الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5482 - وعن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - قالت : سمعت منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي : الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ، فقال : " ليلزم كل إنسان مصلاه . ثم قال : هل تدرون لم جمعتكم ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا ، فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال ، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام ، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ، فأرفئوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس ، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر ، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، قالوا : ويلك ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، قالوا : وما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ، قال : لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا ، وأشده وثاقا ، مجموعة يداه إلى عنقه ، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد . قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبري ; فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ، ركبنا في سفينة بحرية ، فلعب بنا البحر شهرا ، فدخلنا الجزيرة ، فلقيتنا دابة أهلب ، فقالت : أنا الجساسة اعمدوا إلى هذا في الدير ، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة ، فقال : أخبروني عن نخل بيسان قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل تثمر ؟ قلنا : نعم . قال : أما إنها توشك أن لا تثمر . قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قلنا : هي كثيرة الماء ، قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زغر . قالوا : وعن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل في العين ماء ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له : نعم ، هي كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من مائها ، قال : أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قلنا : قد خرج من مكة ونزل يثرب . قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم . قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه ، قال أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني : إني أنا المسيح الدجال وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج ، فأسير في الأرض ، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة ، غير مكة وطيبة ، هما محرمتان علي كلتاهما ، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده سيف صلتا يصدني عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته في المنبر : " وهذه طيبة ، هذه طيبة ، هذه طيبة " يعني المدينة ، " ألا هل كنت حدثتكم ؟ " فقال الناس : نعم ، فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ، ألا إنه في بحر الشام أو اليمن ، لا بل من قبل المشرق ما هو ، من قبل المشرق ما هو ، من قبل المشرق ما هو " وأومأ بيده إلى المشرق . رواه مسلم .

التالي السابق


5482 - ( وعن فاطمة بنت قيس ) أي القرشية ، أخت الضحاك ، كانت من المهاجرات الأول ، روى عنها نفر ، كانت ذات جمال وعقل وكمال ، وزوجها النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من أسامة بن زيد مولاه - رضي الله تعالى عنه - ( قالت : سمعت منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي ) : تحقيق إعرابه كما في القرآن : سمعنا مناديا ينادي للإيمان ، ( الصلاة ) : بنصبها ويرفع ، وكذا قوله ( جامعة ) ، قال النووي - رحمه الله : هو بنصب " الصلاة " و " جامعة " الأول على الإغراء ، والثاني على الحال . وقال التوربشتي - رحمه الله : وجه الرواية بالرفع أن يقدر هذه أي هذه الصلاة جامعة ، ويجوز أن ينصب جامعة على الحال ، ولما كان هذا القول للدعاء إليها والحث عليها كان النصب أجود وأشبه بالمعنى المراد منه انتهى .

فالتركيب ثلاثي كما لا يخفى . وقال شارح : هذه الجملة مفعول ينادي ; لأنه في معنى القول ، وهي في إعرابه على أربعة أوجه كما مر ، أي : في صلاة العيد ، وتوضيحه ما ذكره ابن الملك هنا ; حيث قال برفعهما ، مبتدأ وخبر ، ونصبهما على تقدير : احضروا الصلاة حال كونها جامعة ، وبرفع الأول على تقدير : هذه الصلاة ، ونصب الثاني على الحالية ، وبالعكس على تقدير : احضروا الصلاة وهي جامعة ، وهو ضعيف لإضمار حرف العطف ، وعلى جميع التقادير محل الجملة نصب ; لأنه مفعول ينادي حكاية ; لكونه في معنى القول .

