الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا عبد ولا فقيرة لها زوج غني ، ولا إلى الوالدين وإن علوا ، ولا إلى الولد وإن سفل ، ولا إلى الزوجة ، ولا لبني هاشم ، ولا مواليهم ، ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ، ووصايا الفقراء والنذر ، وفي الكفارة وجهان ، وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب ؛ على روايتين ، وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ، ثم علم لم يجزئه إلا لغني ظنه فقيرا في إحدى الروايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ولا يجوز دفعها إلى كافر ) إجماعا ، وحديث معاذ نص فيه ؛ ولأنها مواساة تجب على المسلم ، فلم تجب للكافر كالنفقة ، ويستثنى منه إذا كان مؤلفا أو عاملا على رواية ، زاد في " المستوعب " أو غارما لذات البين أو غارما ( ولا عبد ) أي : كامل الرق ؛ لأن نفقته واجبة على سيده ، فهو غني بغناه ، وما يدفع إليه ما لا يملكه ، وإنما يملكه سيده ، فكأنه دفع إليه ، ويستثنى منه ما إذا كان عاملا ، وظاهره لا يدفع إليه ، وإن كان سيده فقيرا ، وذكر القاضي في " تعليقه " في العبد بين اثنين فكاتبه أحدهما : يجوز ، وما قبضه من الصدقات فنصفه يلاقي نصفه المكاتب ، وما يلاقي نصف السيد الآخر إن كان فقيرا ، جاز في حصته ، وإن كان غنيا لم يجز ، قال المجد : ومثله إذا كاتب بعض عبده ، وكلامه شامل للمدبر ، وأم الولد والمعلق عتقه بصفة ، فإن كان بعضه حرا ، أخذ بقدره بنسبته من خمسين أو من كفايته على الخلاف ، ( ولا فقيرة لها زوج غني ) لغناها بذمتها عليه ، ولولد صغير فقير أبوه موسر ، بل أولى للمعاوضة ، وثبوتها في الذمة ، وكما لا يجوز دفعها إلى غني بنفقة لازمة ، اختاره الأكثر ، وأطلق في " الترغيب " وجهين ، وجوزه في " الكافي " ؛ لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره ، فيلزم من وجوبها له وجود الفقر بخلاف الزوجة ، ويستثنى منه ما إذا تعذرت النفقة منه لغيبة أو امتناع ، فإنه يجوز لها الأخذ ، نص عليه ، كمن غصب ماله ، أو تعطلت منفعة عقاره ( ولا إلى الوالدين ، وإن [ ص: 434 ] علوا ، ولا إلى الولد ، وإن سفل ) لاتصال منافع الملك بينهما عادة ، فيكون صارفا لنفسه بدليل عدم قبول شهادة أحدهما للآخر ، وظاهره لا فرق بين الوارث وغيره حتى ولد البنت ، نص عليه ، وعلل في " الشرح " ما يقتضي اقتصاره بوجوب النفقة ، وأطلق في " الواضح " في جد وابن ابن محجوبين وجهين ، وظاهره أنه لا يعطي عمودي نسبه لغرم لنفسه ، أو كتابة ، نص عليه ، وقيل : يجوز ، اختاره الشيخ تقي الدين ، وذكر جده في ابن سبيل كذلك ، وسبق كونه عاملا ، ( ولا إلى الزوجة ) إجماعا ، لأنها مستغنية بنفقتها عليه ، فلم يجز كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها ، وظاهره ولو كانت ناشزة ، ذكره في " الانتصار " ، و " الرعاية " ، وقيل : بل مطلقا ، ولا لبني هاشم ، نص عليه ، كالنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لقوله : " إنا لا تحل لنا الصدقة " رواه أحمد ، ومسلم ، وله - أيضا - مرفوعا : " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس " ، وسواء أعطوا من خمس الخمس أو لا ؛ لعموم النصوص ؛ ولأن منعهم لشرفهم ؛ وهو باق ، وقيل : يجوز إن منعوا الخمس ، اختاره القاضي يعقوب ، والآجري ، والشيخ تقي الدين ؛ لأنه محل حاجة وضرورة ، ويستثنى منه ما لم يكونوا غزاة أو مؤلفة أو غارمين لذات البين ، وسبق كونه عاملا .

                                                                                                                          أصل : بنو هاشم من كان من سلالته ، ذكره القاضي وأصحابه ، وجزم في " الرعاية " بقول بعضهم : هم آل عباس ، وآل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل الحارث بن عبد المطلب ، ( ولا مواليهم ) جمع مولى ؛ وهو من أعتقه هاشمي ، نص عليه ، لحديث أبي رافع مرفوعا : " إن الصدقة لا تحل لنا [ ص: 435 ] وإن مولى القوم من أنفسهم " رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ؛ ولأنه بمنزلة النسب في الإرث ، والعقل ، والنفقة ، فغلب الحظر ، وأومأ أحمد في رواية يعقوب إلى الجواز ، وحكاه في " الشرح " عن أكثر العلماء ؛ لأنهم ليسوا من آل محمد ، وكموالي مواليهم .



                                                                                                                          فرع : لا تحرم الزكاة على أزواجه - عليه السلام - في ظاهر كلام أحمد ، والأصحاب كمواليهن للأخبار ، وفي " المغني " ، و " الشرح " أن خالد بن سعيد بن العاص أرسل إلى عائشة بسفرة من الصدقة فردتها ، وقالت : إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة . رواه الخلال . فهذا يدل على تحريمها عليهن ، ولم يذكرا ما يخالفه ، مع أنهم لم يذكروا هذا في الوصية والوقف ، وهذا يدل على أنهن من أهل بيته في تحريم الزكاة ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه يحرم عليهن الصدقة ، وأنهن من أهل بيته في أصح الروايتين ، ورده الجد - رحمه الله - .

                                                                                                                          ( ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ) نص عليه ، وجزم به الأكثر ؛ لقوله - عليه السلام - : " كل معروف صدقة " ولأن محمد بن علي كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، ويقول : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ، ولا خلاف في جواز اصطناع المعروف إليهم ، والمراد به : الاستحباب إجماعا ، فلا وجه لقول ابن حمدان . قلت : يستحب ، وإنما عبروا بالجواز ؛ لأنه أصل لما اختلف في تحريمه .

                                                                                                                          ونقل الميموني عنه : لا لعموم ما سبق ، وأجيب بأن المراد به الصدقة المفروضة ، [ ص: 436 ] لأن الطلب كان لها ، فاللام فيه للعهد ، ( ووصايا الفقراء ) نص عليه ( والنذر ) ؛ لأنه لا يقع عليهما اسم الزكاة والطهرة ، والوجوب في الآدمي أشبه الهبة ، ويؤخذ من نقل الميموني المنع ، وجزم في " الروضة " بتحريم النفل على بني هاشم ومواليهم ، ( وفي الكفارة وجهان ) المذهب : أنه لا يجوز لوجوبها بالشرع كالزكاة ، والثاني : بلى ؛ لأنها ليست أوساخ الناس ، أشبهت صدقة التطوع .



                                                                                                                          تنبيه : كل من حرم دفع الزكاة إليه ، جاز دفع التطوع له ، وله أخذها حتى كافر وغني ، نص عليه ، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحرم عليه ، وإن لم يحرم التطوع على بني هاشم ، وإن حرم عليهم ، فهو أولى ؛ لأن اجتنابها كان من دلائل النبوة ، فلم يكن لبخل به ، ونقل جماعة : لا تحرم عليه ، واختاره القاضي كاصطناع أنواع المعروف إليه - عليه السلام - .



                                                                                                                          ( وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب ، على روايتين ) ، وفيه مسائل .

                                                                                                                          الأولى : ظاهر " المذهب " ، وقدمه في " الفروع " أنه يجوز دفعها إلى غير عمودي نسبه ممن يرثه بفرض أو تعصيب ، كالأخت أو الأخ ؛ لقوله - عليه السلام - : " والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة " فلم يفرق بين الوارث وغيره ؛ لأنه مقبول الشهادة له كالأجنبي ، وكما لو تعذرت النفقة ، وحكم الإرث بالولاء كذلك ، وإذا قيل زكاة ، دفعها إليه قريبه ولا نفقة ، وإن لم يقبل ، وطالب بنفقته الواجبة أجبر ، ولا يجزئه في هذه الحال جعلها زكاة .

                                                                                                                          [ ص: 437 ] والثانية : المنع ، اختارها الخرقي ، وصاحب " التلخيص " ، والقاضي ، وذكر أنه الأشهر لغناه بوجوب النفقة ؛ ولأن نفعها يعود إلى الدافع ؛ لكونه يسقط النفقة عنه كعبده ، وظاهره أن القريب إذا لم تلزمه نفقته أنه يجوز دفعها إليه بلا ريب ؛ لأنه لا ميراث بينهما ، أشبه الأجنبي ، فلو ورث أحدهما الآخر ، كعمة وابن أخيها ، وعتيق ومعتقه ، وأخوين لأحدهما ابن ، فالوارث منهما تلزمه النفقة على الأصح ، وفي دفع الزكاة إليه الخلاف ، وعكسه الآخر ، فأما ذوو الأرحام فالأصح أنه يدفع إليهم ، وإن ورثوا لضعف قرابتهم ، وفي الإرث بالرد الخلاف ، وعلى المنع يعطى قريبه لعمالة وتأليف ، وغزو وغرم لذات البين ، وظاهر ما سبق : لو تبرع بنفقة قريب أو يتيم ، وضمه إلى عياله جاز الدفع إليه ، واختاره الأكثر لوجود المقتضي ، ونقل جماعة ، واختاره في " التنبيه " و " الإرشاد " : لا ، روي عن ابن عباس ، ولأنه يذم على تركه ، فيكون قد وقى بها ماله وعرضه ، ولهذا لو دفع إليه شيئا في غير مؤنته التي عوده إياها تبرعا ، جاز ، نص عليه .

                                                                                                                          الثانية : يجوز دفع الزكاة إلى الزوج في رواية اختارها القاضي وأصحابه والمؤلف ، وجزم بها في " الوجيز " لحديث زينب امرأة ابن مسعود لما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري فقال : " لها أجران " رواه البخاري ، والثانية ، واختارها الخرقي وأبو بكر والمجد وحكاه عن أبي الخطاب : لا يجوز قياسا لأحد الزوجين على الآخر ؛ ولأن النفع يعود إليها لتمكنها من أخذ نفقة الموسرين منه ، أو من أصل النفقة مع العجز الكلي ، وحديث زينب تأوله أحمد في رواية ابن مسيس على غير الزكاة ، وجوابه [ ص: 438 ] بأن الاعتبار بعموم اللفظ ، ولم يستثن جماعة شيئا ، وقيل : يجوز في الزوجين لغرم لنفسه وكتابة ؛ لأنه لا يدفع عنه نفقة واجب كعمودي نسبه .

                                                                                                                          الثالثة : يجوز دفعها إلى بني المطلب في رواية اختارها " الخرقي " ، والشيخان وغيرهم لعموم آية الصدقات ، خرج منه بنو هاشم بالنص ، فيبقى ما عداهم على الأصل ؛ ولأن بني المطلب في درجة بني أمية ؛ وهو لا يحرم الزكاة عليهم فكذا هم ، وأقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بنو هاشم ، ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بل بالنصرة ، أو بهما جميعا ، بدليل منع بني عبد شمس ونوفل من خمس الخمس مع مساواتهم لهم في القرابة ، والثانية : نقلها عبد الله ، واختارها القاضي وأصحابه ، وجزم بها في " الوجيز " ، وصححها ابن المنجا : المنع لما روى جبير بن مطعم مرفوعا قال : " بنو المطلب ، وبنو هاشم شيء واحد " رواه البخاري ، ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فمنعوا كبني هاشم ، وظاهره ولو منعوا من الخمس ، ولا يبعد أن يتأتى الخلاف هنا ، بل هو أولى بالجواز ، ولم يتعرض المؤلف لمواليهم ، قال القاضي : لا تعرف فيه رواية ، ولا يمتنع أن حكمهم كموالي بني هاشم ؛ وهو ظاهر الخبر والقياس ، وجزم في " الوجيز " بالمنع ، وسئل في رواية الميموني عن مولى قريش : يأخذ الصدقة ؛ قال : ما يعجبني ، قيل له : فإن كان مولى مولى ؛ قال : هذا أبعد فيحتمل التحريم .

                                                                                                                          ( وإن دفعها إلى من لا يستحقها ) كبني هاشم والعبيد ( وهو لا يعلم ) أي : جاهلا بحاله ( ثم علم لم يجزئه ) رواية واحدة ، قاله في " الشرح " ، وفي " الفروع " في الأشهر ؛ لأنه ليس بمستحق ، ولا يخفى حاله غالبا فلم يعذر [ ص: 439 ] بجهالته ، كدين الآدمي ، وجزم به بعضهم في الكفر لتقصيره لظهوره غالبا ، فعلى ذلك يسترد بزيادته مطلقا ، ذكره أبو المعالي ، وشمل ما لو كان المدفوع إليه قريبا ، قاله أصحابنا ، وأطلق فيها في " الرعاية " ، وفي مسألة الغني روايتين ، ونص أحمد : يجزئه ، اختاره المجد لخروجها عن ملكه ، بخلاف ما إذا صرفها وكيل المالك إليه وهو فقير ، فلم يعلما ، لا تجزئ لعدم خروجها عن ملكه ، ( إلا لغني إذا ظنه فقيرا ) فإنه يجزئه ( في إحدى الروايتين ) اختاره أكثر الأصحاب ، وجزم به في " الوجيز " للمشقة ، لخفاء ذلك عادة ، فلا يملكها الآخذ ، والثانية واختارها الآجري ، والمجد ، وغيرهما : لا يجزئه كما لو بان كافرا ، ولحق الآدمي ، فيرجع على الغني بها أو بقيمتها إن تلفت يوم تلفها إذا علم أنها زكاة ، رواية واحدة ، ومن ملك الرجوع فمات قام وارثه مقامه ، وظاهر ما سبق أنه إذا دفع صدقة التطوع إلى فقير فبان غنيا أنه يجزئه ، قاله ابن شهاب ؛ لأن المقصود في الزكاة إبراء الذمة ، ولم تحصل ، فملك الرجوع ، وفي التطوع الثواب ، ولم يفت .

                                                                                                                          فرع : إذا دفع الإمام أو الساعي الزكاة إلى من ظنه أهلا فبان غيره ، فروايات ، ثالثها : لا يضمن إذا بان غنيا ، ويضمن غيره . قال في " الفروع " : وهو أشهر ، وجزم المجد : لا يضمن مع الغنى ، وفي غيره روايتان .

                                                                                                                          تنبيه : يشترط تمليك المعطى ، لكن للإمام قضاء دين مديون حي ، والذكر والأنثى فيها سواء ، والصغير كالكبير ، وعنه : إن أكل الطعام ، وإلا لم يجز ، فعلى المذهب : يصرف ذلك في أجرة رضاعه وكسوته ، وما لا بد منه ، ويقبل ويقبض له من يلي ماله ، وكذا الهبة والكفارة قال ابن منصور : قلت لأحمد : قال [ ص: 440 ] سفيان : لا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي أو قاض ، قال أحمد : جيد ، وذكر المؤلف احتمالا أنه يصح قبض من يليه من أم أو قريب وغيرهما عند عدم الولي ؛ لأن حفظه عن الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية ، وقد نص عليه في رواية جماعة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية