الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 166 ] النوع الثاني : الحسن . قال الخطابي : هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ، وعليه مدار أكثر الحديث ، ويقبله أكثر العلماء ، واستعمله عامة الفقهاء .

        التالي السابق


        ( النوع الثاني : الحسن ) للناس فيه عبارات : ( قال ) أبو سليمان ( الخطابي : هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله ) فأخرج بمعرفة المخرج المنقطع ، وحديث المدلس قبل بيانه .

        قال ابن دقيق العيد : وهذا الحد صادق على الصحيح أيضا ، فيدخل في حد الحسن .

        وكذا قال ابن الصلاح وصاحب المنهل الروي ، وأجاب التبريزي بأنه سيأتي أن الصحيح أخص منه ، ودخول الخاص في حد العام ضروري ، والتقييد بما يخرجه عنه مخل للحد .

        قال العراقي : وهو متجه قال : وقد اعترض ابن رشيد ما نقل عن الخطابي [ ص: 167 ] بأنه رآه بخط الحافظ أبي علي الجياني ، واستقر حاله - بالسين المهملة وبالقاف وبالحاء المهملة دون راء في أوله - قال : وذلك مردود ، فإن الخطابي قال ذلك في خطبة معالم السنن ، وهو في النسخ الصحيحة ، كما نقل عنه ، وليس لقوله : واستقر حاله ، كبير معنى ، وقال ابن جماعة يرد على هذا الحد : ضعيف عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف .

        ثم قال الخطابي في تتمة كلامه : ( وعليه مدار أكثر الحديث ) لأن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح ( ويقبله أكثر العلماء ) ، وإن كان بعض أهل الحديث شدد ، فرد بكل علة ، قادحة كانت أم لا .

        كما روي عن ابن أبي حاتم أنه قال : سألت أبي عن حديث فقال : إسناده حسن ، فقلت : يحتج به ؟ فقال : لا ، ( واستعمله ) أي عمل به ( عامة الفقهاء ) ، وهذا الكلام فهمه العراقي زائدا على الحد فأخر ذكره وفصله عنه .

        وقال البلقيني : بل هو من جملة الحد ، ليخرج الصحيح الذي دخل فيما قبله ، بل والضعيف أيضا .



        [ ص: 168 ] [ تنبيه ]

        حكى ابن الصلاح بعد كلام الخطابي أن الترمذي حد الحسن ، بأن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ، ولا يكون شاذا ، ويروى من غير وجه نحو ذلك ، وأن بعض المتأخرين قال : هو الذي فيه ضعف قريب محتمل ويعمل به ، وقال : كل هذا مبهم لا يشفي الغليل ، وليس في كلام الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح . انتهى .

        وكذا قال الحافظ أبو عبد الله بن المواق : لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح ، فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ، ورواته غير متهمين ، بل ثقات .

        قال ابن سيد الناس : بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر ، ولم يشترط ذلك في الصحيح .

        قال العراقي : إنه حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد ، كحديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك " ، فإنه قال فيه : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة .



        [ ص: 169 ] قال : وأجاب ابن سيد الناس عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان رواته في درجة المستور ، ومن لم تثبت عدالته ، قال : وأكثر ما في الباب أن الترمذي عرف بنوع منه لا بكل أنواعه .

        وقال شيخ الإسلام : قد ميز الترمذي الحسن عن الصحيح بشيئين :

        أحدهما : أن يكون راويه قاصرا عن درجة راوي الصحيح ، بل وراوي الحسن لذاته ، وهو أن يكون غير متهم بالكذب ، فيدخل فيه المستور والمجهول ونحو ذلك ، وراوي الصحيح لا بد وأن يكون ثقة ، وراوي الحسن لذاته لا بد وأن يكون موصوفا بالضبط ، ولا يكفي كونه غير متهم .

        قال : ولم يعدل الترمذي عن قوله ثقات ، وهي كلمة واحدة ، إلى ما قاله إلا لإرادة قصور رواته عن وصف الثقة ، كما هي عادة البلغاء .

        الثاني : مجيئه من غير وجه ، على أن عبارة الترمذي فيما ذكره في العلل التي في آخر جامعه " وما ذكرنا في هذا الكتاب : حديث حسن ، فإنما أردنا به حسن إسناده " إلى آخر كلامه .

        قال ابن سيد الناس : فلو قال قائل : إن هذا إنما اصطلح عليه في كتابه ولم يقله اصطلاحا عاما لكان له ذلك .

        [ ص: 170 ] وقول ابن كثير : هذا الذي روي عن الترمذي في أي كتاب قاله وأين إسناده عنه ، مردود بوجوده في آخر جامعه كما أشرنا إليه .

        وقال بعض المتأخرين : قول الترمذي مرادف لقول الخطابي فإن قوله : ويروى نحوه من غير وجه ، كقوله : ما عرف مخرجه وقول الخطابي : اشتهر رجاله ، يعني به السلامة من وصمة الكذب ، كقول الترمذي : ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذي ولا يكون شاذا ، ولا حاجة إليه ؛ لأن الشاذ ينافي عرفان المخرج ، فكأن المصنف أسقطه لذلك .

        لكن قال العراقي : تفسير قول الخطابي : ما عرف مخرجه بما تقدم من الاحتراز عن المنقطع وخبر المدلس أحسن ؛ لأن الساقط منه بعض الإسناد لا يعرف فيه مخرج الحديث إذ لا يدرى من سقط ، بخلاف الشاذ الذي أبرز كل رجاله فعرف مخرج الحديث من أين ، وقال البلقيني : اشتهار الرجال أخص من قول الترمذي : ولا يكون في الإسناد متهم ، لشموله المستور .

        وما حكاه ابن الصلاح عن بعض المتأخرين أراد به ابن الجوزي ، فإنه ذكر ذلك في العلل المتناهية وفي الموضوعات .

        قال ابن دقيق : وليس ما ذكره مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره .

        [ ص: 171 ] قال البدر بن جماعة : وأيضا فيه دور لأنه عرفه بصلاحيته للعمل به ، وذلك يتوقف على معرفة كونه حسنا .

        قلت : ليس قوله : " ويعمل به " من تمام الحد بل زائد عليه ؛ لإفادة أنه يجب العمل به كالصحيح ، ويدل على ذلك أنه فصله من الحد ، حيث قال : ما فيه ضعف قريب محتمل فهو الحديث الحسن ، ويصلح البناء عليه والعمل به .

        وقال الطيبي : ما ذكره ابن الجوزي مبني على أن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف ؛ لأن الحسن وسط بينهما ، فقوله : قريب ، أي قريب مخرجه إلى الصحيح محتمل لكون رجاله مستورين .




        الخدمات العلمية