الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4208 - وعن سلمان - رضي الله عنه - قال : قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده " رواه الترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


4208 - ( وعن سلمان ) : أي الفارسي - رضي الله تعالى عنه - ( قال : قرأت في التوراة ) : أي قبل الإسلام ( أن بركة الطعام ) : بفتح أن ويجوز كسرها ( الوضوء ) : أي غسل اليدين والفم من الزهومة إطلاقا للكل على الجزء مجازا أو بناء على المعنى اللغوي والعرفي ( بعده ) : أي بعد أكل الطعام ( فذكرت ) : أي ذلك كما في نسخة ، وهو رواية الترمذي أي المقروء المذكور ( للنبي - صلى الله عليه وسلم - ) . وزاد الترمذي بقوله : " وأخبرته بما قرأت في التوراة " ، وهو عطف تفسيري ، ويمكن أن يكون المراد بقوله : فذكرت ، أي سألت هل بركة الطعام الوضوء بعده ، والحال أني أخبرته بما قرأته في التوراة من الاختصار على تقييد الوضوء بما بعده ، ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : بركة الطعام الوضوء قبله ) : تكريما له ( والوضوء بعده ) : إزالة لما لصق ، وهذا يحتمل [ ص: 2714 ] منه - صلى الله عليه وسلم - أن يكون إشارة إلى تحريف ما في التوراة ، وأن يكون إيماء إلى أن شريعته زادت الوضوء قبله أيضا استقبالا للنعمة بالطهارة المشعرة للتعظيم على ما ورد : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وبهذا يندفع ما قاله الطيبي من أن الجواب من أسلوب الحكيم ، قيل : والحكمة في الوضوء أولا أيضا أن الأكل بعد غسل اليدين يكون أهنأ وأمرأ ؟ ولأن اليد لا تخلو عن تلوث في تعاطي الأعمال ، فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة ، ولأن الأكل يقصد به الاستعانة على العبادة ، فهو جدير بأن يجري مجرى الطهارة من الصلاة . فيبدأ بغسل اليدين ، والمراد من الوضوء الثاني غسل اليدين والفم من الدسومات . قال - صلى الله عليه وسلم : ( من بات وفي يده غمر ) بفتحتين - و لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه " . أخرجه المؤلف في جامعه ، وابن ماجه في سننه ، وأبو داود بسند صحيح على شرط مسلم ، وورد بسند ضعيف : " من أكل من هذه اللحوم شيئا فليغسل يده من ريح وغيره ، ولا يؤذي من حذاه " .

قيل : ومعنى بركة الطعام من الوضوء قبله النمو والزيادة فيه نفسه ، وبعده النمو والزيادة في فوائدها وآثارها لأن يكون سببا لسكون النفس وقرارها ، وسببا للطاعات ، وتقوية للعبادات في الأخلاق المرضية ، والأفعال السنية ، وجعله معنى البركة للمبالغة ، وإلا فالمراد أنها تنشأ عنه ، وأغرب بعض الشافعية وقال : المراد بالوضوء هنا الوضوء الشرعي ، وهو خلاف ما صرح به أصحاب المذاهب من أن الوضوء الشرعي ليس بسنة عند الأكل . وقال بعض علمائنا من الشراح : الإتيان بالوضوء عند التناول والفراغ إنما يستحب في طعام تتلوث عنه اليد ويتولد منه الوضر ( رواه الترمذي ) . أي في جامعه وشمائله ( وأبو داود ) ، وقال الترمذي بعد إيراد الحديث في جامعه وفي الباب عن أنس وأبي هريرة وعائشة ، ثم قال : لا نعرف هذا الحديث - يعني حديث سلمان - إلا من حديث قيس بن الربيع وهو يضعف في الحديث . قال : وقال ابن المدني ، قال يحيى بن سعيد : كان سفيان الثوري يكره غسل اليدين قبل الطعام ، وكان يكره أن يوضع الرغيف تحت القصعة اهـ . كلام الترمذي . وقال الذهبي في الكاشف في ترجمة قيس بن الربيع : كان شعبة يثني عليه ، وقال ابن معين : ليس بشيء . وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، محله الصدق ، وقال ابن عدي : عامة رواياته مستقيمة اهـ . وقال العسقلاني في التقريب : صدوق تغير بالآخرة لما كبر ، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه . قلت : وهذا الحديث ليس من رواية ابنه ، بل من رواية عبد الله بن نمير عنه ، وفي طريق من رواية عبد الكريم الجرجاني عنه ، وقد روى الحديث أحمد وأبو داود والحاكم ، والطرق يقوي بعضها بعضا .




الخدمات العلمية