الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 108 ] السابعة : إذا أخبر واحد بحضرة خلق كثير ، لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب ، ولم يكذبوه وعلم أنه لو كان كذبا لعلموه ، ولا حامل لهم على سكوتهم ، كالخوف والطمع ، يدل على صدقه قطعا . قاله القاضي أبو الطيب ، وسليم ، والشيخ أبو إسحاق ، والأستاذ أبو منصور ، وإمام الحرمين ، وابن القشيري ، والغزالي ، وابن الصباغ ، واختاره ابن الحاجب . قال الأستاذ : وبهذا النوع أثبتنا كثيرا من معجزات الرسول . قال ابن الصباغ : لكن العلم بذلك نظري ، بخلاف المتواتر ، فإنه ضروري ، وقيل : ليس صدقه قطعيا ، واختاره الإمام الرازي والآمدي ; لجواز أن يكون لهم اطلاع على كذبه أو صدقه ، أو اطلع بعضهم دون بعض ، والعادة لا تحيل سكوت هذا البعض ، وبتقدير اطلاع الكل يحتمل أن مانعا منعهم من التصرف بتكذيبه ، ومع هذه الاحتمالات يمتنع القطع بتصديقه . وهذه الاحتمالات ضعيفة ; لأن المسألة مفروضة عند انتفائها كما نبه عليه ابن الحاجب وغيره ، فحينئذ سكوتهم بمثابة قولهم : صدقت .

                                                      وفصل القاضي في التقريب " وابن القشيري فقالا : إن أخبر بأمر ضروري دل على الصدق ، وإن أخبر بأمر نظري ، فسكتوا لم يكن سكوتهم بمثابة تصريحهم بالحكم ; لأن المحل محل الاجتهاد . وفصل ابن السمعاني بين أن يتمادى على ذلك الزمن الطويل ، ولا يظهر منهم منكر ، فيدل على الصدق ، وإلا فلا . قال : وألحق به بعضهم أن يكون الخبر مضافا إلى حال قد شاهدها كثير من الناس ، ثم يرويه واحد [ ص: 109 ] واثنان ، ويسمع برواياته سائر من شهد الحال ، فلا يكره ، فيدل ترك إنكارهم له على صدقه ; لأنه ليس في جاري العادة إمساكهم جميعا عن رد الكذب ، وترك الإنكار ، وقال : وعلى هذا وردت أكثر سير النبي عليه السلام ، وأكثر أحواله في مغازيه . قال : وهذا وجه حسن جدا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية