الآية السادسة :
قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=17240_19090_19088_10926قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى : قد قدمنا ذكر الفواحش في سورة النساء ، وأما ما ظهر منها وما بطن وهي المسألة الثانية .
[ ص: 313 ]
المسألة الثانية : فإن كل فاحشة ظاهرة للأعين ، أو ظاهرة بالأدلة ، كما ورد النص فيه أو وقع الإجماع عليه ، أو قام الدليل الجلي به ، فينطلق عليها اسم الظاهرة . والباطنة كل ما خفي عن الأعين ، ويقصد به الاستتار عن الخلق ; أو خفي بالدليل ; كتحريم نكاح المتعة والنبيذ على أحد القولين ونحو ذلك في الصنفين ;
فإن النبيذ وإن كان مختلفا فيه فإن تحريمه جلي في الدليل ، قوي في التأويل . وفي الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29791لا أحد أغير من الله } . ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
المسألة الثالثة : قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31الإثم } : وهو عبارة عن الذم الوارد في الفعل ، أو الوعيد المتناول له ; فكل مذموم شرعا أو فعل وارد على الوعيد فيه ، فإنه محرم وهو حد المحرم وحقيقته . وأما البغي ، وهو المسألة الرابعة .
المسألة الرابعة البغي : فهو تجاوز الحد .
ووجه ذكرهما بعد دخولهما في جملة الفواحش للتأكيد لأمرهما بالاسم الخاص بعد دخولهما في الاسم العام قصد الزجر ، كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=68فيهما فاكهة ونخل ورمان } فذكر النخل والرمان بالاسم الخاص بعد دخولهما في الاسم العام على معنى الحث .
المسألة الخامسة :
لما قال الله في سورة البقرة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } قال قوم : إن الإثم اسم من أسماء الخمر ، وإن المراد بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم } الخمر ، حتى قال الشاعر :
[ ص: 314 ] شربت الإثم حتى زال عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول
وهذا لا حجة فيه ; لأنه لو قال : شربت الذنب ، أو شربت الوزر ، لكان كذلك ، ولم يوجب قوله أن يكون الوزر والذنب اسما من أسماء الخمر ، كذلك هذا . والذي أوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة وبطريق الأدلة في المعاني . والله الموفق .
الْآيَةُ السَّادِسَةُ :
قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=17240_19090_19088_10926قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ الْفَوَاحِشِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ .
[ ص: 313 ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فَإِنَّ كُلَّ فَاحِشَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلْأَعْيُنِ ، أَوْ ظَاهِرَةٍ بِالْأَدِلَّةِ ، كَمَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ أَوْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ ، أَوْ قَامَ الدَّلِيلُ الْجَلِيُّ بِهِ ، فَيَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ الظَّاهِرَةِ . وَالْبَاطِنَةُ كُلُّ مَا خَفِيَ عَنْ الْأَعْيُنِ ، وَيُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِتَارُ عَنْ الْخَلْقِ ; أَوْ خَفِيَ بِالدَّلِيلِ ; كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالنَّبِيذِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الصِّنْفَيْنِ ;
فَإِنَّ النَّبِيذَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِيهِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ جَلِيٌّ فِي الدَّلِيلِ ، قَوِيٌّ فِي التَّأْوِيلِ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29791لَا أَحَدَ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ } . وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31الْإِثْمَ } : وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّمِّ الْوَارِدِ فِي الْفِعْلِ ، أَوْ الْوَعِيدِ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ ; فَكُلُّ مَذْمُومٍ شَرْعًا أَوْ فِعْلٍ وَارِدٍ عَلَى الْوَعِيدِ فِيهِ ، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ وَهُوَ حَدُّ الْمُحَرَّمِ وَحَقِيقَتُهُ . وَأَمَّا الْبَغْيُ ، وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْبَغْيُ : فَهُوَ تَجَاوُزُ الْحَدِّ .
وَوَجْهُ ذِكْرِهِمَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي جُمْلَةِ الْفَوَاحِشِ لِلتَّأْكِيدِ لِأَمْرِهِمَا بِالِاسْمِ الْخَاصِّ بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي الِاسْمِ الْعَامِّ قَصْدَ الزَّجْرِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=68فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } فَذَكَرَ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ بِالِاسْمِ الْخَاصِّ بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي الِاسْمِ الْعَامِّ عَلَى مَعْنَى الْحَثِّ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ :
لَمَّا قَالَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يَسْأَلُونَك عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } قَالَ قَوْمٌ : إنَّ الْإِثْمَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ ، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ } الْخَمْرَ ، حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 314 ] شَرِبْت الْإِثْمَ حَتَّى زَالَ عَقْلِي كَذَاك الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : شَرِبْت الذَّنْبَ ، أَوْ شَرِبْت الْوِزْرَ ، لَكَانَ كَذَلِكَ ، وَلَمْ يُوجِبْ قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الْوِزْرُ وَالذَّنْبُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ ، كَذَلِكَ هَذَا . وَاَلَّذِي أَوْجَبَ التَّكَلُّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ بِاللُّغَةِ وَبِطَرِيقِ الْأَدِلَّةِ فِي الْمَعَانِي . وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .