الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 860 ) [ ص: 346 ] حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ، ثنا أبي ، ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : " كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكنة مع أخيها العباس بن عبد المطلب ، فرأت رؤيا قبيل بدر ففزعت ، فأرسلت إلى أخيها عباس من ليلتها حين فزعت ، واستيقظت من نومها ، وقالت : رأيت رؤيا وقد خشيت منها على قومك الهلكة ، قال : وما رأيت ؟ قالت : لن أحدثك حتى تعاهدني أن لا تذكرها فإنهم إن سمعوها آذونا ، فأسمعونا ما لا نحب ، فعاهدها عباس فقالت : رأيت راكبا أقبل على راحلته من أعلى مكة يصيح بأعلى صوته : يا آل غدر ، ويا آل فجر ، اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، ثم دخل المسجد على راحلته فصرخ في المسجد ثلاث صرخات ، ومال إليه من الرجال والنساء والصبيان ، وفزع الناس له أشد الفزع ، ثم أراه على ظهر الكعبة على راحلته ، فصاح ثلاث صرخات : يا آل غدر ، ويا آل فجر ، اخرجوا في ليلتين أو ثلاث حتى أسمع من بين الأخشبين من أهل مكة ، ثم عمد لصخرة عظيمة فنزعها من أصلها ، ثم أرسلها على أهل مكة ، فأقبلت الصخرة لها دوي ، حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت ، فلا أعلم بمكة بيتا ولا دارا إلا قد دخلها فلقة من تلك الصخرة ، فلقد خشيت على قومك أن ينزل بهم شر ، ففزع منها عباس ، وخرج من عندها فلقي من آخر ليلته الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان خليلا للعباس ، فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره أن لا يذكرها لأحد ، فذكرها الوليد لأبيه ، وذكرها عتبة لأخيه شيبة ، وارتفع حديثها حتى بلغ أبا جهل بن هشام ، [ ص: 347 ] واستفاضت ، فلما أصبحوا غدا عباس يطوف بالبيت حين أصبح فوجد أبا جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، وأبا البختري في نفر يتحدثون ، فلما نظروا إلى عباس يطوف بالبيت ناداه أبو جهل : يا أبا الفضل إذا قضيت طوافك فائتنا ، فلما قضى طوافه أتى فجلس ، فقال أبو جهل : يا أبا الفضل ما رؤيا رأتها عاتكة ؟ قال : ما رأت من شيء ، قال : بلى ، أما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء ، إنا كنا وأنتم كفرسي رهان فاستبقنا المجد منذ حين ، فلما تحاذت الركب قلتم منا نبي ، فما بقي إلا تقولوا منا نبية ، لا أعلم في قريش أهل بيت أكذب رجلا ، ولا أكذب امرأة منكم ، فآذوه يومئذ أشد الأذى ، وقال أبو جهل : زعمت عاتكة أن الراكب قال : اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت لقريش كذبكم ، وكتبنا سجلا ثم علقناه بالكعبة أنكم أكذب بيت في العرب رجلا وامرأة ، أما رضيتم يا بني قصي أنكم ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية ، والرواء والرفادة حتى جئتمونا زعمتم بنبي منكم ، فآذوه يومئذ أشد الأذى ، وقال له عباس : مهلا يا مصفر استه ، هل أنت منته فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك ، وقال له من حضره : يا أبا الفضل ، ما كنت بجاهل ولا خرف ، ولقي عباس من عاتكة أذى شديدا فيما أفشى من حديثها ، فلما كان مساء ليلة الثالثة من الليالي ، التي رأت فيها عاتكة الرؤيا جاءهم الراكب الذي بعث أبو سفيان ، ضمضم بن عمرو الغفاري فقال : يا آل غالب ، انفروا فقد خرج محمد وأصحابه ليعترضوا لأبي سفيان فأحرزوا عيركم ، ففزعت قريش أشد الفزع ، وأشفقوا من رؤيا عاتكة ، ونفروا على كل صعب وذلول " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية