الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
282 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط )

التالي السابق


282 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ألا أدلكم ) الهمزة للاستفهام ولا نافية وليس ألا للتنبيه بدليل قولهم بلى ، فقول ابن حجر : إنه حرف استفتاح غفلة منه ( على ما يمحو الله به الخطايا ) قال الطيبي : محو الخطايا كناية عن غفرانها ، ويحتمل المحو عن كتاب الحفظة دلالة على غفرانها ( ويرفع به الدرجات ؟ ) : أعلى المنازل في الجنات ( قالوا : بلى يا رسول الله ! ) : وفائدة السؤال والجواب أن يكون الكلام أوقع في النفس بحكم الإبهام والتبيين قال : ( إسباغ الوضوء ) : بضم الواو ، وقيل بالفتح أي تكميله وإتمامه باستيعاب المحل بالغسل وتطويل الغرة وتكرار الغسل ثلاثا ، وقيل : إسباغه ما لا يجوز الصلاة إلا به . كذا في زين العرب نقله السيد ، وهذا بعيد يأبى عنه لفظ الإسباغ ومعنى رفع الدرجات ، وأصل الوضوء من الوضاءة لأنه يحسن المتوضئ وفي النهاية أثبت سيبويه الوضوء والطهور والوقود بالفتح في المصادر وهي تقع على الاسم والمصدر ( على المكاره ) : جمع مكره بفتح الميم من الكره بمعنى المشقة والألم قيل : منها إعواز الماء والحاجة إلى طلبه أو ابتياعه بالثمن الغالي ، كذا ذكره الطيبي رحمه الله تعالى . وقيل : المراد حال ما يكره استعمال الماء كالتوضؤ بالماء البارد في الشتاء أو ألم الجسم ( وكثرة الخطا ) : جمع خطوة بضم الخاء وهي ما بين القدمين وكثرتها إما لبعد الدار أو على سبيل التكرار ( إلى المساجد ) : للصلاة وغيرها من العبادات ، ولا دلالة في الحديث على فضل الدار البعيدة عن المسجد على القريبة منه ، كما ذكره ابن حجر ، فإنه لا فضيلة للبعد في ذاته ، بل في تحمل المشقة المترتبة عليه ، ولذا لو كان للدار طريقان إلى المسجد ، ويأتي من الأبعد ليس له ثواب على قدر الزيادة ، وإنما رغب في الحديث على كثرة الخطا تسلية لمن بعد داره ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام : ( دياركم تكتب آثاركم ) لمن بعدت ديارهم عن مسجده ؛ فأرادوا القرب منه دليل على أنهم فهموا أن القرب منه أفضل لما يترتب عليه من معرفة الأوقات وعدم فوت الجمعة والجماعات ، فسلاهم عليه الصلاة والسلام بقوله : ( تكتب آثاركم ) يعني إن فاتكم بعض الفوائد يحصل لكم بعض العوائد ، والأمر بلزوم الديار لما يترتب من تغيير الدار كثير من الأكدار مع أنه قيل : إنما أمرهم بالاستمرار لئلا يخلو حول المدينة ويصير محل الإمكار ، ويؤيد ما قلنا عده عليه الصلاة والسلام من شؤم الدار بعدها من المسجد ( وانتظار الصلاة ) : أي : وقتها أو جماعتها ( بعد الصلاة ) : يعني إذا صلى بالجماعة أو منفردا ، ثم ينتظر صلاة أخرى ويعلق فكره بها بأن يجلس في المسجد أو في بيته ينتظرها ، أو يكون في شغله وقلبه معلق بها ( فذلكم الرباط ) بكسر الراء يقال : رابطت أي لازمت الثغر وهو أيضا اسم لما يربط به وسمي مكان المرابطة رباطا قال القاضي : إن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان على النفس وتقهر الهوى وتمنعها من قبول الوساوس فيغلب بها حزب الله جنود الشيطان ، وذلك هو الجهاد الأكبر .




الخدمات العلمية