( فخرجت إلى المسجد ) : ولعل خروجها قبل النهي ، أو كان في الليل ، أو لهن رخصة في حضور الصلاة الجامعة ; قياسا على صلاة العيد ، ( فصليت مع رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ) أي : صلاة نافلة أو إحدى الصلوات الخمس ، ( فلما قضى صلاته ) أي : أداها وفرغ عنها ( جلس على المنبر وهو يضحك ) أي : يتبسم ضاحكا على عادته الشريفة ، ( " فقال : " ليلزم " ) : بفتح الزاي أو ليلتزم ( " كل إنسان مصلاه " ) أي : موضع صلاته ، فلا يتغير ولا يتقدم ولا يتأخر ، ( " ثم قال : " هل تدرون لم جمعتكم " ) ؟ أي بنداء " الصلاة جامعة " ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال " إني والله ما جمعتكم لرغبة " ) أي : لأمر مرغوب فيه من عطاء كغنيمة ( ولا رهبة ) أي : ولا لخوف من عدو ( " ولكن جمعتكم لأن تميما الداري ) : وهو منسوب إلى جد له اسمه الدار . وفي نسخة صحيحة تميم الداري ، والأول هو الصحيح . قال الطيبي - رحمه الله : كذا هو في جامع الأصول وأكثر نسخ المصابيح ، وتميم الداري من غير تنوين في كتاب الحميدي ، وفي بعض نسخ المصابيح ، وفي مسلم : لأن تميم الداري ( " كان رجلا نصرانيا ، فجاء وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي " ) أي : طابق الحديث الذي ( " كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال " ) ، فهذا كما في حديث : رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " . وفيه إشعار أن كثرة الرواة لها دخل في قوة الإسناد ; ولهذا قال على سبيل الاستشهاد وطريق الاعتضاد ( " حدثني " ) : فهو من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر ، وفيه إيماء إلى الرد على الجاهل المكابر ، حتى يتكبر عن أخذ العلم من أهل الخمول والأصاغر ، وقد قال تعالى : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ، وقال - صلى الله تعالى عليه وسلم : " كلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها " ومن كلام علي - كرم الله وجهه : انظر إلى ما قال ، ولا تنظر إلى من قال . والمعنى : أن تميما حكى لي ( " أنه ركب في سفينة بحرية " ) أي : لا برية [ ص: 3472 ] احترازا عن الإبل ، فإنه يسمى سفينة البر ، وقيل : أي مركبا كبيرا بحريا لا زورقا صغيرا نهريا ( " مع ثلاثين رجلا من لخم " ) : بفتح لام وسكون خاء معجمة مصروف ، وقد لا يصرف ، قبيلة معروفة ، وكذا قوله : ( " وجذام " ) : بضم الجيم ( " فلعب " ) أي دار ( " بهم الموج شهرا " ) أي : مقدار شهر ( " في البحر " ) ، واللعب في الأصل ما لا فائدة فيه من فعل أو قول ، فاستعير لصد الأمواج السفن عن صوب المقصد وتحويلها يمينا وشمالا ( " فأرفئوا ) : بهمزتين أي قربوا السفينة ( " إلى جزيرة حين تغرب الشمس " ) ، في شرح التوربشتي : قال الأصمعي : أرفأت السفينة أرفئها إرفاء ، وبعضهم يقول : أرفيها بالياء على الإبدال ، وهذا مرفأ السفن أي : الموضع الذي تشد إليه وتوقف عنده . ( " فجلسوا " ) أي : بعد ما تحولوا من المركب الكبير ( " في أقرب السفينة " ) ، بفتح الهمزة وضم الراء جمع قارب بكسر الراء ، وفتحه أشهر وأكثر ، وحكي ضمها ، وهو جمع على غير قياس ، والقياس قوارب . قال النووي - رحمه الله : أقرب السفينة هو بضم الراء ، جمع قارب بكسر الراء وفتحها ، وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم . وفي النهاية : أما أقرب فلعله جمع قارب ، فليس بمعروف في جمع فاعل أفعل ، وقد أشار الحميدي في غريبه إلى إنكار ذلك . وقال الخطابي : إنه جمع على غير قياس . ( " فدخلوا في الجزيرة " ) : اللام للعهد أي : في الجزيرة التي هناك ( " فلقيتهم " ) أي : فرأتهم ( " دابة أهلب " ) : الهلب الشعر ، وقيل : ما غلظ من الشعر ، وقيل : ما كثر من شعر الذنب ، وإنما ذكر لأن الدابة يطلق على الذكر والأنثى ; لقوله تعالى : وما من دابة في الأرض ، كذا قالوا ، والأظهر أنه بتأويل الحيوان ; ولذا قال : ( " كثير الشعر " ) : وهو تفسير لما قبله وعطف بيان ، ثم بينه زيادة تبيان ; حيث قال استئنافا : ( " لا يدرون " ) أي : لا يعرف الناس الحاضرون ( " ما قبله من دبره " ) : بضمتين فيهما . قال الطيبي - رحمه الله : ما استفهامية ، ويدرون بمعنى يعلمون لمجيء الاستفهام تعليقا ، ولا بد من تقدير مضاف بعد حرف الاستفهام ، أي : ما نسبة قبله من دبره ؟ ( " من كثرة الشعر " ) أي : من أجلها وبسببها ( " قالوا : ويلك ما أنت " ) ؟ خاطبوها مخاطبة المتعجب المتفجع ، ( " قالت : أنا الجساسة " ) : قال النووي - رحمه الله : هي بفتح الجيم فتشديد المهملة الأولى ، قيل : سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال ، وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن ، ( " انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير " ) : بفتح الدال وسكون التحتية أي دير النصارى ، ففي المغرب الدير صومعة الراهب ، والمراد هنا القصر كما سيأتي ، والجار والمجرور حال ، والعامل فيه اسم الإشارة أو حرف التنبيه ، ( فإنه ) أي : الرجل الذي في الدير ( " إلى خبركم " ) : متعلق بقوله : ( " بالأشواق ) : بفتح الهمزة جمع شوق أي : كثير الشوق وعظيم الاشتياق ، والباء للإلصاق . قال التوربشتي - رحمه الله : أي شديد نزاع النفس إلى ما عندكم من الخبر ، حتى كأن الأشواق ملصقة به أو كأنه مهتم بها .

( " قال " ) أي : تميم ( " لما سمت " ) أي : ذكرت ووصفت ( " لنا رجلا فرقنا " ) : بكسر الراء أي : خفنا ( " منها " ) أي : من الدابة ( " أن تكون شيطانة " ) أي : كراهة أن تكون شيطانة ، وأن يكون الرجل شيطانا متعلقا بها . وقال الطيبي - رحمه الله : أن تكون شيطانة بدل من الضمير المجرور ، ( " قال " ) أي : تميم ( " فانطلقنا سراعا " ) أي : حال كوننا مسرعين ( " حتى دخلنا الدير " ) ، قال شارح : دير النصارى وأصله الواو انتهى .

[ ص: 3473 ] والمعنى أن أصله دار بالألف المبدلة من الواو ، ومأخوذا من الدور لكونه مدورا ، أو يدار فيها ، أو مدار المعيشة والمبيت إليه ثم أبدلت الألف ياء للفرق ، ومراده بقوله : دير النصارى أنه مثله ، أو في الأصل يطلق عليه ، وقد يطلق على بيت الخمر ، ( " فإذا فيه أعظم إنسان " ) أي : أكبره جهة أو أهيبه هيئة ( " رأيناه " ) : صفة إنسان احتراز عمن لم يروه ، ولما كان هذا الكلام في معنى ما رأينا مثله صح قوله : ( " قط " ) الذي يختص بنفي الماضي ، وهو بفتح القاف وتشديد الطاء المضمومة في أفصح اللغات ، وقد تكسر ، وقد يتبع قافه طاءه في الضم ، وقد تخفف طاؤه مع ضمها وإسكانها على ما في المغني ، ووقع في نسخة : ما رأيناه قط ، وقوله : ( " خلقا " ) تمييز أعظم ، ( " وأشده " ) أي : أقوى إنسان ( " وثاقا " ) : بفتح الواو ويكسر ، أي : قيدا من السلاسل والأغلال على ما سيأتي ، هذا وذكر الأشرف أن ضمير المفعول راجع إلى الأعظم أي : ما رأيناه قط ، أعظم إنسان خلقا ، وخلقا نصب على التمييز من " أعظم إنسان " . وقال الطيبي - رحمه الله : ويحتمل أن يقدر مضاف ، أي : ما رأينا مثل ذلك الأعظم ، وأشد : مرفوع عطف على الأعظم ، هذا وإن لفظة : " ما " ليست في صحيح مسلم ، ولا في كتاب الحميدي ، ولا في جامع الأصول ، ولا في أكثر نسخ المصابيح ، ولعل من زادها نظر إلى لفظة قط ; حيث يكون في الماضي المنفي ، فالوجه أو يكون مراده كما جاء في قول القائل :

