الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

1072 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه ، أو مريض ; إن كان المريض ليمشي بين رجلين . حتى يأتي الصلاة وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى ، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه . وفي رواية قال : " من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما ; فليحافظ على هذه الصلوات الخمس ، حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد ; إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ، ورفعه بها درجة ، وحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف رواه مسلم .

التالي السابق


الفصل الثالث

1072 - ( عن عبد الله بن مسعود قال : لقد رأيتنا ) أي : معشر الصحابة ، قال الطيبي : قد تقرر أن اتحاد الفاعل والمفعول إنما يسوغ في أفعال القلوب ، وأنها من داخل المبتدأ والخبر ، والمفعول الثاني الذي هو بمنزلة الخبر محذوف هاهنا وسد قوله : ( وما يتخلف عن الصلاة ) أي : بالجماعة من غير عذر أو لوصف الدوام ، وهو حال مسده ، وتبعه ابن حجر ، ولكن في كون اتحاد الفاعل والمفعول هنا بحث ; إذ المراد بالفاعل المتكلم وحده ، وبالمفعول هو وغيره . ( إلا منافق ) : قال الشمني : ليس المراد بالمنافق هاهنا من يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، وإلا لكانت الجماعة فريضة ; لأن من يبطن الكفر كافر ، ولكان آخر الكلام مناقضا لأوله اهـ .

وفيه أن مراده أن النفاق سبب التخلف لا عكسه ، وأن الجماعة واجبة على الصحيح لا فريضة للدليل الظني ، وأن المناقضة غير ظاهرة . ( قد علم نفاقه ) : قال ابن حجر : إن قلت : كيف مع علم نفاقه يقر عليه ؟ قلت : لمصلحة أن لا يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه على أن الذي تدل عليه سيرهم أنهم كانوا لا يعلمون النفاق في أحد بعينه ، وإنما كانوا يظنونه ، فالعلم بمعنى الظن ، قال ابن الهمام : يعني أن وصف النفاق يتسبب عن التخلف لا إخبار أن الواقع أن التخلف لا يقع إلا من منافق ، فإن الإنسان قد يتخلف كسلا مع صحة الإسلام ، ويقين التوحيد ، وعدم النفاق ، وحديث ابن مسعود إنما يفيد أن الواقع إذ ذاك أن لا يقع التخلف إلا من منافق ، قال النووي : هذا دليل ظاهر على صحة ما سبق تأويله في الذين هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوتهم أنهم كانوا منافقين . ( أو مريض ) أي : مريض كامل في مرضه ( إن كان ) : إن مخففة من الثقيلة ( المريض ) أي : خفيف المرض أو قويه ، لكن لحرصه على تحصيل الثواب وهو الأظهر بدليل قوله : ( ليمشي بين رجلين ) أي : يتوكأ عليهما لشدة ما به [ ص: 842 ] قوة المرض وضعف البدن ( حتى يأتي الصلاة ، وقال ) أي : ابن مسعود ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى ) : بضم السين ، ويروى بفتحها ، والمعنى متقارب ، أي : طريق الهدى والصواب قاله الطيبي . ( وإن من سنن الهدى الصلاة ) أي : بالجماعة كما هو صريح السياق ( في المسجد الذي يؤذن فيه ) : لأنه لا يؤذن إلا لإمام فيه ، قال ابن حجر : كلاهما قيد غالبي ، أو شرط للأكمل لسقوط طلب الجماعة يفعلها في غير المسجد من المدارس وغيرها ، وفي غير المسجد الذي يؤذن فيه اهـ .

وقوله : في غير المسجد من المدارس فيه نظر ، حتى على القول بالكفاية في مذهبه . ( وفي رواية قال ) أي : ابن مسعود ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما ; ) أي : كاملا ( فليحافظ على هذه الصلوات الخمس ) أي : مع الجماعة ( حيث ينادى بهن ) : من المساجد ، ويوجد لهن إمام معين ، أو غير معين ، ( وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وإنهن ) أي : الصلوات الخمس بالجماعة ( من سنن الهدى ) : بل هي من أفضل العبادات للخبر الصحيح : " الصلاة خير موضوع " . ( ولو أنكم صليتم في بيوتكم ) : يعني : ولو جماعة ( كما يصلي هذا المتخلف ) قال الطيبي : تحقير للمتخلف وتبعيد من مظان الزلفى ( في بيته لتركتم سنة نبيكم ) وفي نسخة : سنن نبيكم ( ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ) : قال الطيبي : يدل على أن المراد بالسنة العزيمة ، قال ابن الهمام : وتسميتها سنة على ما في حديث ابن مسعود ، لا حجة فيه للقائلين بالسنية ; إذ لا تنافي الوجوب في خصوص ذلك الإطلاق ; لأن سنن الهدى أعم من الواجب لغة كصلاة العيد ، وقوله : لضللتم يعطي الوجوب ظاهرا ، وفي رواية لأبي داود عنه : لكفرتم . وقد روي مرفوعا عنه عليه الصلاة والسلام قال : " الجفاء كل الجفاء الكفر ، والنفاق من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه " . رواه أحمد ، والطبراني ، فيفيد الوعيد منه عليه السلام على ترك الجماعة في المسجد ، وقد تقدم أنه إنما يقال لهذا الواجب سنة لكونه ثبت بالسنة أي الحديث ، قال ابن الهمام : غير أن هذا الحديث يفيد تعليق الوجوب بسماع النداء ، ويتوقف الوعيد في حديث التحريق على كونه لترك الحضور دائما كما هو ظاهر قوله " لا يشهدون الصلاة " وقوله الآخر : يصلون في بيوتهم ليست بهم علة ، كما يعطه ظاهر إسناده بالمضارع في مثله نحو : بنو فلان يأكلون البر ، أي : عادتهم . ( وما من رجل يتطهر ) : بوضوء أو غسل ( فيحسن الطهور ) : بضم الطاء ، أي : يأتي بواجباته ومكملاته . ( ثم يعمد ) : بكسر الميم ، أي يتوجه ويقصد ( إلى مسجد ) وفي نسخة : المسجد ( من هذه المساجد ) أي : مساجد المسلمين ( إلا كتب الله له بكل خطوة ) : بفتح الخاء أو ضمها ( يخطوها حسنة ، ويرفعه بها درجة ) : وفي نسخة صحيحة : ورفعه ، وهو أنسب بالسابق واللاحق ( وحط ) أي : وضع ومحا ( عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا ) أي : نحن معاشر الصحابة أو جماعة المسلمين ( وما يتخلف عنها ) أي : عن صلاة الجماعة في المسجد ( إلا منافق معلوم النفاق ) أي : ظاهره ( ولقد كان الرجل ) أي : المريض ( يؤتى به ) : إلى الصلاة ( يهادى ) : بصيغة المجهول ، أي : يمشي ويتمايل ( بين الرجلين ) : معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله ، من تهادت المرأة في مشيتها : إذا تمايلت ( حتى يقام في الصف . رواه مسلم ) : قال ميرك : ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .

[ ص: 843 ]



الخدمات العلمية