرجه فليتوضأ وهذا إسناد منكر عن مالك ليس يصح عنه وأظن الحسين هذا وضعه أو وهم فيه ، والله أعلم .

وكذلك حديث علي بن معبد ، وعن حفص بن عمر الصنعاني ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يتوضأ من مس الذكر ، قال : سمعت بسرة بنت صفوان تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : الوضوء من مس الذكر خطأ ، وإسناده منكر ، والصحيح فيه عن مالك ما في الموطأ .

وكذلك من روى هذا الحديث عن الزهري ، عن عروة ، عن زيد بن خالد ، فهو خطأ أيضا لا شك فيه ، وكذلك من رواه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، فقد أخطأ أيضا فيه .

والحديث الصحيح الإسناد في هذا : عن عروة ، عن مروان ، عن بسرة . وأنا أذكر في هذا الباب الأسانيد الصحاح فيه عن عروة دون المعلولات ، ودون التي هي عند أهل العلم خطأ ، والعون بالله لا شريك له .

[ ص: 186 ] أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا القعنبي ، عن مالك . وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا معن ، حدثنا مالك . وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، أخبرنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر ، عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير ، يقول : دخلت على مروان بن الحكم ، فذكرنا ما يكون منه الوضوء ، فقال مروان : من مس الذكر ، فقال عروة : ما علمت ذلك ، فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ .

قال أبو عمر :

في رواية ابن بكير لهذا الحديث عن مالك فليتوضأ وضوءه للصلاة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال : تذاكر أبي ، وعروة بن الزبير ما يتوضأ منه فذكر أبي : إن هذا شيء ما سمعته ، فقال عروة : بل أخبرني مروان بن الحكم أنه سمع بسرة بنت صفوان تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من مس ذكره فليتوضأ فقلت : فإني أشتهي [ ص: 187 ] أن ترسل ، وأنا شاهد - رجلا ، أو قال : حرسيا ، فجاء الرسول من عندها ، فقال لنا : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مس ذكره فليتوضأ .

قال أبو عمر :

في جهل عروة لهذه المسألة على ما في حديث مالك وغيره ، وجهل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لها أيضا على ما في حديث ابن عيينة هذا - دليل على أن العالم لا نقيصة عليه من جهل الشيء اليسير من العلم إذا كان عالما بالسنن في الأغلب إذ الإحاطة لا سبيل إليها ، وغير مجهول موضع عروة ، وأبي بكر من العلم والاتساع فيه في حين مذاكرتهم بذلك ، وقد يسمى العالم عالما ، وإن جهل أشياء كما يسمى الجاهل جاهلا ، وإن علم أشياء ، وإنما تستحق هذه الأسماء بالأغلب .

وفي رواية ابن عيينة لهذا الحديث ما يدل على أنه جائز أن يروي عروة هذا الحديث ، عن بسرة ، وقد رواه عنه كذلك قوم ، وكذلك حدث به أبو عبيد ، عن ابن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عروة ، عن بسرة . فحدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن معاوية أخبرنا إسحاق بن أبي حسان ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد الحميد بن حبيب ، حدثنا [ ص: 188 ] الأوزاعي ، حدثني الزهري ، حدثنا أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، حدثني عروة ، عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : يتوضأ الرجل من مس الذكر .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا أحمد بن محمد بن المغيرة ، حدثنا عثمان ، عن شعيب ، عن الزهري أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير ، يقول : ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده ، فأنكرت ذلك ، وقلت : لا وضوء على من مسه ، فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما يتوضأ منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويتوضأ من مس الذكر ، قال : عروة فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة فسألها عما حدثت من ذلك فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عمرو بن قسيط أبو علي الرقي ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن إسحاق بن راشد ، عن الزهري [ ص: 189 ] عن عبد الله بن أبي بكر فذكر الحديث مثله سواء بمعناه إلى آخره . وزاد : قال : وكانت بسرة خالة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان . هكذا جاء في الحديث أن بسرة خالة عبد الملك بن مروان ، وهذا أعلى ما جاء في ذلك ، وقد اختلف في بسرة هذه ، فقيل : هي من كنانة ، ومن قال هذا جعلها خالة مروان لا خالة عبد الملك ، وأم مروان بنت علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث الكناني ، فعلى هذا تكون بسرة عمة أم مروان ، وإلى هذا ذهب ابن البرقي ، وليس بشيء ، والصحيح أنها بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى قرشية أسدية ، قال الزبير بن بكار : ليس لصفوان بن نوفل عقب إلا من بسرة هذه ، قال : وهي أم معاوية بن المغيرة بن أبي العاصي جدة عائشة بنت معاوية ، وعائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاصي هي أم عبد الملك بن مروان . هذا قول الزبير ، وعمه مصعب ، وهو أصح ما قيل في ذلك إن شاء الله .