لله يبقى على الأيام ذو حيد

( " مجموعة " ) : بالنصب وفي نسخة بالرفع أي مضمومة ( " يده إلى عنقه " ) ، وقوله : ( " ما بين ركبتيه إلى كعبيه " ) ، لما كان ظاهره أن يؤتى بالواو في أوله ; ليكون المعنى : ومجموعة ساقاه عليه ، ويكون قوله : بالحديد قيدا لهما . قال الطيبي - رحمه الله : " ما " موصولة مرفوعة المحل المعني ( " بالحديد " ) ، وحذف مجموعة في الثاني لدلالة الأولى عليه ( " قلنا : ويلك ما أنت " ) ؟ استغربوه فأوردوا " ما " مكان " من " ويمكن أن يكون السؤال عن وصفه وحاله ، إذ قد علموا أنه رجل ، وقد يجيء " ما " بمعنى " من " كما حقق في قوله تعالى : والسماء وما بناها ، أو روعي مشاكلة ما قبلها . وقال الطيبي - رحمه الله : كأنهم لما رأوا خلقا عجيبا خارجا عما عهدوه خفي عليهم حاله ; فقالوا : ما أنت مكان من أنت . ( قال : قد قدرتم " ) أي : تمكنتم ( " على خبري ) ، أي : فإني لا أخفيه عنكم فأحدث لكم عن حالي ( فأخبروني ) أي : عن حالكم وما أسأله عنكم أولا ، وهذا معنى قوله : ( " ما أنتم ) ؟ حيث لم يقل : من أنتم ، ويمكن أن يكون طباقا لقولهم جزاء لفعلهم . قال الطيبي - رحمه الله : ومثل ما قالوا له : ما أنت ؟ قال لهم : ما أنتم ؟ لأنه ما عهد أن إنسانا يطرق ذلك المكان . وقال ابن الملك : أي من أنتم ، أو ما حالكم ؟ ( " قالوا " ) : فيه التفات من التكلم إلى الغيبة ، ذكره ابن الملك - رحمه الله - ويمكن أن يكون التقدير ، قال بعضنا ، ففيه تغليب للغائبين على الحاضرين . ( " نحن أناس من العرب ، ركبنا في سفينة بحرية ، فلعب بنا البحر شهرا ، فدخلنا الجزيرة ، فلقيتنا دابة أهلب ، فقالت : أنا الجساسة اعمدوا " ) : بكسر الميم أي : اقصدوا ( " إلى هذا " ) أي : الرجل ( " في الدير " ) أي : القصر الكبير ( فأقبلنا إليك سراعا [ وفزعا منها ] ، فقال : أخبروني عن [ ص: 3474 ] نخل بيسان " ) : [ قلنا عن أي شيء تستخبر قال : أسألكم عن نخلها ] : بفتح موحدة وسكون تحتية ، وهي قرية بالشام ، ذكره الطيبي - رحمه الله - قريبة من الأردن ، ذكره ابن الملك - رحمه الله - وفي القاموس : قرية بالشام ، وقرية بمرو ، وموضع اليمامة ، وفي نسخة بنون بدل الموحدة ، لكن ما وجدت له أصلا في اللغة يناسب المقام ، وإنما ذكره في القاموس وقال : نيسان سابع الأشهر الرومة .

