الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
553 [ ص: 273 ] حديث ثالث عشر لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرة ابنة عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة تقول .

وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول : إن الميت ليعذب ببكاء الحي ، فقالت عائشة : يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ، ولكنه نسي ، أو أخطأ ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها ، فقال : إنهم ليبكون عليها ، وإنها لتعذب في قبرها .

التالي السابق


هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة إلا القعنبي ، فإنه ليس عنده في الموطأ ، وهو عنده في الزيادات خارج الموطأ ، وهو حديث ثابت ، وليس في الموطأ لهذا الحديث غير هذا الإسناد ، وقد روى [ ص: 274 ] الوليد بن مسلم ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الميت يعذب ببكاء الحي عليه وهذا حديث غريب لا أعلم أحدا رواه عنه غير الوليد بن مسلم ، وليس فيه نكارة ; لأنه محفوظ من رواية عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر .

قال أبو عمر : اختلف الناس في معنى قوله - عليه السلام - : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال منهم قائلون : معناه أن يوصي بذلك الميت ، وقال آخرون : معناه يمدح في ذلك البكاء بما كان يمدح به أهل الجاهلية من الفتكات ، والغدرات ، وما أشبهها من الأفعال التي هي عند الله ذنوب فهم يبكون لفقدها ويمدحونه بها ، وهو يعذب من أجلها ، فكأنه قال : يعذب بما يبكى عليه به ، ومن أجله ، وقال آخرون : البكاء في هذا الحديث وما كان مثله معناه النياحة وشق الجيوب ، ولطم الخدود ونحو هذا ، مثل النياحة .

وأما بكاء العين فلا ، وذهبت عائشة إلى أن أحدا لا يعذب بفعل غيره ، وهو أمر مجتمع عليه لقول الله عز وجل : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة في ابنه : إنك لا تجني عليه ، ولا يجني عليك ، وقال الله [ ص: 275 ] عز وجل : ولا تكسب كل نفس إلا عليها ، ولكن قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر ، والمغيرة بن شعبة ، وغيرهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يعذب الميت بما نيح عليه ، وهذا محمول عند جماعة من أهل العلم على ما نذكره في الباب عنهم بعد ذكر الآثار في ذلك إن شاء الله .

فأما إنكار عائشة على ابن عمر ، فقد روي من وجوه ، منها ما رواه هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : إن الميت ليعذب ببكاء أهله .

وذكر ذلك لعائشة ، فقالت : وهل ابن عمر ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودي فقال : إن صاحب هذا القبر يعذب وأهله يبكون عليه .

وروى أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم قال : قالت عائشة : إنكم لتحدثون عن غير كاذبين عمر وابنه ، ولكن السمع يخطئ .

قال أبو عمر : ليس إنكار عائشة بشيء ، وقد وقف ابن عمر على مثل ما نزعت به عائشة ، فلم يرجع وثبت على ما سمع ، وهو الواجب كان عليه .

[ ص: 276 ] حدثنا يعيش بن سعيد ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن ابن سيرين قال : قال ابن عمر : إن المعول عليه يعذب ، فقال رجل : إن الله أضحك ، وأبكى ، ولا تزر وازرة وزر أخرى قال : فقال ابن عمر : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر : فهذا يبين لك أن ابن عمر قد أثبت ما حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ولم ينس ، ومن حفظ فهو حجة على من لم يحفظ ، وليس يسوغ عند جماعة أهل العلم الاعتراض على السنن بظاهر القرآن إذا كان لها مخرج ووجه صحيح ; لأن السنة مبينة للقرآن قاضية عليه غير مدافعة له ، قال الله عز وجل : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، وقد أبى جماعة من العلماء من نسخ السنة بالقرآن فيما يمكن فيه النسخ ، وقالوا : لو جاز ذلك لارتفع البيان ، وهذه مسألة من الأصول ليس هذا موضع ذكرها ، وقد روى مثل رواية ابن عمر هذه جماعة من الصحابة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، [ ص: 277 ] حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار أنه سمع ابن أبي مليكة ، يقول : حضرت جنازة أم أبان ، وفي الجنازة عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس فجلست بينهما فبكى النساء ، فقال ابن عمر : إن بكاء الحي على الميت عذاب للميت . قال : فقال ابن عباس : صدرنا مع عمر أمير المؤمنين حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب نزول تحت شجرة ، فقال : يا عبد الله اذهب ، فانظر من الركب ، ثم الحقني . فذهبت ، فقلت : هذا صهيب مولى ابن جدعان ، فقال : مره فليلحقني ، قال : فلما قدمنا المدينة لم يلبث عمر أن طعن فجاء صهيب ، وهو يقول : واأخياه واصاحباه ، فقال عمر : مه يا صهيب ، إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه ، فقال ابن عباس : فأتيت عائشة فسألتها ، فقالت : يرحم الله عمر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليزيد الكافر عذابا ببعض بكاء أهله عليه " ، وقد قضى الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى فهذا عمر قد روى في بكاء الحي على الميت مثل رواية ابنه سواء ، وهذا حديث ثابت عن عمر صحيح الإسناد لا مقال فيه لأحد ، وقد رواه عن ابن مليكة جماعة ، منهم : أيوب السختياني ، وغيره .

وروى شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن أبيه عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الميت يعذب في قبره بالنياحة .

[ ص: 278 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة أنه خرج يوما إلى المسجد ، والمغيرة بن شعبة أمير على الكوفة فخرج المغيرة إلى المسجد فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما هذا النوح في الإسلام ؟ قالوا : توفي رجل من الأنصار ، يقال : له قرظة بن كعب فنيح عليه ، فقال المغيرة : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من نيح عليه ، فإنه يعذب بما نيح عليه .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا الحسن بن سلام ، حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة ، قال : توفي رجل من الأنصار ، يقال : قرظة بن كعب فنيح عليه ، فخرج المغيرة بن شعبة ، فقال : ما هذا النوح في الإسلام ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نيح عليه يعذب بما نيح عليه .

وحدثنا يعيش بن سعيد ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أبي بردة الأشعري ، عن أبي موسى ، قال : إن الميت يعذب ما بكي عليه ، قال ، قلت : ما نيح عليه ؟ قال : ما بكي عليه ، قلت : ما نيح عليه ؟ قال : فما سكت حتى سكت .

[ ص: 279 ] وأخبرنا أحمد بن محمد ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا غندر ، عن شعبة ، قال : سمعت عبد الله بن صبيح ، قال : سمعت ابن سيرين ، قال : ذكروا عند عمران بن حصين الميت يعذب ببكاء الحي ، فقالوا : كيف يعذب ببكاء الحي ؟ ، فقال عمران : قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر : فهؤلاء جماعة من الصحابة قد قالوا كما قال ابن عمر ورووا مثل ما روى ابن عمر إلا أن في حديث عمر وحديث المغيرة بن شعبة النياح دون البكاء ، وهو أصح عند كل من خالف عائشة في هذا الباب من العلماء ، ولهم في ذلك قولان : أحدهما : أن طائفة من أهل العلم ذهبت إلى تصويب عائشة في إنكارها على ابن عمر ، منهم : الشافعي ، وغيره ، وهو عندي تحصيل مذهب مالك ; لأنه ذكر حديث عائشة في موطئه ، ولم يذكر خلافه عن أحد ، فأما الشافعي فذكر حديث عائشة من رواية مالك على ما تقدم ذكره في هذا الباب .

وذكر حديث عمر مع ابن عباس المذكور أيضا في هذا الباب ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، ثم قال الشافعي : وأرخص في البكاء على الميت ، ولا ندبة ، ولا نياحة لما في النياحة [ ص: 280 ] من تجديد الحزن ، ومنع الصبر ، وعظيم الإثم ، قال : وقال ابن عباس : الله أضحك وأبكى . قال الشافعي : فما روته عائشة وذهبت إليه أشبه بدلالة الكتاب ، ثم السنة ، قال الله عز وجل : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقال : لتجزى كل نفس بما تسعى ، وقال - عليه السلام - لرجل في ابنه : أما إنه لا يجني عليك ، ولا تجني عليه ، وما زيد في عذاب كافر فباستحبابه لا بذنب غيره ، وقال آخرون ، منهم : داود بن علي ، وأصحابه : ما روى عمر ، وابن عمر ، والمغيرة أولى من قول عائشة وروايتها ، قالوا : ولا يجوز أن تدفع رواية العدل بمثل هذا من الاعتراض ; لأن من روى وسمع وأثبت حجة على من نفى وجهل ، قالوا : وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النياحة نهيا مطلقا ، ولعن النائحة ، والمستمعة وحرم أجرة النائحة ، وقال : ليس منا من حلق ، ومن سلق ، ومن خرق ، وليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية .

قال أبو عمر : أما قوله : ليس منا من سلق فيتحمل معنيين . أحدهما لطم الخدود حتى تحمر وخدشها حتى تعلوها الحمرة ، والدم ، عن قول العرب سلقت الشيء بالماء الحار ، والآخر سلق بمعنى صاح وناح وأكثر القول والعويل بدعوى الجاهلية وشبهها من قولهم : سلقه بلسانه ، ولسان مسلق .

[ ص: 281 ] وأما الأحاديث التي ذكروها فحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الوارث ، عن أيوب ، عن حفصة ، عن أم عطية ، قالت : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا محمد بن ربيعة ، عن محمد بن الحسن بن عطية ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وحدثناه عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثني أبي ، قالا جميعا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن يزيد بن أوس ، قال : دخلت على أبي موسى الأشعري ، وهو ثقيل ، فذهبت امرأته لتبكي ، أو تهم به ، فقال لها أبو موسى : أما سمعت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : بلى ، فسكتت ، فلما مات أبو موسى لقيت المرأة ، فقلت [ ص: 282 ] لها ، فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من حلق ، ومن سلق ، ومن خرق .

وحدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا أبو معاوية ووكيع ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن زبيد الإيامي ، عن إبراهيم النخعي ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية .

حدثنا محمد بن عبد الملك ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : سمعت ابن عباس يقول : خلال من خلال الجاهلية الطعن في الأنساب ، والنياحة ونسي الثالثة ، قال سفيان : [ ص: 283 ] يقولون : إنها الاستسقاء بالأنواء فذكروا هذه الأحاديث ، ومثلها ، وقالوا : قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة وحرمها ، ولعن النائحة ، والمستمعة ، قالوا : وقد قال الله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ، وقال : وأمر أهلك بالصلاة فواجب على كل مسلم أن يعلم أهله ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم ويأمرهم به وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم ويوقفهم عليه ويمنعهم منه ويعلمهم ذلك كله لقول الله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا قالوا : فإذا علم الرجل المسلم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النياحة على الميت ، والنهي عنها ، والتشديد فيها ، ولم ينه عن ذلك أهله ونيح عليه بعد ذلك ، فإنما يعذب بما نيح عليه ; لأنه لم يفعل ما أمر به من نهي أهله عن ذلك وأمره إياهم بالكف عنه ، وإذا كان ذلك كذلك ، فإنما يعذب بفعل نفسه وذنبه لا بذنب غيره ، وليس في ذلك ما يعارض قول الله عز وجل : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وكان ما رواه عمر ، وابن عمر ، والمغيرة ، وغيرهم - صحيح المعنى غير مدفوع ، وبالله التوفيق .

وقال المزني : بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليهم ، أو بالنياحة ، أو بهما ، وهي معصية ، ومن أمر بها فعملت بعده كانت له ذنبا فيجوز أن يزاد بذنبه عذابا - كما قال الشافعي - لا بذنب غيره .

[ ص: 284 ] قال أبو عمر :

أما البكاء بغير نياح فلا بأس به عند جماعة العلماء وكلهم يكرهون النياحة ورفع الصوت بالبكاء ، والصراخ ، والفرق في ذلك عندهم بين ، بين ذلك ما مضى في هذا الباب من الآثار في النياحة ، ولطم الخدود وشق الجيوب مع قوله صلى الله عليه وسلم إذ بكى على ابنه : تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب رواه ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وروى عبد الرحمن بن عوف أنه قال له حينئذ : أتبكي يا رسول الله ، وأنت تنهى عن البكاء ، فقال : إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت لهو ولعب ومزامير الشيطان عند نعمة ، وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ، وهذا رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه وعد صدق وقول حق ، وأن أخرانا يلحق أولانا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب رواه ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن عوف ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وروى أبو عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد نحو هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير [ ص: 285 ] ابنه إبراهيم أظنه ابن بعض بناته أتي به ونفسه تقعقع فجعله في حجره ودمعت عيناه وفاضت ، فقال له سعد : ما هذا ؟ فقال : إنها رحمة يضعها الله في قلب من يشاء ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فبكت امرأة فصاح بها عمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعها يا عمر ، فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب رواه هشام بن عروة ، عن وهب بن كيسان ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سلمة بن الأزرق ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي حديث جابر بن عتيك ما يدل على أن الرخصة في البكاء إنما هي قبل أن تفيض النفس ، فإذا فاضت ، ومات . . . لقوله صلى الله عليه وسلم فيه : دعوهن ما دام عندهن ، فإذا وجب فلا تبكين باكية وسنذكر هذا الحديث في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله ، وهذه الأحاديث كلها تدل على أن البكاء غير النياحة ، وأن النهي إنما جاء في النياحة لا في بكاء العين ، وبالله العصمة والتوفيق لا شريك له .




الخدمات العلمية