الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6500 [ ص: 384 ] 20 - باب: دية الأصابع

                                                                                                                                                                                                                              6895 - حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" هذه وهذه سواء " ، يعني : الخنصر والإبهام .

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه . [ فتح: 12 \ 225 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" هذه وهذه سواء " يعني : الخنصر والإبهام .

                                                                                                                                                                                                                              وعنه : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، نحوه .

                                                                                                                                                                                                                              هذان الطريقان ذكرهما من حديث شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا ، وكأنه ساق الثاني لتصريح ابن عباس بسماعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن ( كان ) روايته عنه بلفظ : عن ، متصلة أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              والخنصر - بالكسر - : الأصبع الصغرى .

                                                                                                                                                                                                                              وذكره ابن أبي حاتم في " علله " من حديث عبيد الله بن موسى ، عن همام ، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه ابن حزم من حديث محمد بن سليمان المنقري ، ثنا سليمان بن داود ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" في الأصابع عشر عشر " ثم قال : هذا حديث صحيح لإدخاله فيه المنقري ثقة ، وسليمان بن داود

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 385 ] هو الهاشمي
                                                                                                                                                                                                                              أحد الأئمة من نظراء أحمد بن حنبل وابن زريع لا يسأل عنه ، وسماع ( سعيد ) صحيح ؛ لأنه سمع من أيوب ، وقد روينا من طريق ابن وضاح : حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا شعبة ، فذكر الحديث الأول بلفظ :" هذه وهذه سواء " وجمع بين إبهامه وخنصره .

                                                                                                                                                                                                                              ومن طريق أبي داود بإسناد شعبة :" الأصابع سواء ، والأسنان سواء ، الثنية والضرس سواء هذه وهذه ( سواء )" . قال ابن حزم : لا نعلم في الديات في الأعضاء أثر يصح في توقيتها وبيانها إلا هذا . قلت : قال علي بن المديني وأحمد في " عللهما " : ثنا قريش بن أنس قال : حلف لي سعيد بن أبي عروبة بالله ما ( كتب ) عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البزار في " سننه " : يحدث عن جماعة ولم يسمع منهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الآجري عن أبي داود : كان ابن أبي عروبة في الاختلاط يقول : ( عن ) قتادة عن أنس أو أنس عن قتادة وقوله : لا نعلم . . إلى آخره ، قد صح فيه حديث آخر ذكره آدم بن أبي إياس العسقلاني تلميذ شعبة في كتاب شعبة بن الحجاج قال : حدثنا غالب التمار ، عن حميد بن هلال ، عن أوس بن مسروق التميمي ، عن أبي موسى [ ص: 386 ] الأشعري : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" الأصابع كلها سواء " قال شعبة : فقلت لغالب : عشر عشر ، فقال : نعم ، ولما رواه أبو داود أدخل حميدا بين غالب ومسروق .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي الوليد ، عن شعبة ، عن غالب ، عن مسروق ، قال أبو داود : رواه غندر ، عن شعبة ، عن غالب ( قال ) : سمعت مسروقا ، ورواه النسائي عن أبي الأشعث ، عن خالد ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن مسروق ، وقال ابن عساكر : الصواب والصحيح : مسروق بن أوس . قلت : وغالب هو : ابن مهران التمار ، وثقه ابن سعد ، وذكره ابن حبان وغيره في " الثقات " ، وقال أبو حاتم الرازي : صالح الحديث ، وحميد حديثه في الصحيحين ، وأوس بن مسروق ذكره ابن حبان في " ثقاته " وخرج له مع ابن خزيمة في " صحيحيهما " .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي عاصم في " الديات " بإسناد جيد من حديث الأسود بن عامر ، عن حماد ( بن سلمة ) ، عن قتادة به ، [ و ] عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أنه - عليه السلام - قضى في العين القائمة إذا بخست ، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ، والسن السوداء إذا كسرت ثلث الدية . قال الأسود : ثلث ديتها ليس

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 387 ] ثلث دية النفس . قال : وثناه أبو بكر ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، ( ورواه ابن أبي عاصم من حديث يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن قتادة ) ، عن عكرمة . [ و ] عن سعيد بن المسيب قال : بعث مروان إلى ابن عباس يسأله عن الأصابع فقال : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليد خمسين فريضة في كل أصبع عشرة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ثبت في كتاب الديات الذي كتبه سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآل عمرو بن حزم أنه قال :" في اليد خمسون من الإبل : في كل أصبع عشر من الإبل " وأجمع العلماء على أن في اليد نصف الدية ، وأصابع اليد والرجل سواء ، وعلى هذا أئمة الفتوى ، ولا فضل لبعض الأصابع عندهم على بعض .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : روينا ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت ، وجاءت رواية شاذة عن عمر وعروة وابن الزبير بفضل بعض الأصابع على بعض .

                                                                                                                                                                                                                              روى الثوري وحماد بن زيد ، عن يحيى ، عن سعيد بن المسيب أن عمر - رضي الله عنه - جعل في الإبهام خمس عشرة ، وفي البنصر تسعا ، وفي الخنصر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 388 ] ستا ، وفي السبابة والوسطى عشرا عشرا ، حتى وجد في كتاب " الديات " عند آل عمرو بن حزم : أنه - عليه السلام - قال :" الأصابع كلها سواء " فأخذ به ، وترك قوله الأول
                                                                                                                                                                                                                              ، ورواه جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب قال : قضى عمر - رضي الله عنه - في الإبهام بثلاث عشرة ، والتي تليها ثنتي عشرة ، وفي الوسطى بعشر ، وفي التي تليها ( بتسع ) ، وفي الخنصر بست ، وروى معمر ، عن هشام ، عن عروة ، عن أبيه قال : إذا قطعت الإبهام والتي تليها ففيها نصف دية اليد ، فإذا قطعت إحداهما ففيها عشر من الإبل ، ولم يلتفت أحد من الفقهاء إلى هذين القولين ؛ لما ثبت عن صاحب الشريعة أنه قال :" هذه وهذه سواء "- يعني : الخنصر والإبهام - وحديث عمرو بن حزم :" في كل إصبع عشر من الإبل " .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن المنذر ، عن الشعبي قال : كنت جالسا مع شريح إذ أتاه رجل فقال : أخبرني عن دية الأصابع ؟ فقال : في كل إصبع عشر من الإبل ، فقال : سبحان الله ، أسواء هي ؟- يعني : الإبهام والخنصر - قال : ويحك ، إن السنة منعت قياسكم ، اتبع ولا تبتدع ، فإنك لن تضل ما أخذت بالسنن ، سواء أذناك ويداك تغطيهما العمامة والقلنسوة وفيها نصف الدية ، وفي اليد نصف الدية .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : باليقين ندري أنه ليس هنا إلا عمد أو خطأ ، وقد صح عن الشارع أنه قال :" رفع عن أمتي الخطأ " وقال جل وتعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم [ الأحزاب : 5 ] ، فكان ممكنا أن يستثني كل واحد منهما من الآخر ، فيمكن أن يكون

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 389 ] المراد بـ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، و" رفع عن أمتي الخطأ " إلا في دية الأصابع ، وكان يمكن أن يكون المراد في الأصابع عشر عشر خاصة في العمد لا في الخطأ ، ولم يجز لأحد أن يصير إلى أخذ الأشباه إلا بنص أو إجماع ؛ لأنه خبر عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد وجدنا الناس مختلفين ؛ فطائفة قالت : لا شيء في العمد - يعني : في الأصابع - إلا القود فقط ، ولا دية هنالك .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت أخرى : فيه القود أو الدية ، ووجدنا الاختلاف في وجود الدية في العمد في ذلك ، ثم رجعنا إلى الخطأ في ذلك فلم نجد إجماعا متفقا على وجوب الدية في الخطأ في ذلك ، ثم وجدنا القائلين بالدية في غير ذلك مختلفين فيما دون الثلث ، فطائفة قالت : هي في مال الجاني ، وأخرى قالت : هي على عاقلته ، فلم نجد إجماعا هنا في هذا ، فبطل أن يجب في الخطأ في ذلك شيء ؛ لأنه لا نص بين هذه العشرة على من هي ؟ وإذا لم يبين بالنص والإجماع على من هي ؟ فمن الباطل أن يكون الله يلزمنا غرامة لا يبين لنا من هو الملتزم ( بها ) ، فسقط أن يكون في الخطأ غرامة أصلا فيما دون النفس ، ورجعنا إلى العمد فلم يكن بد من إيجاب الدية - دية الأصابع - كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما على العامد وإما على المخطئ ، أو على عاقلته بنصوص القرآن التي أوردناها ، فلم يبق إلا العامد ، فالدية في ذلك واجبة على العامد بلا شك إذ لم يبين إلا هو .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 390 ] وأيضا ، فإن الله تعالى يقول : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى : 40 ] وكان العامد مسيئا بسيئة ، فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها ، والدية إذا أوجبها الله على لسان رسوله وفي إساءة مسيء فهي مثل سيئة ذلك المسيء بلا شك ، وكذلك الحدود إذا أمر الله - عز وجل - بها أيضا ، فإذا كانت المماثلة بالقود في الأصابع وجبت المماثلة بالدية في ذلك ، وفي حديث ابن المسيب : أن عمر - رضي الله عنه - قضى في الإبهام بخمس عشرة إلى آخر ما سلف ، ووافقه على الأول غيره كما سلف .

                                                                                                                                                                                                                              وعن علي : الأصابع عشر عشر ، وسلف ما قاله الشعبي ، وعن مسروق كذلك قال ، ورويناه أيضا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، وزيد بن ثابت قال : وليعلم العالمون أنه لم يأت عن أحد من الصحابة أن هذه الدية في الخطأ ، وأعجب من ذلك من لا يرى هذه الدية في العمد أصلا ، ولا يراها إلا في الخطأ ، فعكس الحق عكسا .

                                                                                                                                                                                                                              وأما مفاصل الأصابع ، فروينا من حديث قتادة عن عكرمة ، عن عمر - رضي الله عنه - أنه قضى في كل أنملة بثلث دية الأصابع .

                                                                                                                                                                                                                              وعن سليمان بن موسى قال : في كتاب عمر بن عبد العزيز إلى الأجناد في كل قصبة من قصب الأصابع قطع أو شلت ثلث دية الأصابع ، إلا ما كان من إبهامها فإنما لها قصبتان ، ففي كل قصبة من الإبهام نصف ديتها ، وعن إبراهيم مثله .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : ولا نعرف في هذا خلافا . والذي نقول به ( هو ) أنه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 391 ] - عليه السلام - حكم في كل أصبع بعشر من الإبل ، فواجب لا شك أن العشر المذكورة تقابل للأصبع ، ففي كل جزء من الأصبع جزء من العشر ، وأما الأصبع تشل فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" في الأصابع عشر عشر " فهذا عموم لا يخرج منه إلا ما أخرجه نص أو إجماع .

                                                                                                                                                                                                                              وقد قيل : إن شلل الأصابع دية كاملة . والواجب القول بذلك ؛ لعموم النص الذي ذكرنا ، وأما كسره فيفتق صباح أو عشاء فلا شيء فيه عندنا ، وهذا النص الذي ذكرناه يقتضي أن أصابع اليدين والرجلين سواء ؛ لعموم ذكر الأصابع . وروينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن رجل ، عن مكحول ، عن زيد بن ثابت أنه قال : في الأصبع الزائدة ثلث دية الأصبع . قال معمر : يعني : أن الأصبع الزائدة والسن الزائدة ثلث ديتها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال آخرون : فيها حكم . وقال آخرون : لا شيء فيها . وفي حديث عمرو بن شعيب قال : كان في كتاب أبي بكر وعمر أن في الرجل إذا يبست فلم يستطع أن يبسطها ، أو بسطها فلم يستطع أن يقبضها ، أو لم تنل الأرض ، ففيها نصف الدية ، فإن نال منها شيء الأرض فبقدر ما نقص منها . وفي اليد إذا لم يأكل بها ولم يشرب بها ولم يأتزر بها ، ففيها نصف الدية .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : كان يقال : إذا كسرت اليد أو الرجل ثم برأت ولم ينقص منها شيء أرشها مائة وثمانون درهما ، وعن عبد الله بن ذكوان أن عمر - رضي الله عنه - قضى في رجل كسرت ساقه وجبرت

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 392 ] واستقامت بعشرين دينارا . وقال شريح : على الكاسر أجر الجابر . وعن زيد بن ثابت في الساق تكسر خمسون دينارا ، وإذا برأت على عثم ففيها خمسون دينارا . وقال سليمان بن يسار : فيها قلوصان . وقال الحسن : يرضخ له شيء . وإذا قطعت اليد الشلاء ففيها ثلث الدية ، قاله سعيد بن المسيب وإبراهيم وعمر بن الخطاب وابن عباس . وقال مسروق وإبراهيم : فيها حكم . وعن علي وعمر بن عبد العزيز وزيد بن ثابت : في الرجل نصف الدية .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث عكرمة بن خالد عن رجل من آل عمر ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" في الرجل خمسون " وقاله الشعبي عن ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " الموطأ " عن ربيعة قال : سألت ابن المسيب عن ( . . .) كم في أصبع المرأة ؟ فقال : عشر من الإبل . قلت : فكم في أصبعين ؟ فقال : عشرون من الإبل . قلت : فكم في ثلاث ؟ فقال : ثلاثون من الإبل . فقلت : فكم في أربع ؟ قال : عشرون من الإبل . فقلت : حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها ! فقال سعيد ، أعراقي أنت ؟ قلت : بل عالم متثبت أو جاهل متعلم ، فقال سعيد : هي السنة يا ابن أخي .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية