الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        154 - الحديث الثاني : عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ذات الرقاع ، صلاة الخوف { أن طائفة صفت معه ، وطائفة وجاه العدو ، فصلى بالذين معه ركعة ، ثم ثبت قائما ، وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا ، فصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلى بهم الركعة التي بقيت ، ثم ثبت جالسا ، وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم } .

                                        التالي السابق


                                        الرجل الذي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو سهل بن أبي حثمة

                                        هذا الحديث هو مختار الشافعي في صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة . ومقتضاه : أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية قائما في الثانية . وهذا في الصلاة المقصورة ، أو الثنائية في أصل الشرع . فأما الرباعية : فهل ينتظرها قائما في الثالثة ، أو قبل قيامه ؟ فيه اختلاف للفقهاء في مذهب مالك . وإذا قيل بأنه ينتظرها قبل قيامه ، فهل تفارقه الطائفة الأولى قبل تشهده بعد رفعه من السجود ، أو بعد التشهد ؟ اختلف الفقهاء فيه . وليس في الحديث دلالة لفظية على أحد المذهبين . وإنما يؤخذ بطريق الاستنباط منه . ومقتضى الحديث أيضا : أن الطائفة الأولى تتم لأنفسها ، مع بقاء صلاة الإمام . وفيه مخالفة للأصول في غير هذه الصلاة . لكن فيها ترجيح من جهة [ ص: 363 ] المعنى . لأنها إذا قضت وتوجهت إلى نحو العدو ، توجهت فارغة من الشغل بالصلاة . فيتوفر مقصود صلاة الخوف . وهو الحراسة على الصفة التي اختارها أبو حنيفة : بتوجه الطائفة للحراسة ، مع كونها في الصلاة ، فلا يتوفر المقصود من الحراسة . فربما أدى الحال إلى أن يقع في الصلاة الضرب والطعن وغير ذلك من منافيات الصلاة ، ولو وقع في هذه الصورة لكان خارج الصلاة . وليس بمحذور . ومقتضى الحديث أيضا : أن الطائفة الثانية تتم لأنفسها قبل فراغ الإمام . وفيه ما في الأول . ومقتضاه أيضا : أنه يثبت حتى تتم لأنفسها وتسلم . وهو اختيار الشافعي وقول في مذهب مالك . وظاهر مذهب مالك : أن الإمام يسلم ، وتقضي الطائفة الثانية بعد سلامه .

                                        وربما ادعى بعضهم : أن ظاهر القرآن يدل على أن الإمام ينتظرهم ليسلم بهم ، بناء على أنه فهم من قوله تعالى { فليصلوا معك } أي بقية الصلاة التي بقيت للإمام .

                                        فإذا سلم الإمام بهم فقد صلوا معه البقية وإذا سلم قبلهم فلم يصلوا معه البقية . لأن السلام من البقية . وليس بالقوي الظهور . وقد يتعلق بلفظ الراوي من يرى أن السلام ليس من الصلاة ، من حيث إنه قال " فصلى بهم الركعة التي بقيت " فجعلهم مصلين معه لما يسمى ركعة .

                                        ثم أتى بلفظة { ثم ثبت جالسا ، وأتموا لأنفسهم . ثم سلم بهم } فجعل مسمى " السلام " متراخيا عن مسمى " الركعة " إلا أنه ظاهر ضعيف .

                                        وأقوى منه في الدلالة : ما دل على أن السلام من الصلاة . والعمل بأقوى الدليلين متعين ، والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية