الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5369 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن " ، قال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : "حب الدنيا وكراهية الموت " . رواه أبو داود ، والبيهقي في ( دلائل النبوة ) .

التالي السابق


5369 - ( وعن ثوبان ) : وهو مولى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " يوشك الأمم ) أي : يقرب فرق الكفر والضلالة ( " أن تداعى " ) : حذف إحدى التاءين ، أي : تتداعى ( عليكم ) :

[ ص: 3366 ] بأن يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال ( كما تداعى ) أي : تتداعى ( الأكلة ) بالمد ، وهي الرواية على نعت الفئة والجماعة أو نحو ذلك ، كذا روى لنا عن كتاب أبي داود ، وهذا الحديث من أفراده ، ذكره الطيبي - رحمه الله - . ولو روي الأكلة بفتحتين على أنه جمع آكل اسم فاعل لكان له وجه وجيه ، والمعنى : كما يدعو أكلة الطعام بعضهم بعضا ( إلى قصعتها ) أي : التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع ، فيأكلونها عفوا صفوا ، كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم ، أو ضرر يلحقهم ، أو بأس يمنعهم .

( فقال قائل : ومن قلة ) : خبر مبتدأ محذوف ، وقوله : ( نحن يومئذ ) : مبتدأ وخبر صفة لها ، أي : أذلك التداعي لأجل قلة نحن عليها يومئذ ( قال : " بل أنتم يومئذ كثرة " ) أي : عددا وقليل مددا ، وهذا معنى الاستدراك بقوله : ( " ولكنكم غثاء " ) بالضم ممدودا .

قال الطيبي - رحمه الله - : ( " كغثاء السيل " ) : قال الطيبي بالتشديد أيضا ما يحمله السيل من زبد ووسخ ، شبههم به لقلة شجاعتهم ، ودناءة قدرهم ، وخفة أحلامهم ، وخلاصته : ولكنكم تكونون متفرقين ، ضعيفي الحال ، خفيفي البال ، مشتتي الآمال ، ثم ذكر سببه بعطف البيان فقال : ( ولينزعن ) أي : ليخرجن ( الله من صدور عدوكم المهابة ) أي : الخوف والرعب ( منكم ) أي : من جهتكم ( " وليقذفن " ) بضم الياء أي : وليرمين أي : الله ( " في قلوبكم الوهن " ) أي : الضعف ، وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه ; ولذلك فسره بحب الدنيا وكراهة الموت حيث قال : ( قال قائل : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما الوهن ) ؟ أي ما سببه وما موجبه ؟ قال الطيبي - رحمه الله - : سؤال عن نوع الوهن ، أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن ( قال : " حب الدنيا وكراهة الموت " ) وهما متلازمان فكأنهما شيء واحد ، يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين ، ونسأل الله العافية فقد ابتلينا بذلك ، فكأنما نحن الميتون بما ذكر هنالك . ( رواه أبو داود ) ، أي في سننه ( والبيهقي في " دلائل النبوة " ) .




الخدمات العلمية