وقد قيل : إن عائشة أم عبد الملك بن مروان هي عائشة بنت المغيرة بن أبي العاصي ، وأن بسرة بنت صفوان كانت عند المغيرة بن أبي العاصي فولدت له معاوية ، وعائشة أم عبد الملك بن مروان ، فلو صح هذا كانت بسرة جدة عبد الملك أم أمه لا خالته ، وعلى قول الزبير جدة أم عبد الملك ، وهذا أصح إن شاء الله ، والله أعلم ، وقد ذكرنا بسرة [ ص: 190 ] في كتاب الصحابة .

وأما مروان ، فلم نقصد هاهنا إلى ذكره لأنا قد ذكرناه في كتابنا في الصحابة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثمان سنين ، وما أظنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه ولد بالطائف ، ولم يزل بها حتى ولي عثمان فيما ذكر غير واحد من العلماء بالسير والخبر ، وتوفي مروان سنة خمس وستين .

وأما حديث هشام بن عروة فحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب بن خالد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن مروان بن الحكم ، عن بسرة بنت صفوان ، وكانت قد صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا مس أحدكم ذكره ، فلا يصلي حتى يتوضأ .

قال أبو عمر : هذا هو الصحيح في حديث بسرة : عروة ، عن مروان ، عن بسرة ، وكل من خالف هذا فقد أخطأ فيه عند أهل العلم ، والاختلاف فيه كثير على هشام ، وعلى ابن شهاب ، والصحيح فيه عنهما ما ذكرنا في هذا الباب ، وقد [ ص: 191 ] كان يحيى بن معين ، يقول : أصح حديث في مس الذكر حديث مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عروة ، عن مروان ، عن بسرة ، وكان أحمد بن حنبل ، يقول نحو ذلك أيضا ، ويقول في مس الذكر أيضا حديث حسن ثابت ، وهو حديث أم حبيبة .

قال أبو عمر : حديث أم حبيبة في ذلك حدثناه عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا المعلى بن منصور ، حدثنا الهيثم بن حميد ، حدثنا العلاء ، عن مكحول ، عن عنبسة بن أبي سفيان ، عن أم حبيبة ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من مس فرجه فليتوضأ .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا عبد الحميد بن أحمد بن عيسى ، حدثنا الخضر بن داود ، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الوارق ، حدثنا محمد بن سعيد المقري ، حدثنا الهيثم بن حميد ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن عنبسة بن أبي سفيان ، عن أم حبيبة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مس فرجه فليتوضأ .

[ ص: 192 ] قال أبو عمر : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر لحديث بسرة وحديث أم حبيبة ، وكذلك كان يحيى بن معين يقول ، والحديثان جميعا عندهما صحيحان ، فهذان إماما أهل الحديث يصححان الحديث في مس الذكر .

ذكر أبو زرعة الدمشقي ، قال : كان أحمد بن حنبل يعجبه حديث أم حبيبة في مس الذكر ، ويقول : هو حسن الإسناد .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا محمد بن زكرياء بن يحيى بن أعين المقدسي ، حدثنا مضر بن محمد ، قال : سألت يحيى بن معين : أي حديث يصح في مس الذكر ؟ ، فقال يحيى : لولا حديث جابر بن عبد الله بن أبي بكر لقلت لا يصح فيه شيء ، فإن مالكا يقول : حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا عروة ، حدثنا مروان ، حدثتني بسرة ، فهذا حديث صحيح ، فقلت له : فبسرة من غير هذا الطريق ؟ ، فقال : مروان ، عن حديث بسرة ، فقلت له : فحديث جابر ؟ ، قال : نعم ، حديث محمد بن ثوبان هو غير صحيح ، قلت له : فحديث أبي هريرة ؟ ، فقال : رواه يزيد بن عبد الملك النوفلي ، عن سعيد المقبري ، وقال : جعل بينهما رجلا مجهولا ، قلت : فإن أبا عبد الله أحمد [ ص: 193 ] بن حنبل ، يقول : أصح حديث فيه حديث الهيثم بن حميد ، عن العلاء ، عن مكحول ، عن عنبسة ، عن أم حبيبة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من مس ذكره فليتوضأ فسكت " .

قال أبو عمر : أما حديث جابر فحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، حدثنا الخضر بن داود ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، حدثنا دحيم وأحمد بن صالح ، قالا : حدثنا عبد الله بن نافع ، عن ابن أبي ذئب ، عن عقبة بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من مس ذكره فليتوضأ ، وهذا إسناد صحيح كل مذكور فيه ثقة معروف بالعلم إلا عقبة بن عبد الرحمن ، فإنه ليس بمشهور بحمل العلم ، يقال : هو عقبة بن عبد الرحمن بن معمر ، ويقال : عقبة بن عبد الرحمن بن جابر ، ويقال : عقبة بن أبي عمرو .

وذكر أبو علي بن السكن في كتابه الصحيح ، قال : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث بسرة ويختاره ، قال ابن السكن : ولا أعلم في حديث أم حبيبة علة إلا أنه قيل : إن مكحولا لم يسمعه من عنبسة .

وذكر ابن السكن حديث بسرة فصححه ، ثم قال : يقال : إن حديث بسرة ناسخ لحديث [ ص: 194 ] طلق بن علي ; لأن طلق بن علي قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يبني المسجد ، ثم رجع إلى بلاد قومه . وحديث بسرة ابنة صفوان ، ومن تابعها ممن روى مثل روايتها تأخر إسلامهم ، وإنما أسلموا قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير ، ثم قال : إن صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مس الذكر شيء فحديث بسرة .



قال أبو عمر : قد صح عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان ، ذكر ذلك دحيم ، وغيره .

وأما الذين رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة في مس الذكر مثل رواية بسرة ، وأم حبيبة فأبو هريرة ، وعائشة وجابر وزيد بن خالد ، ولكن الأسانيد عنهم معلولة ، ولكنهم يعدون فيمن أوجب الوضوء من مس الذكر من الصحابة مع سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر وسائر من أوجب الوضوء من مس الذكر منهم .

قال أبو عمر : الشرط في مس الذكر أن لا يكون دونه حائل ، ولا حجاب ، وأن يمس بقصد ، وإرادة ; لأن العرب لا تسمي الفاعل فاعلا إلا بقصد منه إلى الفعل ، وهذه الحقيقة في ذلك ، والمعلوم في القصد إلى المس أن يكون في الأغلب بباطن [ ص: 195 ] الكف ، وقد روي بمثل هذا المعنى حديث حسن أخبرناه خلف بن القاسم ، حدثنا سعيد بن السكن ، ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج ، قالا : حدثنا علي بن أحمد بن سليمان البزار ، حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، حدثنا أصبغ بن الفرج ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، حدثنا نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك بن المغيرة ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب ، فقد وجب عليه الوضوء قال ابن السكن : هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب لرواية ابن القاسم له ، عن نافع ، عن أبي نعيم . وأما يزيد فضعيف .

قال أبو عمر : كان هذا الحديث لا يعرف إلا ليزيد بن عبد الملك النوفلي هذا ، وهو مجتمع على ضعفه حتى رواه عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك ، عن نافع بن أبي نعيم القاري ، وهو إسناد صالح ، إن شاء الله .

وقد أثنى ابن معين على عبد الرحمن بن القاسم في حديثه ووثقه ، وكان النسائي يثني عليه أيضا في نقله عن مالك لحديثه ، ولا أعلمهم يختلفون في ثقته ، ولم يرو هذا الحديث عنه ، عن نافع بن أبي نعيم [ ص: 196 ] ويزيد بن عبد الملك إلا أصبغ بن الفرج .

