الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        23627 - قال مالك ، في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق : إن ذلك جائز لزوجها من أبيها ، فيما وضع عنه .

                                                                                                                        23628 - قال مالك : وذلك أن الله - تبارك وتعالى - قال في كتابه : إلا أن يعفون [ البقرة : 237 ] فهن النساء اللاتي دخل بهن أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فهو الأب في ابنته البكر ، والسيد في أمته .

                                                                                                                        23629 - قال مالك : وهذا الذي سمعت في ذلك ، والذي عليه الأمر عندنا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        23630 - وقال في بعض روايات " الموطأ " : لا يجوز لأحد أن يعفو عن [ ص: 118 ] شيء من الصداق إلا الأب وحده ، لا وصي ولا غيره .

                                                                                                                        23631 - وقال مالك : مبارته عليها جائزة .

                                                                                                                        23632 - وقال الليث بن سعد : لأبي البكر أن يضع من صداقها عند عقد نكاحها .

                                                                                                                        23633 - وإن كان تزوجها بأقل من مهر مثلها ، وإن كرهت ، ويجوز ذلك عليها .

                                                                                                                        23634 - وأما بعد عقد النكاح ، فليس له أن يضع شيئا من الصداق .

                                                                                                                        23635 - قال : ولا يجوز له أن يعفو عن شيء من صداقها قبل الدخول ، ويجوز له مبارة زوجها وهي كارهة ، إذا كان ذلك نظرا منه لها .

                                                                                                                        23636 - قال : وكما لم يجز أن يضع لزوجها شيئا من صداقها بعد النكاح كذلك ليس له أن يعفو عن نصف صداقها بعد الطلاق .

                                                                                                                        23637 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، وابن شبرمة ، والأوزاعي : الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج ، وعفوه أن يتم لها كمال المهر بعد الطلاق قبل الدخول .

                                                                                                                        [ ص: 119 ] 23638 - قالوا : وقوله تعالى : إلا أن يعفون [ البقرة : 237 ] للبكر والثيب .

                                                                                                                        23639 - وهو قول الطبري .

                                                                                                                        23640 - والبكر البالغ عندهم يجوز تصرفها في مالها ما لم يحجر الحاكم عليها كالرجل البالغ سواء .

                                                                                                                        23641 - ومن حجتهم عموم الآية في قوله تعالى : إلا أن يعفون [ البقرة : 237 ] فلم يخص بكرا من ثيب في نسق قوله : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون [ البقرة : 237 ] يعم الأبكار والثيب .

                                                                                                                        23642 - وقد أجمع المسلمون أن الثيب ، والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول سواء ، ثم قال تعالى : إلا أن يعفون [ البقرة : 237 ] فكذلك هو في البكر وغير البكر ، إلا ما أجمعوا عليه من رفع القلم عنه للصغيرة منهن .

                                                                                                                        23643 - وأما قول مالك ، فقد قال به الزهري قبله .

                                                                                                                        [ ص: 120 ] 23644 - ذكره أبو بكر ، قال : حدثني ابن علية ، عن ابن جريج ، وعبد الأعلى ، عن معمر ، كلاهما عن الزهري ، قال : الذي بيده عقدة النكاح : الأب في ابنته البكر .

                                                                                                                        23645 - قال أبو عمر : أما السيد في أمته ، فلا خلاف في ذلك ; لأنه يجتمع فيه من قال : العبد يملك ، ومنهم من قال : لا يملك ; لأنهم لا يختلفون أنه لا يجوز للعبد هبة شيء مما بيده .

                                                                                                                        23646 - وممن قال : إن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي : ابن عباس ، على اختلاف عنه .

                                                                                                                        23647 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني ابن علية ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : رضي الله بالعفو ، وأمر به ، فإن عفت جاز ، وإن أبت ، وعفا وليها جاز .

                                                                                                                        23648 - وعبد الرزاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ ص: 121 ] مثله .

                                                                                                                        23649 - وقال عطاء ، والحسن ، وطاوس ، وعلقمة ، وعكرمة ، وإبراهيم ، وابن شهاب الزهري : الذي بيده عقدة النكاح : الولي .

                                                                                                                        23650 - وأما الذين قالوا من السلف أيضا إن الذي بيده عقدة النكاح : الزوج ، علي بن أبي طالب ، وجبير بن مطعم ، لم يختلف عنهما في ذلك .

                                                                                                                        23651 - واختلف عن ابن عباس :

                                                                                                                        23652 - فروى حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عمرو بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، قال : الذي بيده عقدة النكاح : الزوج .

                                                                                                                        23653 - وقال سعيد بن جبير ، ونافع بن جبير بن مطعم ، والشعبي ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومجاهد ، وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد ، وشريح القاضي ، وابن سيرين ، والضحاك بن مزاحم ، وإياس بن معاوية ، ونافع مولى ابن عمر : الذي بيده عقدة النكاح الزوج .

                                                                                                                        23654 - وهو قول طاوس على اختلاف عنه .

                                                                                                                        23655 - وقد كان يقول الشافعي بالعراق في هذه المسألة بقول مالك أنه الولي الأب في ابنته البكر ، والسيد في أمته ، ثم رجع عنه بمصر .

                                                                                                                        [ ص: 122 ] 23656 - ومن حجة من ذهب إلى قول مالك في ذلك أن النصف الأول المذكور لما كان نصف المرأة ، كان الثاني على ذلك أيضا ; لأنه قد يشق عليه ، ولأنه ملك أكسبه إياه أبوها بالعقد عليها ، فله التصرف فيه خاصة ، وليس كذلك سائر مالها .

                                                                                                                        23657 - ومن حجة من ذهب إلى أنه الزوج ; لأن عقدة النكاح في الحقيقة إليه على كل حال كان هناك ولي أو لم يكن .

                                                                                                                        23658 - واستدلوا بالإجماع على أنه ليس للأب أن يهب من مال ابنته البكر أو الثيب ، أن مالها كمال غيرها في ذلك ، سواء ما اكتسبه لها ببضعها أو بغير بضعها ، هو مال من مالها ، حرام على أبيها إتلافه عليها وأن يأكل شيئا منه ، إن لم يكن محتاجا إليه إذا لم تطب نفسها به .

                                                                                                                        23659 - ولم يختلفوا أنه إذا أنكح أمة ابنته ، واكتسب لها الصداق بذلك أنه ليس له أن يعفو عنه دون إذن سيدتها ابنته ، فكذلك صداق ابنته البكر ، [ ص: 123 ] وكذلك عند الجميع ، لو خالع على ابنه الصغير امرأته بشيء يأخذه له منها ، لم يكن له أن يهبه ، فكذلك مهر البكر من بناته .

                                                                                                                        23660 - وقد اختلفوا أيضا في مسألة من معنى هذا الباب :

                                                                                                                        23661 - فقال مالك : جائز أن يزوج الرجل ابنته الصغيرة على أقل من صداق مثلها إذا كان ذلك نظرا .

                                                                                                                        23662 - وبه قال أبو حنيفة ، والليث ، وزفر .

                                                                                                                        23663 - وقال أبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي : لا يجوز أن يزوج ابنته البكر على أقل من صداق مثلها .

                                                                                                                        23664 - وقال مالك : جائز أن يزوج الرجل ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل .

                                                                                                                        23665 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يجوز ذلك له .




                                                                                                                        الخدمات العلمية