الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 101 ] واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد .

        [ ص: 101 ]

        التالي السابق


        [ ص: 101 ] ولهذا أشار المصنف حيث قال من زيادته على ابن الصلاح : ( واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد ) بأسانيده المتعددة ، وألفاظه المختلفة فسهل تناوله ، بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب ، بسبب استنباطه الأحكام منها ، وأورد كثيرا منها في مظنته .

        قال شيخ الإسلام : ولهذا نرى كثيرا ممن صنف الأحكام من المغاربة يعتمد على كتاب مسلم في سياق المتون دون البخاري لتقطيعه لها .

        قال : وإذا امتاز مسلم بهذا فللبخاري في مقابلته من الفضل ما ضمنه في أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار ، وما ذكره الإمام أبو محمد بن أبي جمرة عن بعض السادة قال : ما قرئ صحيح البخاري في شدة إلا فرجت ، ولا ركب به في مركب فغرق .



        [ فوائد ]

        الأولى : قال ابن الملقن : رأيت بعض المتأخرين قال : إن الكتابين سواء فهذا قول ثالث ، وحكاه الطوفي في شرح الأربعين ومال إليه القرطبي .

        الثانية : قدم المصنف هذه المسألة وأخر مسألة إمكان التصحيح في هذه الأعصار ، عكس ما صنع ابن الصلاح لمناسبة حسنة ، وذلك أنه لما كان الكلام في الصحيح ناسب أن يذكر الأصح ، فبدأ بأصح الأسانيد ، ثم انتقل إلى أخص منه ، وهو أصح الكتب .



        الثالثة : ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام : [ ص: 102 ] الأول : ما رواه الحفاظ المتقنون .

        والثاني : ما رواه المستورون والمتوسطون في الحفظ والإتقان .

        والثالث : ما رواه الضعفاء والمتروكون . وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه . فاختلف العلماء في مراده بذلك : فقال الحاكم والبيهقي : إن المنية اخترمت مسلما قبل إخراج القسم الثاني وأنه إنما ذكر القسم الأول .

        قال القاضي عياض : وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم وتابعوه عليه .

        قال : وليس الأمر كذلك ، بل ذكر حديث الطبقة الأولى وأتى بحديث الثانية على طريق المتابعة والاستشهاد ، أو حيث لم يجد في الباب من حديث الأولى شيئا ، وأتى بأحاديث طبقة ثالثة ، وهم أقوام تكلم فيهم أقوام وزكاهم آخرون ، ممن ضعف أو اتهم ببدعة ، وطرح الرابعة كما نص عليه .

        قال : والحاكم تأول أن مراده أن يفرد لكل طبقة كتابا ، ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة ، وليس ذلك مراده .

        قال : وكذلك علل الأحاديث التي ذكر أنه يأتي بها قد وفى بها في مواضعها من الأبواب ، من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد والزيادة والنقص وتصاحيف المصحفين .

        [ ص: 103 ] قال : ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم : إن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات ، أحدها هذا الذي قرأه على الناس ، والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق وأمثالهما ، والثالث يدخل فيه من الضعفاء ، فإن ذلك لا يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكره مسلم في صدر كتابه . اهـ .

        قال المصنف : وما قاله عياض ظاهر جدا .

        الرابعة : قال ابن الصلاح : قد عيب على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح ، وجوابه من وجوه : أحدها أن ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ، الثاني : أن ذلك واقع في المتابعات والشواهد لا في الأصول ، فيذكر الحديث أولا بإسناد نظيف ويجعله أصلا ، ثم يتبعه بإسناد أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد والمبالغة ، والزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه .

        الثالث : أن يكون ضعف الضعيف الذي اعتد به طرأ بعد أخذه عنه ، باختلاط : كأحمد بن عبد الرحمن ابن أخي عبد الله بن وهب ، اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر .

        الرابع : أن يعلو بالضعيف إسناده ، وهو عنده من رواية الثقات نازل ، فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه ، مكتفيا بمعرفة أهل الشأن ذلك ، فقد روينا [ ص: 104 ] أن أبا زرعة أنكر عليه روايته عن أسباط بن نصر ، وقطن ، وأحمد بن عيسى المصري ، فقال : إنما أدخلت من حديثهم ما رواه الثقات عن شيوخهم ، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منه بنزول فأقتصر على ذلك ، ولامه أيضا على التخريج عن سويد ، فقال : من أين كنت آتي بنسخة حفص عن ميسرة بعلو ؟




        الخدمات العلمية