( " هل تثمر " ) ؟ أي تلك النخل ، ( " قلنا : نعم . قال : أما " ) : بالتخفيف للتنبيه ( " إنها توشك " ) : أي تقرب ( " أن لا تثمر . قال " ) أي : الرجل ( " أخبروني عن بحيرة الطبرية " ) : بفتحتين ، والبحيرة تصغير البحر ، وفي القاموس : الطبرية محركة قصبة بالأردن ، والنسبة إليها طبراني ، ( " هل فيها ماء ؟ قلنا : هي كثيرة الماء . قال : إن ماءها يوشك أن يذهب " ) أي : يفنى ( " قال : أخبروني عن عين زغر " ) : بزاي فغين معجمتين فراء كزفر ، بلدة بالشام قليلة النبات ، قيل : عدم صرفه للتعريف والتأنيث ; لأنه في الأصل اسم امرأة ثم نقل ، يعني ليس تأنيثه باعتبار البلدة والبقعة ، فإنه يذكر مثله ويصرف باعتبار البلد والمكان ، وقد قال شارح : هو موضع بالشام . وقال النووي - رحمه الله : هي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام ( " هل في العين " ) أي : في عينه ، أو تلك العين فاللام للعوض عن المضاف إليه أو للعهد ( " ماء " ) ؟ أي كثير لقوله : ( " وهل يزرع أهله " ) : أهل تلك العين أو البلدة وهي الأظهر لقوله : ( " بماء العين ؟ قلنا : نعم ، هي كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من مائها " ) ، الظاهر أن جوابه على طبق ما سبق ، وهو إما أنها يوشك أن لا يبقى فيها ماء يزرع به أهلها ، وفي الأسئلة المذكورة وأجوبتها المسطورة إشارة إلى أنها علامات لخروجه وأمارات لذهاب بركتها بشآمة ظهوره ووصله ، ولما كانت هذه الأسئلة توطئة لما بعدها ( " قال " ) أي : الدجال معرضا عن الجواب الثاني ، وبادر إلى السؤال المقصود وهو ظهور محمد المحمود ( " أخبروني عن نبي الأميين " ) أي : العرب ( " ما فعل " ) ؟ بفتحتين أي : ما صنع بعدما بعث . قال ابن الملك في شرح المشارق : أراد الدجال بالأميين العرب ; لأنهم لا يكتبون ولا يقرءون غالبا ، وإنما أضاف نبينا محمدا - صلى الله تعالى عليه وسلم - إليهم طعنا عليه بأنه مبعوث إليهم خاصة ، كما زعم بعض اليهود ، أو بأنه غير مبعوث إلى ذوي الفطنة والكياسة والعقل والرياسة . ( " قلنا : قد خرج من مكة ونزل بيثرب " ) : أي هاجر منها إلى المدينة ، ( " قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم . قال : كيف صنع بهم فأخبرناه أنه قد ظهر " ) أي : غلب وظفر ( " على من يليه " ) أي : يقربه ( " من العرب ، وأطاعوه قال أما إن ذلك خير لهم " ) . قال الطيبي - رحمه الله : المشار إليه ما يفهم من قوله : وأطاعوه ، وقوله : ( " أن يطيعوه " ) جاء لمزيد البيان ، ويجوز أن يكون المشار إليه رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وخير : إما خبر مسند إلى أن يطيعوه ، وعلى هذا لا يكون بمعنى التفضيل ، أو يكون أن يطيعوه مبتدأ ، وخير : خبره مقدما عليه ، والجملة خبر إن .

قال التوربشتي - رحمه الله : فإن قيل : يشبه هذا القول قول من عرف الحق ، والمخذول من البعد من الله بمكان لم ير له فيه مساهم ، فما وجه قوله هذا ؟ قلنا : يحتمل أنه أراد به الخير في الدنيا أي : طاعتهم له خير لهم ، فإنهم [ ص: 3475 ] إن خالفوه اجتاحهم واستأصلهم ، ويحتمل أنه من باب الصرفة ، صرفه الله تعالى عن الطعن فيه والتكبر عليه ، وتفوه بما ذكر عنه كالمغلوب عليه والمأخوذ عليه ، فلا يستطيع أن يتكلم بغيره تأييدا لنبيه - صلى الله عليه وسلم .

والفضل ما شهدت به الأعداء

( " وإني مخبركم عني : إني " ) : بكسر الهمزة وفتحه ( " أنا المسيح " ) أي : الدجال .

( " وإني " ) : بالوجهين ( " يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج ، فأسير في الأرض ، فلا أدع " ) : بالنصب في الثلاثة ، وجوز رفعها ، أي : فلا أترك ( " قرية إلا هبطتها أربعين ليلة " ) : ظرف لأسير ، وعدم الترك إشعار بقوة سياحته التي هي أحد وجوه تسميته بالمسيح ، على أن فعيل بمعنى الفاعل ، لكون سياحته مرورا كالمسيح ، ( " غير مكة " ) : استثناء من القرية التي وقعت نكرة في سياق النفي المنصب عليه الاستثناء المفيد للاستغراق ، ( " وطيبة " ) : عطف على مكة ، وهي بفتح طاء وسكون تحتية فموحدة من أسماء المدينة كطابة ، ( " هما " ) أي : مكة وطيبة ( " محرمتان علي " ) أي : ممنوعتان علي دخولهما ( " كلتاهما " ) : تأكيد لهما ، ثم بين سبب المنع بقوله ( " كلما أردت أن أدخل واحدا " ) أي : حرما واحدا ( " منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا " ) : بفتح الصاد ويضم أي مجردا عن الغمد . قال شارح : هو بالفتح والضم مصدر بمعنى الفاعل أو المفعول ، حال عن الملك أو السيف ، أي مصلتا أو مصلتا ، من قولهم : أصلت سيفه أي جرده من غلافه ، وقوله : ( " يصدني عنها " ) أي : يمنعني عن كل واحد منها ، استئناف بيان أو حال والضمير للملك ، أو السيف مجازا ، أو لله تعالى حقيقة ، وهو المذكور في اللسان ، والمحظور في الجنان ، فصح أن يكون مرجعا للضمير على وجه البيان ، كما حقق في قوله تعالى : قل هو الله أحد ، ( " وإن على كل نقب " ) : بفتح نون وسكون قاف أي طريق أو باب ( منها ) أي : من كل واحدة ( " ملائكة يحرسونها " ) أي : يحفظونها عن الآفات والبليات من غير ذلك الملك ، والظاهر أنه جبريل - عليه الصلاة والسلام - لما تقدم ، والله تعالى أعلم .

( قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وطعن ) أي : وقد طعن أي ضرب ( بمخصرته ) : بكسر الميم وفتح الصاد أي بعصاه ( في المنبر ) أي : عليه ففي بمعنى " على " كقوله تعالى : ولأصلبنكم في جذوع النخل ، أو في الطعن تضمن الإيقاع ؟ كقوله : يجرح في عراقيبها نصلي . وفي الفائق : هي قضيب يشير به الخطيب أو الملك إذا خاطب . وقال التوربشتي - رحمه الله : المخصرة كالسوط ، وكل ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوها ، فهو مخصرة . وقال شارح : المخصرة ما يمسكه الإنسان بيده من قضيب أو عصا ونحوهما ، فيضع تحت خاصرته ويتكئ عليها ، وقيل : هي كالسوط ، ( " هذه طيبة " ) الجملة مقول لقال ، وما بينهما حال معترضة بين الفاعل والمفعول ( " هذه طيبة ، هذه طيبه " ) : كررها ثلاثا للتأكيد ، ( يعني المدينة ) أي : يريد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بقوله : هذه - الموضوعة للإشارة المحسوسة - المدينة المحروسة . قال التوربشتي - رحمه الله : لما وافق هذا القول ما كان حدثهم به أعجبه ذلك وسر به ( فقال : " ألا " ) أي : تنبهوا ( " هل كنت حدثتكم " ) ؟ أي : بمثل هذا الحديث ومطابق لهذا الخبر ، ( فقال الناس : نعم ألا ) : للتنبيه ( " إنه " ) أي : الدجال ( " في بحر الشام أو بحر اليمن " ) : قيل : لما حدثهم بقول تميم الداري ، لم ير أن يبين لهم موطنه ومجلسه كل [ ص: 3476 ] التبيين ، لما رأى في الالتباس من المصلحة فرد الأمر فيه إلى التردد بين كونه في بحر الشام أو بحر اليمن ، ولم تكن العرب يومئذ تسافر إلا في هذين البحرين ، ويحتمل أنه أراد ببحر الشام ما يلي الجانب الشامي ، وببحر اليمن ما يلي الجانب اليماني ، والبحر واحد ، وهو الممتد على أحد جوانب جزيرة العرب ، ثم أضرب عن القولين مع حصول اليقين في أحدهما فقال : ( " لا بل من قبل المشرق ما هو " ) أي : هو ، وما : زائدة أو موصولة ، بمعنى الذي ، أي الجانب الذي هو فيه . قال القاضي - رحمه الله : لفظة " ما " هنا زائدة للكلام وليست بنافية ، والمراد إثبات أنه في جهة المشرق . قال التوربشتي - رحمه الله : ويحتمل أن يكون خبرا أي الذي هو فيه ، أو الذي هو يخرج منه . ( وأومأ ) : بهمزتين أي أشار ( بيده إلى المشرق ) ، قال الأشرف : يمكن أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان شاكا في موضعه وكان في ظنه أنه لا يخلو عن هذه المواضع الثلاثة ، فلما ذكر بحر الشام وبحر اليمن تيقن له من جهة الوحي ، أو غلب على ظنه أنه من قبل المشرق ، فنفى الأولين وأضرب عنهما ، وحقق الثالث . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية