الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6418 [ ص: 131 ] 16 - باب: لم يحسم النبي - صلى الله عليه وسلم - المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا

                                                                                                                                                                                                                              6803 - حدثنا محمد بن الصلت أبو يعلى ، حدثنا الوليد ، حدثني الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أبي قلابة ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا . [ انظر : 233 - مسلم : 1671 - فتح 12 110 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ساق فيه حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا .

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفنا في الباب قبله سبب عدم حسمهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقطع يد رجل سرق ، ثم قال :" احسموها " . وفي إسناده مقال .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف العلماء في فعله - عليه السلام - بالعرنيين ، فقالت طائفة من السلف : كان هذا قبل نزول الآية في المحاربين ، ثم نزلت الحدود بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونهى عن المثلة ، فنسخ حديث العرنيين ، روي هذا عن ابن سيرين وسعيد بن جبير وأبي الزناد ، وقالت طائفة : إنه غير منسوخ ، وفيهم نزلت آية المحاربين ، وإنما فعل بهم الشارع ما فعل قصاصا ؛ لأنهم فعلوا بالرعاء مثل ذلك ، ذكره أهل السير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب : أن العرنيين قتلوا يسارا راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم مثلوا به ، واستاقوا اللقاح ، وذكر ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبد الرحمن قال : أصاب رسول

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 132 ] الله في غزوة محارب وبني ثعلبة عبدا يقال له : يسار ، فجعله في لقاح له يرعى في ناحية الماء ، فخرجوا إليها ، فقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من قريش فلما استوبئوا المدينة وطلحوا فأمرهم أن يخرجوا إلى اللقاح يشربوا من أبوالها وألبانها ، فخرجوا إليها ، فلما صحوا وانطوت بطونهم عدوا على راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسار فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه
                                                                                                                                                                                                                              ، وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي من حديث أنس قال : إنما سمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العرنيين ؛ لأنهم سملوا أعين الرعاء ثم قال : حديث غريب .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية لأبي الشيخ في كتاب " القطع والسرقة " عنه : سمل رسول الله منهم اثنين وقطع اثنين وصلب اثنين ، وفي رواية : كان وقع بالمدينة الموم وهو البرسام فاستوبئوها . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : كانوا من مزينة ، وفي رواية من سليم .

                                                                                                                                                                                                                              وبنو عرينة من بجيلة ، وأنه أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم ، وما مثل قبل ولا بعد ، ونهى عن المثلة .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال : فلما اختلفوا في تأويل هذا الحديث أردنا أن نعلم أي التأويلين أولى ؟ فوجدناه قد صحب حديث العرنيين عمل من الصحابة ، فدل أنه غير منسوخ ، وروي عن الصديق أنه حرق عبد الله بن إياس بالنار حيا ؛ لارتداده ومقاتلته الإسلام ، وحرق علي الزنادقة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 133 ] وفي " علل ابن أبي حاتم " : حرق علي قوما من الزط اتخذوا صنما . وقال علي :

                                                                                                                                                                                                                              لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا



                                                                                                                                                                                                                              وقال بعضهم : ذكر فعل علي أنشده الثمالي :

                                                                                                                                                                                                                              لترم بي من المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين
                                                                                                                                                                                                                              إذا ما أججوا حطبا ونارا رأيت الموت نقدا غير دين

                                                                                                                                                                                                                              وقد رأى جماعة من العلماء حريق مراكب العدو ، وفيها أسرى المسلمين ورجموا الحصون بالمناجيق والنار ، وتحريق من فيها من الذراري .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : وهذا كله يدل على أن نهيه عن المثلة ليس نهي تحريم ، وإنما هو على الندب والحض ، فوجب أن يكون فعله بالعرنيين غير مخالف للآية .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن المنذر أن بعض أهل العلم قالوا : حكمه - عليه السلام - في العرنيين ثابت لم ينسخه شيء ، وقد حكم الله في كتابه بأحكام ، وحكم رسوله بها وزاد في الحكم ما لم يذكر فيها ، هذا الزاني أوجب الله عليه جلد مائة ، وزاد رسوله نفي عام ، وأوجب تعالى اللعان بين المتلاعنين ، وفرق الشارع بينهما وذلك ليس في كتاب الله ، وألحق الولد بالأم ونفاه عن الزوج ، وأجمع العلماء على قبول ذلك والأخذ به .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 134 ] فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              الحسم : القطع ، ذكره في " المحكم " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " الأفعال " حسم العرق حسما : كواه بالنار لينقطع دمه ، وقال صاحب " العين " : حسمت الشيء : قطعته .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية