الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
249 [ ص: 165 ] حديث تاسع لجعفر بن محمد مرسل

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين يوم الجمعة وجلس بينهما .

التالي السابق


هكذا رواه جماعة رواة الموطأ مرسلا ، وهو يتصل من وجوه ثابتة من غير حديث مالك . واختلف الفقهاء في الجلوس بين الخطبتين : هل هو فرض أم سنة ؟ ، فقال مالك وأصحابه والعراقيون وسائر فقهاء الأمصار ، إلا الشافعي : الجلوس بين الخطبتين سنة ، فإن لم يجلس بينهما ، فلا شيء عليه .

وقال الشافعي : هو فرض ، وإن لم يجلس بينهما صلى ظهرا أربعا ، واختلفوا أيضا في الخطبة : هل هي من فروض صلاة الجمعة أم لا ؟ وقد جاء فيها أيضا عن أصحابنا أقاويل مضطربة .

والخطبة عندنا في الجمعة فرض ، وهو مذهب ابن القاسم . والحجة في ذلك أنها من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجمل الخطاب في صلاة يوم الجمعة ، قال الله تبارك وتعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة بفعله كيف هي وأي وقت هي .

وبيانه لذلك فرض كسائر بيانه لمجملات الكتاب في الصلوات وركوعها وسجودها وأوقاتها ، وفي الزكوات ومقاديرها وغير ذلك مما يطول ذكره .

وقد استدل بعض أصحابنا على وجوب الخطبة بقول الله عز وجل وتركوك قائما ; لأنه عاتب بذلك الذين تركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب يوم الجمعة وانفضوا إلى التجارة التي قدمت العيس بها في تلك [ ص: 166 ] الساعة ، وعابهم لذلك ، ولا يعاب إلا على ترك الواجب ، وما قدمناه من قول في وجوبها لازم أيضا قاطع ، وبالله التوفيق .

وكل ما وقع عليه اسم خطبة من كلام مؤلف يكون فيه ثناء على الله وصلاة على رسول الله وشيء من القرآن يجزئ ، ولا يجزئ عندي إلا أقل ما يقع عليه اسم خطبة .

وأما تكبيرة واحدة ، أو تسبيحة ، أو تهليلة كما قال أبو حنيفة فلا ، وقد ذكر ابن عبد الحكم في هذا شيئا لم أر لذكره وجها لما قدمنا ذكره من صحيح القول عندنا ، وبالله التوفيق .

وأما الأثر المتصل في معنى حديث مالك فأخبرنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا محمد بن كثير العبدي قال : حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بين الخطبتين .

قال علي : وحدثنا بشر بن المفضل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب بخطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا موسى بن معاوية قال : حدثنا وكيع عن الثوري عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ، ويجلس بين الخطبتين ، وكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا ، وكان يتلو في خطبته آيات القرآن .




الخدمات العلمية