الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6276 - وعن ابن حوالة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيصير الأمر أن تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق ، فقال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك ، فقال : عليكم بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده ، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله - عز وجل - توكل لي بالشام وأهله . رواه أحمد وأبو داود .

التالي السابق


6276 - ( وعن ابن حوالة ) : بفتح الحاء ولم يذكره المؤلف في أسمائه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سيصير الأمر " ) ، أي : أمر الإسلام أو أمر القتال ( " أن تكونوا جنودا " ) ، أي : عساكر ( " مجندة " ) ، بتشديد النون المفتوحة أي : مجموعة في كلمة الإسلام ، أو مختلفة في مراعاة الأحكام ( " جند بالشام ، وجند باليمن ، وجند بالعراق " ) ، أي : عراق العرب وهو البصرة والكوفة ، أو عراق العجم وهو ما وراءها دون خراسان وما وراء النهر . ( فقال ابن حوالة : خر لي ) : بكسر الخاء وسكون الراء أمر من الخيرة بمعنى الاختيار ، أي : اختر لي جندا ألزمه ( يا رسول الله إن أدركت ذلك ) ، أي : ذلك الوقت ( فقال : " عليك بالشام ، فإنها " ) أي : الشام ( خيرة ) : بكسر الخاء وفتح التحتية ، وقد يسكن أي : مختارة ( الله من أرضه ) أي : من بلاده ففيها خير عباده . قال الطيبي : الخير بسكون الياء الاسم من خار ، وأما بالفتح فهي الاسم من قولك اختار ، ومحمد خيرة الله من خلقه بالفتح والسكون اهـ .

والمعنى اختارها الله من جميع الأرض للإقامة في آخر الزمان ( " يجتبي إليها خيرته " ) : بالنصب على ما في أكثر النسخ المعتمدة ، وفي نسخة بالرفع ثم من تبعيضية في قوله : ( " من عباده " ) قال شارح : يجتبي يفتعل من جبوت الشيء ، وجبيته : جمعته ، فالمعنى يجمع الله إلى أرض الشام المختارين من عباده ، ويجوز أن يكون يجتبي لازما أي : يجتمع إليها المختارون من عباده ، وقال السيد جمال الدين : خيرته مرفوع بأنه فاعل يجتبي إن كان من الاجتباء اللازم ، وهو بمعنى الاجتماع ، أو منصوب بأنه مفعول إن كان من الاجتباء المتعدي ، وهو بمعنى الاصطفاء والاختيار اهـ .

والمختار أنه من الثاني موافقة لما ورد في التنزيل : الله يجتبي إليه من يشاء ( " فأما إن أبيتم " ) ، أي : امتنعتم من القصد إلى الشام ( " فعليكم بيمنكم ، واسقوا " ) : بهمز الوصل ويجوز قطعه أي : أنفسكم ودوابكم ( " من غدركم " ) بضم معجمة وفتح مهملة أي : حياضكم ( " فإن الله توكل " ) ، أي : تكفل ( " لي " ) ، أي : لأجلي وإكراما لي في أمتي ، وقيل صوابه تكفل لي أي ضمن القيام ( بالشام ) ، أي : بأمر الشام وحفظ أهله . قال التوربشتي : قوله :

[ ص: 4042 ] فأما إن أبيتم هذا كلام معترض أدخله بين قوله : عليكم بالشام ، وبين قوله : واسقوا من غدركم ، أي : الزموا الشام واسقوا من غدركم ، فإن الله - عز وجل - قد تكفل لي بالشام وأهلها رخص لهم في النزول بأرض اليمن ، ثم عاد إلى ما بدئ منه ، وإنما أضاف اليمن إليهم لأنه خاطب به العرب ، واليمن من أرض العرب ، ومعنى قوله : واسقوا من غدركم ليسق كل واحد من غدره الذي يختص به ، والأجناد المجندة بالشام ، لا سيما أهل الثغور والنازلون في المروج من شأنهم أن يتخذ كل فرقة لنفسها غديرا تستنقع فيها الماء للشرب والتطهر وسقي الدواب ، فوصاهم بالسقي مما يختص بهم وترك المزاحمة فيما سواه ، والتغلب لئلا يكون سببا للاختلاف وتهييج الفتنة .

وقال الطيبي : كان قوله فأما إن أبيتم وارد على التأنيب والتغيير ، يعني أن الشام مختارة الله تعالى من أرضه ، فلا يختارها الله لخيرة الله من عباده ، فإن أبيتم أيتها العرب ما اختاره الله تعالى واخترتم بلادكم ومسقط رأسكم من البوادي ، فالزموا يمنكم واسقوا من غدرها ; لأنه أوفق لكم من مياه البوادي . ألا ترى كيف جمع الضميرين في القرينتين بعد إفراده في قوله : عليك بالشام ، فعلم من هذا أن الشام أولى بالاختيار واليمن عند الاضطرار ، والغدر جمع غدير وهو حفرة ينقع فيها الماء ، والعرب أكثر الناس اتخاذا لها ، ولذلك أضيفت إليهم . قال التوربشتي في سائر نسخ المصابيح : فإن الله قد توكل لي بالشام ، والصواب قد تكفل لي وهو سهو إما في أصل الكتاب أو من بعض رواة الحديث ، فنقل على ما وجد . قال القاضي : أراد بالتوكل التكفل فإن من توكل في شيء ، فقد تكفل بالقيام به ، والمعنى أن الله ضمن لي حفظها وحفظ أهلها من بأس الكفرة واستيلائهم بحيث يتخطفهم ويدمرهم بالكلية . ( رواه أحمد وأبو داود ) . قال الطيبي في مسند أحمد ، وجامع الأصول ، عن أبي داود كما في المصابيح ، وقوله : لي ليس بصلة توكل وصلته إما : على أو : الباء ولا يجوز الأول فتعين الثاني أي : توكل بالشام لأجلي ، وفي النهاية يقال : توكل بالأمر إذا ضمن القيام به .




الخدمات العلمية