الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 675 ] الثاني : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به .

        وأكثرهم حديثا أبو هريرة ، ثم ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وعائشة . وأكثرهم فتيا تروى : ابن عباس . وعن مسروق قال : انتهى علم الصحابة إلى ستة : عمر وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء وابن مسعود ، ثم انتهى علم الستة إلى علي وعبد الله .

        ومن الصحابة العبادلة وهم : ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وابن عمرو بن العاص ؛ وليس ابن مسعود منهم ؛ وكذا سائر من يسمى عبد الله ، وهم نحو مائتين وعشرين . قال أبو زرعة الرازي : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه .

        واختلف في عدد طبقاتهم ، وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة .

        التالي السابق


        ( الثاني : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به ) .

        قال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية ، أي عدولا .

        وقال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس ، والخطاب فيها للموجودين حينئذ .

        وقال صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، رواه الشيخان .

        قال إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم : أنهم حملة الشريعة ؛ فلو ثبت توقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصره صلى الله عليه وسلم ، ولما استرسلت على سائر الأعصار .

        وقيل : يجب البحث عن عدالتهم مطلقا .

        وقيل : بعد وقوع الفتن .

        وقالت المعتزلة : عدول إلا من قاتل عليا .

        وقيل : إذا انفرد .

        وقيل : إلا المقاتل والمقاتل .

        [ ص: 675 ] وهذا كله ليس بصواب ، إحسانا للظن بهم ، وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد المأجور فيه كل منهم .

        وقال المازري في شرح البرهان : لسنا نعني بقولنا : " الصحابة عدول " كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره لماما ، أو اجتمع به لغرض وانصرف ، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه .

        قال العلائي : وهذا قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة ، كوائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وعثمان بن أبي العاص وغيرهم ، ممن وفد عليه صلى الله عليه وسلم ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف ، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد ، ومن لم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل ، والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور وهو المعتبر .

        ( وأكثرهم حديثا أبو هريرة ) روى خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا .

        اتفق الشيخان منها على ثلاثمائة وخمسة وعشرين ، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين ، ومسلم بمائة وتسعة وثمانين .

        [ ص: 676 ] وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل ، وهو أحفظ الصحابة .

        قال الشافعي : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ، أسنده البيهقي في " المدخل " .

        وكان ابن عمر يترحم عليه في جنازته ويقول : كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن سعد .

        وفي الصحيح عنه قال : " قلت : يا رسول الله إني أسمع منك حديثا أنساه ، قال : ابسط رداءك فبسطته . فغرف بيديه ثم قال : ضمه ، فما نسيت شيئا بعد " .

        وفي " المستدرك " عن زيد بن ثابت قال : كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : ادعوا فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم دعا أبو هريرة فقال : " اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى " ؛ فأمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : ونحن يا رسول الله كذلك ، فقال : سبقكما الغلام الدوسي .

        ( ثم ) عبد الله ( ابن عمر ) روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين حديثا .

        ( وابن عباس ) روى ألفا وستمائة وستين حديثا .

        [ ص: 677 ] ( وجابر بن عبد الله ) روى ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا .

        ( وأنس بن مالك ) روى ألفين ومائتين وستا وثمانين حديثا .

        ( وعائشة ) أم المؤمنين روت ألفين ومائتين وعشرة .

        وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف غير هؤلاء إلا أبا سعيد الخدري ؛ فإنه روى ألفا ومائة وسبعين حديثا .

        فائدة

        السبب في قلة ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مع تقديمه وسبقه وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الحديث ، واعتناء الناس بسماعه وتحصيله وحفظه ، ذكره المصنف في تهذيبه .

        قال : وجملة ما روي له مائة حديث واثنان وأربعون حديثا .

        ( وأكثرهم فتيا تروى ) عنه ( ابن عباس ) ؛ قاله أحمد بن حنبل .

        ( وعن مسروق ) أنه ( قال : انتهى علم الصحابة إلى ستة : عمر ، وعلي ، [ ص: 678 ] وأبي ) ابن كعب ، ( وزيد ) ابن ثابت ، ( وأبي الدرداء ، وابن مسعود ، ثم انتهى علم الستة إلى علي وعبد الله ) ابن مسعود .

        وروى الشعبي عنه نحوه أيضا إلا أنه ذكر أبا موسى الأشعري بدل أبي الدرداء .

        وقد استشكل بأن أبا موسى وزيد بن ثابت تأخرت وفاتهما عن ابن مسعود وعلي ؛ فكيف انتهى علم الستة إلى ابن مسعود وعلي ؟ .

        قال العراقي : وقد يجاب بأن المراد ضما علمهم إلى علمهما ، وإن تأخرت وفاة من ذكر .

        وقال الشعبي : كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علم بعضهم بعضا ، وكان يقتبس بعضهم من بعض ، وكان علي والأشعري وأبي يشبه علم بعضهم بعضا ، وكان يقتبس بعضهم من بعض .

        وقال ابن حزم : أكثر الصحابة فتوى مطلقا سبعة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة .

        قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم .

        قال : ويليهم عشرون : أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمران بن [ ص: 679 ] حصين ، وأبو بكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وأم سلمة .

        قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير .

        قال : وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا يقلون في الفتيا جدا ، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث ، كأبي بن كعب ، وأبي الدرداء ، وأبي طلحة ، والمقداد ، وسرد الباقين .

        ( ومن الصحابة العبادلة ، وهم ) أربعة ، عبد الله ( ابن عمر ) بن الخطاب ، ( و ) عبد الله ( ابن عباس ، و ) عبد الله ( ابن الزبير ، و ) عبد الله ( ابن عمرو بن العاص ، وليس ابن مسعود منهم ) قاله أحمد بن حنبل .

        قال البيهقي : لأنه تقدم موته ، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم ؛ فإذا اجتمعوا على شيء فقيل : هذا قول العبادلة .

        وقيل : هم ثلاثة بإسقاط ابن الزبير ، وعليه اقتصر الجوهري في الصحاح .

        وأما ما حكاه المصنف في تهذيبه عنه : أنه ذكر ابن مسعود ، وأسقط ابن العاص فوهم .

        نعم وقع للرافعي في الديات ، وللزمخشري في المفصل ، أن العبادلة : ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وغلطا في ذلك من حيث الاصطلاح .

        ( وكذا سائر من يسمى عبد الله ) من الصحابة لا يطلق عليهم العبادلة ( وهم [ ص: 680 ] نحو مائتين وعشرين ) نفسا ، كذا قال ابن الصلاح أخذا من الاستيعاب ، وزاد عليه ابن فتحون جماعة يبلغون بهم نحو ثلاثمائة رجل .

        ( قال أبو زرعة الرازي ) في جواب من قال له : أليس يقال حديث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث ؟

        [ قال ] : ومن قال ذا ، قلقل الله أنيابه ، هذا قول الزنادقة ، ومن يحصي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، ( قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه ) فقيل له : هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا ؟ قال : أهل المدينة ، وأهل مكة ، ومن بينهما ، والأعراب ، ومن شهد معه حجة الوداع ، كل رآه وسمع منه بعرفة .

        قال العراقي : وهذا القول عن أبي زرعة لم أقف له على إسناد ، ولا هو في كتب التواريخ المشهورة ؛ وإنما ذكره أبو موسى المديني في ذيله بغير إسناد .

        قلت : أخرجه الخطيب بإسناده ، قال : حدثني أبو القاسم الأزهري ، ثنا عبد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري ، ثنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر ، ثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال ، ثنا محمد بن أحمد بن جامع الرازي ، سمعت أبا زرعة وقال له رجل : أليس يقال ، فذكره بلفظه .

        قال العراقي : وقريب منه ما أسنده المديني عنه قال : توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه [ ص: 681 ] وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، وهذا لا تحديد فيه ، وكيف يمكن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى ، وقد روى البخاري في صحيحه أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن تبوك : وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعني الديوان .

        قال العراقي : روى الساجي في المناقب بسند جيد عن الشافعي قال : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ستون ألفا ، ثلاثون ألفا بالمدينة ، وثلاثون ألفا في قبائل العرب ، وغير ذلك .

        قال : ومع هذا فجميع من صنف في الصحابة لم يبلغ مجموع ما في تصانيفهم عشرة آلاف ، مع كونهم يذكرون من توفي في حياته صلى الله عليه وسلم ومن عاصره ، أو أدركه صغيرا .

        ( واختلف في عدد طبقاتهم ) باعتبار السبق إلى الإسلام ، أو الهجرة ، أو شهود المشاهد الفاضلة ؛ فجعلهم ابن سعد خمس طبقات ، ( وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة ) :

        الأولى : قوم أسلموا بمكة كالخلفاء الأربعة .

        الثانية : أصحاب دار الندوة .

        الثالثة : مهاجرة الحبشة .

        [ ص: 682 ] الرابعة : أصحاب العقبة الأولى .

        الخامسة : أصحاب العقبة الثانية ، وأكثرهم من الأنصار .

        السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا إليه بقباء قبل أن يدخل المدينة .

        السابعة : أهل بدر .

        الثامنة : الذين هاجروا بين بدر والحديبية . التاسعة : أهل بيعة الرضوان .

        العاشرة : من هاجر بين الحديبية وفتح مكة ؛ كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص .

        الحادية عشرة : مسلمة الفتح .

        الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوه يوم الفتح في حجة الوداع وغيرها .




        الخدمات العلمية