الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 15 ] مقدمة الإمام النووي رضي الله عنه

                                      بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله البر الجواد ، الذي جلت نعمه عن الإحصاء بالأعداد ، خالق اللطف ، والإرشاد الهادي إلى سبيل الرشاد ، الموفق بكرمه لطرق السداد . المان بالتفقه في الدين على من لطف به من العباد ، الذي كرم هذه الأمة زادها الله شرفا بالاعتناء بتدوين ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظا له على تكرر العصور ، والآباد ، ونصب كذلك جهابذة من الحفاظ النقاد ، وجعلهم دائبين في إيضاح ذلك في جميع الأزمان ، والبلاد باذلين وسعهم مستفرغين جهدهم في ذلك في جماعات ، وآحاد مستمرين على ذلك متابعين في الجهد ، والاجتهاد .

                                      أحمده أبلغ الحمد ، وأكمله ، وأزكاه ، وأشمله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له الواحد القهار الكريم الغفار ، وأشهد أن محمدا عبده ، ورسوله ، وحبيبه ، وخليله ، المصطفى بتعميم دعوته ، ورسالته ، المفضل على الأولين ، والآخرين من بريته ، المشرف على العالمين قاطبة بشمول شفاعته ، المخصوص بتأييد ملته ، وسماحة شريعته ، المكرم بتوفيق أمته للمبالغة في إيضاح منهاجه ، وطريقته ، والقيام بتبليغ ما أرسل به إلى أمته ، صلوات الله ، وسلامه عليه ، وعلى إخوانه من النبيين ، وآل كل ، وسائر الصالحين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .

                                      ( أما بعد ) فقد قال الله تعالى العظيم العزيز الحكيم : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } ، وهذا نص في أن العباد خلقوا للعبادة ، ولعمل الآخرة ، والإعراض عن الدنيا بالزهادة ، فكان أولى ما اشتغل به المحققون ، واستغرق الأوقات في تحصيله العارفون ، وبذل الوسع في إدراكه المشهورون ، وهجر ما سواه لنيله المتيقظون ، بعد معرفة الله ، وعمل الواجبات ، التشمير في تبيين ما كان مصححا للعبادات ، التي هي دأب أرباب العقول ، وأصحاب الأنفس الزكيات ، إذ ليس يكفي في العبادات صور الطاعات ، بل لا بد من كونها على وفق القواعد الشرعيات ، وهذا في هذه الأزمان ، وقبلها بأعصار خاليات ، قد انحصرت . معرفته في الكتب الفقهيات ، المصنفة في أحكام الديانات ، فهي المخصوصة ببيان ذلك ، وإيضاح الخفيات منها ، والجليات ، وهي التي أوضح فيها جميع أحكام الدين ، والوقائع الغالبات ، والنادرات ، وحرر فيها الواضحات ، والمشكلات ، [ ص: 16 ] وقد أكثر العلماء رضي الله عنهم التصنيف فيها من المختصرات ، والمبسوطات ، وأودعوا فيها من المباحث ، والتحقيقات ، والنفائس الجليلات ، وجمع ما يحتاج إليه ، وما يتوقع وقوعه ، ولو على أندر الاحتمالات ، البدائع وغايات النهايات ، حتى لقد تركونا منها على الجليات الواضحات ، فشكر الله الكريم لهم سعيهم ، وأجزل لهم المثوبات ، وأحلهم في دار كرامته أعلى المقامات ، وجعل لنا نصيبا من ذلك ، ومن جميع أنواع الخيرات ، وأدامنا على ذلك في ازدياد حتى الممات ، وغفر لنا ما جرى ، وما يجري منا من الزلات ، وفعل ذلك بوالدينا ، ومشايخنا ، وسائر من نحبه ، ويحبنا ، ومن أحسن إلينا ، وسائر المسلمين ، والمسلمات ، إنه سميع الدعوات جزيل العطيات .

                                      ثم إن أصحابنا المصنفين رضي الله عنهم أجمعين ، وعن سائر علماء المسلمين ، أكثروا التصانيف كما قدمنا ، وتنوعوا فيها كما ذكرنا ، واشتهر منها لتدريس المدرسين ، وبحث المشتغلين ( المهذب ، والوسيط ) ، وهما كتابان عظيمان صنفهما إمامان جليلان : أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ، وأبو حامد محمد بن محمد الغزالي رضي الله عنهما ، وتقبل ذلك ، وسائر أعمالهما منهما .

                                      وقد وفر الله الكريم دواعي العلماء من أصحابنا رحمهم الله تعالى الاشتغال بهذين الكتابين ، وما ذاك إلا لجلالتهما ، وعظم فائدتهما ، وحسن نية ذينك الإمامين ، وفي هذين الكتابين دروس المدرسين ، وبحث المحصلين المحققين ، وحفظ الطلاب المعتنين فيما مضى ، وفي هذه الأعصار ، في جميع النواحي ، والأمصار .

                                      فإذا كانا كما وصفنا ، وجلالتهما عند العلماء كما ذكرنا ، كان من أهم الأمور العناية بشرحهما إذ فيهما أعظم الفوائد ، وأجزل العوائد ، فإن فيهما مواضع كثيرة أنكرها أهل المعرفة ، وفيها كتب معروفة مؤلفة ، فمنها ما ليس عنه جواب سديد ، ومنها ما جوابه . صحيح موجود عتيد ، فيحتاج إلى الوقوف على ذلك من لم تحضره معرفته ، ويفتقر إلى العلم به من لم تحط به خبرته ، وكذلك فيهما من الأحاديث ، واللغات ، وأسماء النقلة ، والرواة ، والاحترازات ، والمسائل والمشكلات ، والأصول المفتقرة إلى فروع ، وتتمات ما لا بد من تحقيقه ، وتبيينه بأوضح العبارات . فأما الوسيط فقد جمعت في شرحه جملا مفرقات ، سأهذبها إن شاء الله تعالى في كتاب مفرد ، واضحات متممات .

                                      وأما المهذب فاستخرت الله الكريم ، الرءوف الرحيم ، في جمع كتاب في شرحه سميته ب ( المجموع ) والله الكريم أسأل أن يجعل نفعي ، وسائر المسلمين به من الدائم غير الممنوع .

                                      [ ص: 17 ] أذكر فيه إن شاء الله تعالى جملا من علومه الزاهرات ، وأبين فيه أنواعا من فنونه المتعددات ، فمنها : تفسير الآيات الكريمات ، والأحاديث النبويات ، والآثار الموقوفات ، والفتاوى المقطوعات ، والأشعار الاستشهاديات ، والأحكام الاعتقاديات والفروعيات ، والأسماء ، واللغات ، والقيود ، والاحترازات ، وغير ذلك من فنونه المعروفات .

                                      وأبين من الأحاديث : صحيحها ، وحسنها ، وضعيفها ، مرفوعها ، وموقوفها ، متصلها ، ومرسلها ، ومنقطعها ، ، ومعضلها ، وموضوعها . مشهورها ، وغريبها ، وشاذها ، ومنكرها ، ومقلوبها ، ومعللها ، ومدرجها ، وغير ذلك من أقسامها مما ستراها إن شاء الله تعالى في مواطنها ، وهذه الأقسام التي ذكرتها كلها موجودة في المهذب ، وسنوضحها إن شاء الله تعالى ، وأبين منها أيضا : لغاتها ، وضبط نقلتها ، ورواتها ، وإذا كان الحديث في صحيحي البخاري ، ومسلم رضي الله عنهما ، أو في أحدهما اقتصرت على إضافته إليهما ، ولا أضيفه معهما إلى غيرهما إلا نادرا ، لغرض في بعض المواطن ; لأن ما كان فيهما أو في أحدهما غني عن التقوية بالإضافة إلى ما سواهما ، وأما ما ليس في واحد منهما فأضيفه إلى ما تيسر من كتب السنن ، وغيرها أو إلى بعضها . فإذا كان في سنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي التي هي تمام أصول الإسلام الخمسة أو في بعضها اقتصرت أيضا على إضافته إليها ، وما خرج عنها أضيفه إلى ما تيسر إن شاء الله تعالى مبينا صحته أو ضعفه ، ومتى كان الحديث ضعيفا بينت ضعفه ، ونبهت على سبب ضعفه إن لم يطل الكلام بوصفه .

                                      وإذا كان الحديث الضعيف هو الذي احتج به المصنف أو هو الذي اعتمده أصحابنا صرحت بضعفه ، ثم أذكر دليلا للمذهب من الحديث [ الصحيح ] إن وجدته ، وإلا فمن القياس وغيره .

                                      وأبين فيه ما وقع في الكتاب من ألفاظ اللغات ، وأسماء الأصحاب ، وغيرهم من العلماء ، والنقلة ، والرواة مبسوطا في وقت ، ومختصرا في وقت بحسب المواطن ، والحاجة ، وقد جمعت في هذا النوع كتابا سميته ب ( تهذيب الأسماء واللغات ) جمعت فيه ما يتعلق بمختصر المزني والمهذب ، والوسيط ، والتنبيه ، والوجيز ، والروضة الذي اختصرته من شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي رحمه الله من الألفاظ العربية ، والعجمية ، والأسماء ، والحدود ، والقيود ، والقواعد ، والضوابط ، وغير ذلك مما له ذكر في شيء من هذه الكتب الستة .

                                      ولا يستغني طالب علم عن مثله ، فما وقع هنا مختصرا لضرورة أحلته على ذلك ، وأبين فيه الاحترازات ، والضوابط الكليات .

                                      [ ص: 18 ] وأما الأحكام ) فهو مقصود الكتاب ، فأبالغ في إيضاحها بأسهل العبارات ، وأضم إلى ما في الأصل من الفروع ، والتتمات ، والزوائد المستجادات ، والقواعد المحررات ، والضوابط الممهدات ، ما تقر به إن شاء الله تعالى أعين أولي البصائر والعنايات ، والمبرئين من أدناس الزيغ ، والجهالات .

                                      ثم من هذه الزيادات ما أذكره في أثناء كلام صاحب الكتاب ، ومنها ما أذكره في آخر الفصول ، والأبواب ، وأبين ما ذكره المصنف ، وقد اتفق الأصحاب عليه ، وما وافقه عليه الجمهور ، وما انفرد به أو خالفه فيه المعظم ، وهذا النوع قليل جدا ، وأبين فيه ما أنكر على المصنف من الأحاديث ، والأسماء ، واللغات ، والمسائل المشكلات ، مع جوابه إن كان من المرضيات ، وكذلك أبين فيه جملا مما أنكر على الإمام أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني في مختصره ، وعلى الإمام أبي حامد الغزالي في الوسيط ، ، وعلى المصنف في التنبيه ، مع الجواب عنه إن أمكن . فإن الحاجة إليها كالحاجة إلى المهذب ، .

                                      وألتزم فيه بيان الراجح من القولين ، والوجهين ، والطريقين ، والأقوال ، والأوجه ، والطرق ، مما لم يذكره المصنف أو ذكره ووافقوه عليه أو خالفوه ، واعلم أن كتب المذهب فيها اختلاف شديد بين الأصحاب ، بحيث لا يحصل للمطالع وثوق يكون ما قاله مصنف منهم هو المذهب حتى يطالع معظم كتب المذهب المشهورة ، فلهذا لا أترك قولا ، ولا ، وجها ، ولا نقلا ، ولو كان ضعيفا أو واهيا إلا ذكرته إذا ، وجدته إن شاء الله تعالى ، مع بيان رجحان ما كان راجحا ، وتضعيف ما كان ضعيفا ، وتزييف ما كان زائفا ، والمبالغة في تغليط قائله ، ولو كان من الأكابر .

                                      وإنما أقصد بذلك التحذير من الاغترار به ، وأحرص على تتبع كتب الأصحاب من المتقدمين ، والمتأخرين إلى زماني من المبسوطات ، والمختصرات ، وكذلك نصوص الإمام الشافعي صاحب المذهب رضي الله عنه فأنقلها من نفس كتبه المتيسرة عندي كالأم والمختصر والبويطي ، وما نقله المفتون المعتمدون من الأصحاب ، وكذلك أتتبع فتاوى الأصحاب ، ومتفرقات كلامهم في الأصول ، والطبقات ، وشروحهم للحديث ، وغيرها ، وحيث أنقل حكما أو قولا ، أو وجها أو طريقا أو لفظة لغة ، أو اسم رجل أو حالة ، أو ضبط لفظة أو غير ذلك ، وهو من المشهور ، أقتصر على ذكره من غير تعيين قائليه لكثرتهم . إلا أن أضطر إلى بيان قائليه لغرض مهم ، فأذكر جماعة منهم ثم أقول : وغيرهم ، وحيث كان ما أنقله غريبا أضيفه إلى قائله في الغالب ، وقد أذهل عنه في بعض المواطن .

                                      وحيث أقول : ( الذي عليه الجمهور كذا أو الذي عليه المعظم ، أو قال [ ص: 19 ] الجمهور ، أو المعظم ، أو الأكثرون . كذا ) ثم أنقل عن جماعة خلاف ذلك فهو كما أذكره إن شاء الله تعالى .

                                      ولا يهولنك كثرة من أذكره في بعض المواضع على خلاف الجمهور أو خلاف المشهور أو الأكثرين ، ونحو ذلك ، فإني إنما أترك تسمية الأكثرين لعظم كثرتهم كراهة لزيادة التطويل .

                                      وقد أكثر الله - سبحانه وتعالى وله الحمد والنعمة - كتب الأصحاب ، وغيرهم من العلماء من مبسوط ، ومختصر ، وغريب ، ومشهور ، وسترى من ذلك إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب ما تقر به عينك ، ويزيد رغبتك في الاشتغال ، والمطالعة ، وترى كتبا ، وأئمة قلما طرقوا سمعك ، وقد أذكر الجمهور بأسمائهم في نادر من المواضع لضرورة تدعو إليهم ، وقد أنبه على تلك الضرورة ، وأذكر في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى : مذاهب السلف من الصحابة ، والتابعين ، فمن بعدهم من فقهاء الأمصار رضي الله عنهم أجمعين ، بأدلتها من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس ، وأجيب عنها مع الإنصاف إن شاء الله تعالى ، وأبسط الكلام في الأدلة في بعضها ، وأختصره في بعضها بحسب كثرة الحاجة إلى تلك المسألة ، وقلتها ، وأعرض في جميع ذلك عن الأدلة الواهية ، وإن كانت مشهورة ، فإن الوقت يضيق عن المهمات ، فكيف يضيع في المنكرات ، والواهيات . ؟

                                      وإن ذكرت شيئا من ذلك على ندور نبهت على ضعفه ، واعلم أن معرفة مذاهب السلف بأدلتها من أهم ما يحتاج إليه ; لأن اختلافهم في الفروع رحمة ، وبذكر مذاهبهم بأدلتها يعرف المتمكن المذاهب على وجهها ، والراجح من المرجوح ، ويتضح له ، ولغيره المشكلات ، وتظهر الفوائد النفيسات ، ويتدرب الناظر فيها بالسؤال ، والجواب ، ويتفتح ذهنه ، ويتميز عند ذوي البصائر ، والألباب ، ويعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ، والدلائل الراجحة من المرجوحة ، ويقوم بالجمع بين الأحاديث المتعارضات ، والمعمول بظاهرها من المؤولات ، ولا يشكل عليه إلا أفراد من النادر .

                                      وأكثر ما أنقله من مذاهب العلماء من ( كتاب الإشراف ، والإجماع ) لابن المنذر ، وهو الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الشافعي ، القدوة في هذا الفن ، ومن كتب أصحاب أئمة المذاهب ، ولا أنقل من كتب أصحابنا من ذلك إلا القليل ; لأنه وقع في كثير من ذلك ما ينكرونه .

                                      وإذا مررت باسم أحد من أصحابنا أصحاب الوجوه أو غيرهم أشرت إلى بيان اسمه ، وكنيته ، ونسبه ، وربما ذكرت مولده ، ووفاته ، وربما ذكرت [ ص: 20 ] طرفا من مناقبه ، والمقصود بذلك : التنبيه على جلالته ، وإذا كانت المسألة أو الحديث أو الاسم أو اللفظة أو نحو ذلك له موضعان يليق ذكره فيهما ذكرته في أولهما ، فإن ، وصلت إلى الثاني نبهت على أنه تقدم في الموضع الفلاني ، وأقدم في أول الكتاب أبوابا ، وفصولا تكون لصاحبه قواعد ، وأصولا ، أذكر فيها إن شاء الله نسب الشافعي رحمه الله وأطرافا من أحواله ، وأحوال المصنف الشيخ أبي إسحاق رحمه الله وفضل العلم ، وبيان أقسامه ، ومستحقي فضله ، وآداب العالم ، والمعلم ، والمتعلم ، وأحكام المفتي ، والمستفتي ، وصفة الفتوى ، وآدابها ، وبيان القولين ، والوجهين ، والطريقين ، وماذا يعمل المفتي المقلد فيها ، وبيان صحيح الحديث ، وحسنه ، وضعيفه ، وغير ذلك مما يتعلق به كاختصار الحديث ، وزيادة الثقات ، واختلاف الرواة في رفعه ، ووقفه ، ووصله ، وإرساله ، وغير ذلك ، وبيان الإجماع ، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ، وبيان الحديث المرسل ، وتفصيله ، وبيان حكم قول الصحابة : أمرنا بكذا أو نحوه ، وبيان حكم الحديث الذي نجده يخالف نص الشافعي رحمه الله وبيان جملة من ضبط الأسماء المتكررة أو غيرها كالربيع المرادي ، والجيزي ، والقفال ، وغير ذلك ، والله أعلم .

                                      ثم إني أبالغ إن شاء الله تعالى في إيضاح جميع ما أذكره في هذا الكتاب ، وإن أدى إلى التكرار ، ولو كان واضحا مشهورا ، ولا أترك الإيضاح ، وإن أدى إلى التطويل بالتمثيل ، وإنما أقصد بذلك النصيحة ، وتيسير الطريق إلى فهمه ، فهذا هو مقصود المصنف الناصح ، وقد كنت جمعت هذا الشرح مبسوطا جدا بحيث بلغ إلى آخر باب الحيض ثلاث مجلدات ضخمات ، ثم رأيت أن الاستمرار على هذا المنهاج يؤدي إلى سآمة مطالعه ، ويكون سببا لقلة الانتفاع به لكثرته ، والعجز عن تحصيل نسخة منه ، فتركت ذلك المنهاج .

                                      فأسلك الآن طريقة متوسطة إن شاء الله تعالى لا من المطولات ، ولا من المختصرات المخلات ، وأسلك فيه أيضا مقصودا صحيحا ، وهو أن ما كان من الأبواب التي لا يعم الانتفاع بها لا أبسط الكلام فيها لقلة الانتفاع بها ، وذلك ككتاب ( اللعان ) ، وعويص الفرائض ، وشبه ذلك ، لكن لا بد من ذكر مقاصدها .

                                      [ ص: 21 ] واعلم أن هذا الكتاب ، وإن سميته ( شرح المهذب ) فهو شرح للمذهب كله بل لمذاهب العلماء كلهم ، وللحديث ، وجمل من اللغة ، والتاريخ ، والأسماء ، وهو أصل عظيم في : معرفة صحيح الحديث ، وحسنه ، وضعيفه ، وبيان علله ، والجمع بين الأحاديث المتعارضات ، وتأويل الخفيات ، واستنباط المهمات ، واستمدادي في كل ذلك ، وغيره اللطف والمعونة من الله الكريم ، الرءوف ، الرحيم ، وعليه اعتمادي ، وإليه تفويضي ، واستنادي .

                                      أسأله سلوك سبيل الرشاد ، والعصمة من أحوال أهل الزيغ ، والعناد ، والدوام على جميع أنواع الخير في ازدياد ، والتوفيق في الأقوال ، والأفعال للصواب ، والجري على آثار ذوي البصائر ، والألباب ، وأن يفعل ذلك بوالدينا ، ومشايخنا ، وجميع من نحبه ، ويحبنا ، وسائر المسلمين إنه الواسع الوهاب ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ، وإليه متاب . حسبنا الله ، ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية