الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        229 200 - وهذا الحديث رواه مالك في هذا الباب عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله أنه قال : دخل رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد يوم الجمعة وعمر يخطب ، وذكر الحديث .

                                                                                                                        [ ص: 25 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 25 ] 5701 - ولم يقل : إنه عثمان ، وصح أنه عثمان من طرق كثيرة لهذا الحديث ، وقد ذكرتها في " التمهيد " وذكرنا هناك من وصل الحديث وأسنده ، ومن قطعه وأرسله ، وما فيه من المعاني والتوجيهات ، [ ص: 26 ] والحمد لله .

                                                                                                                        [ ص: 27 ] [ ص: 28 ] [ ص: 29 ] 5702 - وقول عمر في هذا الحديث : الوضوء أيضا ، وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل مثل قوله - عليه السلام - في حديث ابن شهاب ، عن ابن السباق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : " يا معشر المسلمين ، إن هذا يوم قد جعله الله عيدا فاغتسلوا " .

                                                                                                                        5703 - وقد ذكرنا الحديث فيما مضى من هذا الكتاب ، وذلك في باب السواك .

                                                                                                                        5704 - وذكرنا في " التمهيد " أن عمر أول من تسمى بأمير المؤمنين ، وأوردنا الخبر بذلك ، وما كان سببه هناك .

                                                                                                                        5705 - وفي حديث ابن شهاب هذا من الفقه أيضا : شهود الفضلاء السوق ، وطلبهم الرزق بالتجارة ، وفيه أن السوق يوم الجمعة لم يكن الناس يمنعون منه إلا في وقت النداء ; لقوله تعالى : " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " ( الآية : 9 من سورة الجمعة ) .

                                                                                                                        5706 - ومن الدليل أيضا على أن الأمر بالغسل للجمعة ليس على الوجوب ما روته عائشة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو سعيد في الوجه الذي من أجله أمروا بالغسل يوم الجمعة أول ما أمروا به .

                                                                                                                        5707 - وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في " التمهيد " فمن ذلك أن يحيى بن سعيد الأنصاري قال : سألت عمرة عن غسل الجمعة ، فذكرت أنها سمعت عائشة تقول : كان الناس عمال أنفسهم يروحون بهيئتهم فقيل لهم : لو [ ص: 30 ] اغتسلتم .

                                                                                                                        5708 - وروى إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان الناس يغدون في أعمالهم ، فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب درنة وألوانها متغيرة ، قال فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل ، ويتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته " .

                                                                                                                        [ ص: 31 ] 5709 - وفي " " الموطأ " " لمالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان لا يروح إلى الجمعة إلا ادهن وتطيب ، إلا أن يكون حراما ، ولم يذكر غسلا .

                                                                                                                        5710 - وروى الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة : أن ناسا من أهل العراق جاءوا فقالوا : يا ابن عباس ، الغسل يوم الجمعة واجب ؟ قال : لا ، ولكنه أطهر وأطيب ، وخير لمن اغتسل ، ومن لم يغتسل فلا حرج ، وسأخبركم كيف بدء الغسل :

                                                                                                                        كان الناس مجهودين ، يلبسون الصوف ، ويعملون على ظهورهم ، وكان مسجدهم ضيقا متقارب السقف ، إنما هو عريش ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم حار وقد عرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح ، آذى بذلك بعضهم بعضا ، فلما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الريح قال : " أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا " ثم جاء الله بالخير ، ولبسوا غير الصوف ، وكفوا العمل ، ووسع مسجدهم ، وذهب الذي كان يؤذي به بعضهم بعضا من العرق .

                                                                                                                        5711 - وقد تقدم عن أبي سعيد أنه قرنه بالسواك والطيب يوم الجمعة .

                                                                                                                        5712 - وفي إجماع الجمهور من علماء المسلمين على سقوط وجوب الغسل يوم الجمعة وجوب فرض لاتفاقهم على أن من شهد الجمعة بغير غسل أجزأته الجمعة - ما يغني عن كل قول .

                                                                                                                        [ ص: 32 ] 5713 - إلا أنهم اختلفوا : هل غسل الجمعة سنة مسنونة للأمة ، أم هو استحباب وفضل ، أم كان لعلة فارتفعت وليس بسنة ؟

                                                                                                                        5714 - فذهب مالك والثوري وجماعة من أهل العلم أن غسل الجمعة سنة مؤكدة ; لأنها قد عمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده والمسلمون ، واستحبوها ، وندبوا إليها . وهذا سبيل السنن المؤكدة .

                                                                                                                        5715 - ومن حجتهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالغسل للجمعة بقوله : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " .

                                                                                                                        5716 - وبما ذكرنا من الآثار بلفظ الأمر والوجوب فيما تقدم من هذا الباب .

                                                                                                                        5717 - ثم جاءت الآثار المذكورة بجواز شهوده بغير غسل ، وبأنه أفضل إن اغتسل ، يدل على أن ذلك أمر سنة لا فرض .

                                                                                                                        5718 - وروى ابن وهب ، عن مالك أنه سئل عن غسل الجمعة واجب هو ؟ قال : هو سنة ومعروف ، قيل له : إنه في الحديث واجب ، قال : ليس كل ما جاء في الحديث يكون كذلك .

                                                                                                                        5719 - وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن غسل الجمعة أواجب هو ؟ قال : هو حسن ، وليس بواجب .

                                                                                                                        5720 - وهذه الرواية عن مالك تدل على أنه مستحب ، وذلك عندهم دون منزلة السنة ، إلا أن رواية ابن وهب عنه أنه سنة عليه أكثر أصحابه : ابن عبد [ ص: 33 ] الحكم ، وغيره .

                                                                                                                        5721 - وقد قال ابن القاسم فيمن أتى الجمعة ولم يغتسل : فإنه يخرج من المسجد إذا كان الوقت واسعا ، ثم يغتسل . وقاله ابن كنانة .

                                                                                                                        قال ابن كنانة : إنما ترك عمر رد عثمان للغسل لضيق الوقت ، ولو كان فيه سعة لرده حتى يغتسل .

                                                                                                                        5723 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء قلت له : الغسل واجب يوم الجمعة ؟ قال : نعم ، ومن تركه فليس بآثم .

                                                                                                                        5724 - وقد ذكرنا في " التمهيد " حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة ، وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مس الحصى فقد لغا "

                                                                                                                        5725 - وهذا حديث ثابت عن النبي - عليه السلام - ليس فيه إلا الوضوء للجمعة دون غسل . رواه أبو معاوية وجماعة من أصحاب الأعمش عن الأعمش هكذا .

                                                                                                                        [ ص: 34 ] 5726 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن مسعر ، عن وبرة ، عن همام بن الحارث ، عن ابن مسعود قال : الغسل يوم الجمعة سنة .

                                                                                                                        5727 - وكان الشافعي يقول : إنه سنة ، ويحتج في تفسير لفظ الحديث في وجوبه بحديث عائشة : كان الناس عمال أنفسهم . الحديث ، وبحديث سمرة : ومن اغتسل فالغسل أفضل . وقد ذكرناهما ، وما كان في معناهما فيما تقدم من هذا الباب .

                                                                                                                        5728 - وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن غسل الجمعة ليس بواجب وجوب سنة ، ولكنه مستحب مرغب فيه كالطيب والسواك .

                                                                                                                        5729 - وقال بعضهم : الطيب يغني عنه ، واحتجوا بأنه كان لعلة قد زالت على ما بينا في الآثار عن عائشة وابن عمر وابن عباس وغيرهم .

                                                                                                                        5730 - وقد ذكرنا في " التمهيد " عن القاسم بن محمد : أنهم ذكروا غسل الجمعة عند عائشة فقالت : إنما كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ ، فإذا أصابهم الروح سطعت أرواحهم ، فتأذى بهم الناس ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أولا تغتسلون " .

                                                                                                                        5731 - وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : كانوا لا يرون غسلا واجبا إلا غسل الجنابة ، وكانوا يستحبون غسل الجمعة .

                                                                                                                        5732 - وقال عبد الكريم بن مالك الجزري : الطيب يجزئ من الغسل يوم الجمعة .




                                                                                                                        الخدمات العلمية