وأما سحنون ، فإنما رواه عن ابن القاسم ، عن يزيد وحده وذكر عن ابن القاسم أنه استقر قوله : أنه لا إعادة على من مس ذكره وصلى لا في وقت ، ولا في غيره واختار ذلك سحنون أيضا .

أخبرنا عبد الرحمن بن مروان ، حدثنا أبو محمد الحسن بن يحيى القلزمي ، حدثنا أبو غسان عبد الله بن محمد بن يوسف القلزمي ، حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، حدثنا أصبغ بن الفرج ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونه حجاب ، ولا ستر ، فقد وجب عليه الوضوء .

وأما الحديث المسند المسقط للوضوء من مس الذكر فحدثناه محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا هناد بن السري ، عن ملازم بن عمرو . وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود . وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، قالا : حدثنا مسدد ، حدثنا ملازم بن عمرو ، حدثنا أبو داود الحنفي ، حدثنا عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن علي ، قال : قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه [ ص: 197 ] رجل كأنه بدوي ، فقال : يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ ، فقال : هل هو إلا بضعة منك وقال أحمد بن شعيب في حديثه : " وهل هو إلا مضغة منك ، أو بضعة منك " .

قال أبو داود : ورواه هشام بن حسان ، والثوري ، وشعبة ، وابن عيينة ، وجرير الرازي ، عن محمد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه .

قال أبو عمر : ورواه أيوب بن عتبة قاضي اليمامة أيضا ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه ، وهو حديث يمامي لا يوجد إلا عند أهل اليمامة إلا أن محمد بن جابر وأيوب بن عتبة يضعفان ، وملازم بن عمرو ثقة ، وعلى حديثه عول أبو داود ، والنسوي جميعا ، وكل من خرج في الصحيح ذكر حديث بسرة في هذا الباب ، وحديث طلق بن علي إلا البخاري ، فإنهما عنده متعارضان معلولان ، وعند غيره هما صحيحان ، والله المستعان .

وقد استدل جماعة من العلماء على أن الحديث في إيجاب الوضوء من مس الذكر - ناسخ لحديث سقوط الوضوء منه بأن إيجاب الوضوء منه ، إنما هو مأخوذ من جهة الشرع لا مدخل فيه للعقل لاجتماعه مع سائر الأعضاء ، فمحال أن يقال : إنما هو بضعة [ ص: 198 ] منك ، والشرع قد ورد بإيجاب الوضوء منه وجائز أن يجب منه الوضوء بعد ذلك القول شرعا فتفهم .

وأما أقاويل الفقهاء من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم من الخالفين في هذا الباب ، فروي عن جماعة من الصحابة إيجاب الوضوء من مس الذكر ، منهم : عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر .

حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا الفضل بن الحباب ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب صلى بالناس فأهوى بيده فأصاب فرجه فأشار إليهم أن امكثوا فخرج فتوضأ ، ثم رجع إليهم فأعاد .

وأما ابن عمر فمن حديث مالك في الموطأ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، والزهري ، عن سالم ، عن أبيه .

وأما سعد بن أبي وقاص فمن رواية مالك أيضا ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد هذه رواية أهل المدينة عنه في إيجاب الوضوء منه .

وروى عنه أهل الكوفة إسقاط الوضوء منه .

[ ص: 199 ] وروي عن جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء من مس الذكر ، منهم : جابر بن عبد الله وزيد بن خالد ، وأبو هريرة .

قال أبو بكر الأثرم : سئل أبو عبد الله ، عن الوضوء من مس الذكر ، فقال : نعم ، نرى الوضوء من مس الذكر ، قيل له : فمن لم يره أتعنفه ، قال : الوضوء أقوى . قيل له : فمن قال لا وضوء ، قال : الوضوء أكثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أصحابه ، والتابعين .

قال أبو عمر : أما التابعون الذين روي عنهم الوضوء من مس الذكر من كتاب الأثرم ، وكتاب ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق فسعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، وطاوس ، وعروة ، وسليمان بن يسار ، وأبان بن عثمان ، وابن شهاب ، ومجاهد ، ومكحول ، والشعبي ، وجابر بن زيد ، والحسن ، وعكرمة ، وبذلك قال الأوزاعي ، والشافعي ، والليث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق وداود ، والطبري ، واضطرب مالك في إيجاب الوضوء منه واستقر قوله : أن لا إعادة على من صلى بعد أن مسه قاصدا ، ولم يتوضأ إلا في الوقت ، فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه ، وعلى ذلك أكثر أصحابه ، وكذلك اختلف أصحابه فيمن مس ذكره ساهيا ببطن كفه ؛ فروى ابن القاسم عنه : من مس فرجه في [ ص: 200 ] غسل الجنابة - أنه يعيد وضوءه ، وكذلك في سماع أشهب ، وابن نافع ، عن مالك فيمن مس ذكره ، وهو يتوضأ قبل أن يغسل رجليه أنه ينتقض وضوءه .

وروى ابن وهب عنه أنه لا يعيد الوضوء إلا من تعمد مسه ، قال ابن وهب : قيل لمالك : فإن مسه على غلالة خفيفة ، قال : لا وضوء عليه ، ومن لم يتعمد مسه ، فلا وضوء عليه .

وذكر العتبي ، عن سحنون ، وابن القاسم ما قدمنا من سقوط الوضوء منه ، واختار ابن حبيب إعادة الوضوء في العمد وغيره لمن لم يصل ، فإن صلى أعاد في الوقت على رواية ابن القاسم ، ومال البغداديون إلى رواية ابن وهب أن الوضوء منه استحباب في العمد دون غيره ، قال ابن وهب : سئل مالك عن الوضوء من مس الذكر ، فقال : حسن ، وليس بسنة ، وأحب إلي أن يتوضأ من سماع ابن وهب .

قال أبو عمر : وأما سائر من ذكرنا من العلماء بالحجاز فإنهم يرون منه الإعادة في الوقت وبعده ، وإليه ذهبت طائفة من المالكيين ، منهم : أصبغ بن الفرج ، وعيسى بن دينار ، واحتجوا بأن عبد الله بن عمر أعاد الصلاة والوضوء منه للصبح بعد طلوع [ ص: 201 ] الشمس ، وهذه إعادة بعد خروج الوقت ، وكان إسماعيل بن إسحاق وسائر البغداديين من المالكيين يجعلون مس الذكر من باب الملامسة ، فيقولون : إن التذ الذي يمس ذكره فالوضوء عليه واجب ، وإن صلى دون وضوء فالإعادة عليه في الوقت وبعده ، وإن لم يلتذ من مسه ، فلا شيء عليه كالملامس للنساء سواء في مذهبهم .

وأما الذين لم يروا في مس الذكر وضوءا فعلي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وحذيفة بن اليمان ، وعمران بن حصين ، وأبو الدرداء .

واختلف فيه عن سعد بن أبي وقاص ، فروي عنه أنه لا وضوء على من مس ذكره , هذه رواية أهل الكوفة عنه .

ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : سأل رجل سعد بن أبي وقاص ، عن مس الذكر أيتوضأ منه ، قال : إن كان منك شيء نجس فاقطعه .

وروى أهل المدينة عنه أنه كان يتوضأ منه ، وكذلك اختلف فيه عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب ، فروي عنهما القولان جميعا ، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : لا وضوء في مس الذكر .

[ ص: 202 ] ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، قال : دعاني وابن جريج - بعض أمرائهم ، فسألنا عن مس الذكر ، فقال ابن جريج : يتوضأ ، وقلت : لا وضوء عليه ، فلما اختلفنا ، قلت لابن جريج : أرأيت لو أن رجلا وضع يده في مني ، قال : يغسل يده ، قلت : فأيها أنجس المني أم الذكر ؟ ، قال : المني ، قلت : فكيف هذا ؟ ، قال : ما ألقاها على لسانك إلا شيطان .

قال أبو عمر : إنما جازت المناظرة ، والقياس عندهما في هذه المسألة لاختلاف الآثار فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه لم يأت عنه فيها عندهما شيء يجب التسليم له من وجه لا تعارض فيه .

واختلف فيه الصحابة أيضا , فمن هاهنا تناظرا فيها ، والأسانيد عن الصحابة في إسقاط الوضوء منه أسانيد صحاح من نقل الثقات .

قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك في ذلك أن لا وضوء فيه ; لأن الوضوء عنده منه استحباب لا إيجاب بدليل أنه لا يرى الإعادة على من صلى بعد أن مس ذكره إلا في الوقت ، وفي سماع أشهب ، وابن نافع ، عن مالك أنه سئل عن الذي يمس ذكره ويصلي : أيعيد الصلاة ؟ ، فقال : لا أوجبه أنا . فروجع ، فقال : يعيد ما كان في الوقت ، وإلا فلا ، وقال الأوزاعي : إن [ ص: 203 ] مس ذكره بساعده فعليه الوضوء ، وهو قول عطاء ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وقال الليث : من مس ما بين إليتيه فعليه الوضوء ، قال الليث : من مس ذكر البهائم فعليه الوضوء ، وقال مالك : إن مس ذكره بذراعه وقدمه ، فلا وضوء عليه ، وقال مالك ، والشافعي ، والليث بن سعد : لا يجب الوضوء إلا على من مس ذكره بباطن كفه .

وجملة قول مالك وأصحابه : إن مس ذكره بظاهر يده ، أو بظاهر ذراعيه ، أو باطنهما ، أو مس أنثييه ، أو شيئا من أرفاغه ، أو غيرها ، أو شيئا من أعضائه سوى الذكر ، فلا وضوء عليه ، ولا على المرأة عندهم وضوء في مسها فرجها ، وقد روي عن مالك أن على المرأة الوضوء في مسها فرجها إذا ألطفت ، أو قبضت والتذت ، وكان مكحول وطاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل يقولون : إن مس ذكره غير متعمد فلا وضوء عليه . وبه قال داود ، وقال الأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق : عمده وخطؤه في ذلك سواء إذا أفضى بيده إليه .

وجملة قول الشافعي في هذا الباب ما ذكره في كتاب الطهارة المصري ، قال : وإذا أفضى الرجل إلى ذكره ليس بينه وبينه ستر ، فقد وجب عليه الوضوء ، عامدا كان أو ساهيا ، والإفضاء باليد إنما هو بباطنها كما تقول : أفضى [ ص: 204 ] بيده مبايعا وأفضى بيديه إلى الأرض ساجدا ، وسواء قليل ما مس من ذكره أو كثيره إذا كان بباطن الكف ، وكذلك من مس دبره بباطن الكف ، أو فرج امرأته ، أو ذكر غيره ، أو دبره ، وسواء مس ذلك من حي ، أو ميت ، وحكم المرأة في ذلك كله كالرجل منها ومن غيرها ، قال : ومن مس ذكره بباطن كفه على ثوب عامدا ، أو ساهيا ، أو مسه بظهر كفه ، أو ذراعه عامدا ، أو ساهيا ، فلا شيء عليه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أفضى أحدكم . . . . . . ، وكذلك المرأة . قال : وإن مس شيئا من هذا من بهيمة لم يجب عليه الوضوء من قبل أن للآدميين حرمة وتعبدا ، قال : ولا شيء عليه في مس أنثييه ورفغيه ، وإليتيه ، وفخذيه ، قال : وإنما قسنا الفرج بالفرج وسائر الأعضاء غير باطن الكف قياسا على الفخذ .

قال أبو عمر : أما قول الشافعي في مس الرجل فرج المرأة ، ومس المرأة فرج الرجل ، فقد وافقه على ذلك الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق . ووافقه على قوله في مس ذكر الصبي ، والحي ، والميت - عطاء ، وأبو ثور . ووافقه على إيجاب الوضوء من مس الدبر عطاء ، والزهري . وكان عروة ، يقول : من مس أنثييه فعليه الوضوء .

[ ص: 205 ] قال أبو عمر : النظر عندي في هذا الباب أن الوضوء لا يجب إلا على من مس ذكره ، أو فرجه قاصدا مفضيا ، وأما غير ذلك منه ، أو من غيره ، فلا يوجب الظاهر ، والأصل أن الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض إلا بإجماع ، أو سنة ثابتة غير محتملة للتأويل ، فلا عيب على القائل بقول الكوفيين ; لأن إيجابه عن الصحابة لهم فيه ما تقدم ذكره ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية