الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 615 ] الخامس : العلو بتقدم السماع ، ويدخل كثير منه فيما قبله ، ويمتاز بأن يسمع شخصان من شيخ ؛ وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا ، والآخر من أربعين ، وتساوى العدد إليهما فالأول أعلى .

        التالي السابق


        ( الخامس : العلو بتقدم السماع ) من الشيخ ، فمن سمع منه متقدما كان أعلى ممن سمع منه بعده .

        ( ويدخل كثير منه فيما قبله ويمتاز ) عنه ( بأن يسمع شخصان من شيخ ، وسماع أحدهما منذ ستين سنة مثلا ، والآخر من أربعين ) سنة ( وتساوى العدد إليهما فالأول أعلى ) من الثاني .

        ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف ، وربما كان المتأخر أرجح ، بأن يكون تحديثه الأول قبل أن يبلغ درجة الإتقان والضبط ، ثم حصل له ذلك بعد ، إلا أن هذا علو معنوي ، كما سيأتي .

        تنبيه

        جعل ابن طاهر [ ص: 616 ] وابن دقيق العيد هذا والذي قبله قسما واحدا ، وزاد العلو إلى صاحبي الصحيحين ، ومصنفي الكتب المشهورة .

        وجعله ابن طاهر اسمين :

        أحدهما : العلو إلى الشيخين ، وأبي داود ، وأبي حاتم ، ونحوهم .

        والآخر : العلو إلى كتب مصنفة لأقوام كابن أبي الدنيا والخطابي .

        ثم قال : واعلم أن كل حديث عسر على المحدث ولم يجده غالبا ، ولابد له من إيراده ، فمن أي وجه أورده فهو عال بعزته ، ومثل ذلك أن البخاري روى عن أماثل أصحاب مالك ، ثم روى حديثا لأبي إسحاق الفزاري ، عن مالك ، لمعنى فيه ؛ فكان فيه بينه وبين مالك ثلاثة رجال .

        نكتة

        وقع لنا حديث اجتمع فيه أقسام العلو :

        أخبرتني أم الفضل بنت محمد المقدسي ، بقراءتي عليها في ربيع الآخر سنة سبعين وثمانمائة ، أنا أبو إسحاق التنوخي سماعا ، وكانت وفاته سنة ثمانمائة ، عن إسماعيل بن يوسف القيسي ، وأبي روح بن عبد الرحمن المقدسي ، قالا : أنا أبو المنجي بن [ ص: 617 ] الليثي ؛ قال : الأول سنة ثلاث وستين وستمائة ، أنا أبو الوقت السجزي في شعبان سنة خمسمائة وثلاث وخمسين ، أنا أبو العاصم الفضيل بن يحيى الأنصاري في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، أخبرنا أبو محمد بن أبي شريح ، وكانت وفاته في صفر سنة اثنين وتسعين وثلاثمائة ، أنا عبد الله بن محمد المنيفي - يعني أبا القاسم البغوي - وكانت وفاته سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، ثنا علي بن الجعد الجوهري ، وكانت وفاته في رجب سنة ثلاثين ومائتين ، أنا شعبة بن الحجاج ومات سنة ستين ومائة ، وعلي بن الجعد آخر من روى عنه ; عن محمد بن المنكدر ، سمعت جابر بن عبد الله يقول : استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا ؟ ، فقلت : أنا ، فقال : أنا . . . أنا ! ! كأنه كرهه .

        هذا الحديث اجتمع فيه أنواع العلو ، أما العدد فبيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه اثنا عشر رجلا ثقات بالسماع المتصل ، وهو أعلى ما يقع من ذلك .

        وأما بالنسبة إلى بعض الأئمة فلأن شعبة بن الحجاج من كبار الأئمة الذين روى الأئمة الستة عن أصحابهم ، ولم يقع حديثه بعلو إلا في كتاب البخاري وأبي داود ، وبينهما وبينه في كثير من الأحاديث رجل واحد .

        وأما بقية الجماعة فأقل ما بينهم وبينه اثنان ، وهو متقدم الوفاة ، وبيني وبينه تسعة أنفس ، وهو نهاية العلو .

        وأما علوه بالنسبة إلى أئمة الكتب ، فقد أخرجه البخاري عن أبي الوليد عن شعبة ، فوقع لي بدلا عاليا كأني سمعته من أبي الحسن بن أبي المجد ، [ ص: 618 ] وأبي إسحاق التنوخي وغيرهما ، من شيوخ شيوخنا في الصحيح .

        ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن عبد الله بن إدريس ، وعن يحيى بن يحيى ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن وكيع ، وعن إسحاق بن إبراهيم عن النضر بن شميل ، وأبي عامر العقدي ، وعن محمد بن مثنى ، عن وهب بن جرير ، وعن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ، عن بهز بن أسد .

        وأبو داود عن مسدد عن بشر بن المفضل .

        والترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك .

        والنسائي عن حميد بن مسعدة ، عن بشر بن المفضل .

        وابن ماجه عن ابن أبي شيبة ، عن وكيع .

        كلهم عن شعبة .

        فوقع لي بدلا لهم عاليا بثلاث درجات ؛ فكأني سمعته من أبي إسحاق بن مضر راوي صحيح مسلم ، وكانت وفاته في رجب سنة أربع وستين وستمائة ، ومنه سمع النووي صحيح مسلم .

        ومن أبي الحسن بن المقير راوي سنن أبي داود ، وكانت وفاته سنة ثلاث وأربعين وستمائة . [ ص: 619 ] ومن أبي الحسن بن البخاري راوي الترمذي وكانت وفاته سنة تسعين وستمائة ، ومن إسماعيل بن أحمد العراقي راوي النسائي وكانت وفاته سنة تسعين وستمائة .

        ومن أبي السعادات راوي سنن ابن ماجه وكانت وفاته سنة ست وستمائة .




        الخدمات العلمية