الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4006 - وعن مجمع بن جارية رضي الله عنه ، قال : قسمت خيبر على أهل الحديبية ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس ، فأعطي الفارس سهمين ، والراجل سهما . رواه أبو داود . وقال : حديث ابن عمر أصح والعمل عليه ، وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال : " ثلاثمائة فارس ، وإنما كانوا مائتي فارس .

التالي السابق


4006 - ( وعن مجمع ) : بفتح الميم وفتح الجيم وتشديد الميم وكسرها ويجوز فتحها وبالعين المهملة ( ابن جارية ) ، بالجيم والتحتية . وفي بعض النسخ بالحاء والمثلثة وهو تصحيف ، أو ضعيف . قال المؤلف : هو مدني ، وكان أبوه منافقا من أهل مسجد الضرار ، وكان مجمع مستقيما ، وكان قارئا يقال : أخذ منه ابن مسعود نصف القرآن ، وروى عنه ابن أخيه عبد الرحمن بن زيد وغيره ، مات في آخر أيام معاوية . ( قال : قسمت خيبر ) أي : غنائمها وأراضيها . قال ابن الملك أي : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف أراضي خيبر ، وحفظ نصف أرضها لنفسه ، ولما عليه من أسباب أهله وأضيافه اهـ . وسبق تحقيقه في كلام ابن الهمام . ( على أهل الحديبية ) ، بالتخفيف ويشدد ( فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة [ ص: 2587 ] فيهم ثلاثمائة فارس ، فأعطي الفارس ) أي : صاحب الفرس مع فرسه ( سهمين ، والراجل ) بالألف أي : الماشي ( سهما ) والمعنى أعطى لكل مائة من الفوارس سهمين ، فبقي اثنا عشر سهما ، فيكون لكل مائة من الرجالة سهم ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ، ويريده ما روي عن ابن عمر أيضا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للراجل سهم وللفارس سهمان " . قال ابن الملك : وهذا مستقيم على قول من يقول : لكل فارس سهمان ; لأن الرجالة على هذه الرواية تكون ألفا ومائتين ، ولهم اثنا عشر سهما الكل مائة سهم وللفرسان ستة أسهم ، لكل مائة سهمان ، فالمجموع ثمانية عشر سهما ، وأما على قول من قال : للفارس ثلاثة أسهم ، فمشكل ; لأن سهام الفرسان تسعة ، وسهام الرجال اثنا عشر ، فالمجموع أحد وعشرون سهما . ( رواه أبو داود . وقال : حديث ابن عمر أصح ) : تقدم الجواب عنه في كلام ابن الهمام ، مع أن حديثهما متعارضان والأخذ بالأحوط وهو الأقل أولى ( والعمل ) : أن عند أكثر أهل العلم ( عليه ) أي : على حديث ابن عمر ( وأتى الوهم في حديث مجمع أنه ) أي : من أنه ( قال : ثلاثمائة فارس ، وإنما كانوا مائتي فارس ) . فعلى هذا كان نصيب الفرسان ستة ، ونصيب الرجالة ثلاثة عشر ، لما ذكر أن الجيش ألف وخمسمائة ، فصار المجموع تسعة عشر لا ثمانية عشر فإذا هذه القسمة تحتاج إلى تأويل ، فقيل : كان فيهم مائة عبد ولم يقسم لهم سهم ، إذ لا سهم للعبد ، بل يعطى رضخا كذا ذكره بعض الشراح من علمائنا ، وتبعه ابن الملك .

قال القاضي : هذا الحديث مشعر بأنه قسمها ثمانية عشر سهما ، فأعطى ستة أسهم منها الفرسان ، على أن يكون لكل مائة منهم سهمان ، وأعطى الباقي وهو اثنا عشر سهما الرجالة ، وهم كانوا ألفا ومائتين ، فيكون لكل مائة سهم ، فيكون للراجل سهم وللفارس سهمان ، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه ، ولم يساعده في ذلك أحد من مشاهير الأئمة حتى القاضي أبو يوسف ومحمد ; لأنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه ، فإنه حديث متفق على صحته مصرح بأنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم ، وليس في هذا الحديث ما يدل صريحا ، بل ظاهرا على أن للفارس سهمين ، فإن ما ذكرناه شيء يقتضي الحساب والتخمين ، مع أن أبا داود السجستاني هو الذي أورده في كتابه ، وأثبته في ديوانه وهو قال : وهذا وهم وإنما كانوا مائتي فارس ، فعلى هذا يكون مجموع الغانمين ألفا وأربعمائة نفر ، ويؤيد ذلك قوله : قسمت خيبر على أهل الحديبية ، وهم كانوا ألفا وأربعمائة على ما صح عن جابر ، والبراء بن عازب ، وسلمة بن الأكوع وغيرهم ، فيكون للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم على ما يقتضيه الحساب ، فأما ما روي عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للفارس سهمان وللراجل سهم " فلا يعارض ما رويناه ، فإنه يرويه أخوه عبيد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وهو أحفظ وأثبت باتفاق أهل الحديث كلهم ، ولذلك أثبته الشيخان في جامعيهما ، ورويا عنه ولم يلتفتا إلى رواية عبد الله اهـ . وقد أسمعناك فيما أسلفنا لك تحقيق هذا المرام في كلام ابن الهمام .

[ ص: 2588 ]



الخدمات العلمية