الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 234 ] المذاهب في الزيادة من الراوي إذا اتحد المجلس ] الحالة الثالثة : أن يتحد المجلس ، وينقل بعضهم الزيادة ، ويسكت بعضهم عنها ، ولا يصرح بنفيها ، وفي المسألة مذاهب . أحدها : وهو قول الجمهور من الفقهاء والمحدثين أنها مقبولة مطلقا ، سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا ، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا ، وسواء أوجب نقصا ثبت بخبر ليس فيه تلك الزيادة أم لا ، وسواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه مرة ناقصا ، ومرة بتلك الزيادة ، أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا ، وهي كالحديث التام ، ينفرد به الثقة ، فالزيادة أولى ; لأنها غير مستقلة ، بل تابعة ، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر الأعرابي عن رؤية الهلال ، مع انفراده برؤيته ، وقبل خبر ذي اليدين وأبي بكر وعمر ، وإن انفردوا عن جميع الحاضرين .

                                                      قال ابن السمعاني : ولا فرق بين أن يسند الراوي للزيادة والتارك لها ما روياه إلى مجلس واحد أو إلى مجلسين ، أو يطلقا إطلاقا . فتقبل إلا في صورة واحدة ، وهي أن التارك للزيادة لو كانوا جماعة لا يجوز عليهم الغفلة عنها ، وكان المجلس واحدا أن لا يقبل رواية راوي الزيادة ، ونحوه قول ابن الصباغ في " العدة " : إنما يقبل بشرط أن لا يكون من نقل الزيادة واحد ، ومن رواه ناقصا جماعة ، لا يجوز عليهم الوهم ، فإن كان كذلك سقطت ، هذا إذا روياه عن مجلس واحد . قال : فإن روياه عن مجلسين فإن كانا خبرين عمل بهما ، قال : فإن كان الناقل لها عددا [ ص: 235 ] كثيرا فهي مقبولة ، وإن كان كل منهما واحدا فالأخذ برواية الضابط منهما ، وإن كانا ضابطين ثقتين كان الأخذ بالزيادة أولى ، وكلام الإمام في " المحصول " قريب من هذا التفصيل . ونحوه قول الآمدي : إذا اتحد المجلس ، فإن كان من لم يرو الزيادة قد انتهى إلى حد لا يقضي في العادة بغفلة مثله عن سماعها ، والذي رواها واحد ، فهي مردودة ، وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد فاتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة ، خلافا لجماعة من المحدثين ، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه . ا هـ . وكذلك قال ابن الحاجب والقرافي وغيرهما ، وخالفهم آخرون ، فأطلقوا القول بقبول الزيادة مطلقا ، وحكاه القاضي عبد الوهاب في " الملخص " عن مالك وأبي الفرج من أصحابه ، وأصحاب الشافعية ، وأجرى عليه الإطلاق أبو الحسين بن القطان ، وإمام الحرمين في " البرهان " ، والغزالي في " المستصفى " ، وقال : سواء كانت الزيادة من حيث اللفظ أو المعنى ، والشيخ أبو إسحاق في " اللمع " وابن برهان . وقال ابن القشيري بعد حكاية الخلاف والتفصيل : والاختيار قبول الزيادة من الثقة في جميع الأحوال .

                                                      واعلم أن إمام الحرمين وغيره أطلقوا النقل عن الشافعي . بقبول الزيادة من غير تعرض لشيء من الشروط . وسيأتي في بحث المرسل من كلام [ ص: 236 ] الشافعي أن الزيادة من الثقة ليست مقبولة مطلقا ، وهو أثبت نقل عنه في المسألة . وسنذكر قريبا عن نصه في " الأم " أنها لا تقبل إذا خالف الأحفظ والأكثر . الثاني : لا يقبل مطلقا ، وعزاه ابن السمعاني لبعض أهل الحديث . ونقل عن معظم الحنفية . ونقل الإمام عن الشافعي أنه قال : من تناقض القول الجمع بين قبول رواية القراءة الشاذة في القرآن ، ورد الزيادة التي ينفرد بها بعض الرواة ، وحق القرآن أن ينقل تواترا بخلاف الأخبار . وما كان أصله التواتر ، وقبل فيه زيادة الواحد ، فلأن يقبل فيما سواه الآحاد أولى ، وحكاه القاضي عبد الوهاب عن أبي بكر الأبهري وغيره من أصحابهم . قال : وعلى هذا بنوا الكلام في الزيادة المروية في حديث عدي بن حاتم : { وإن أكل فلا تأكل } .

                                                      والثالث : الوقف ; لأن في كل واحد من الاحتمالات بعدا ، والأصل وإن كان عدم الصدور ، لكن الأصل أيضا صدق الراوي . وإذا تعارضا وجب التوقف . حكاه الهندي . والرابع : إن كان غيره لا يغفل مثله عن مثلها عادة لم تقبل ، وإلا قبلت ، وهو قول الآمدي وابن الحاجب . والخامس : إن كان غيره لا يغفل ، أو كانت الدواعي لا تتوفر على [ ص: 237 ] نقلها ، وإليه يميل كلام ابن السمعاني كما سبق . والسادس : أنها لا تقبل ممن رواه ناقصا ، ثم رواه بتلك الزيادة أو رواه بالزيادة ثم رواه ناقصا ، وتقبل من غيره من الثقات . نقله ابن القشيري ، والقاضي في " التقريب " عن فرقة من الشافعية ، وذكر ابن الصباغ في ، العدة " فيما إذا روى الواحد خبرا ثم رواه بعد ذلك بزيادة ، فإن ذكر أنه سمع كل واحد من الخبرين في مجلس قبلت الزيادة ، وإن عزى ذلك إلى مجلس واحد ، أو تكررت روايته بغير زيادة ، ثم روى الزيادة ، فإن قال : كنت نسيت هذه الزيادة قبل منه ، وإن لم يقل ذلك وجب التوقف في الزيادة . وقال أبو الحسين في " المعتمد " : إن أسند الروايتين إلى مجلسين قبل ، وهذا إن لم يعلم الحال حمل على التعدد ، وإن علم أنه لم يسندها إلى مجلسين ، وكان قد روى الخبر دفعات كثيرة من غير زيادة ، ورواه مرة واحدة بالزيادة ، فالأغلب أنه سها في إثبات الزيادة ; ولأن سهو الإنسان مرة واحدة أغلب من سهوه مرارا كثيرة ، فإن قال : كنت قد أنسيت هذه الزيادة والآن ذكرتها ، قبلت الزيادة ، وحمل أمره على الأقل النادر ، وإن كان إنما رواها مرة واحدة بروايتها مرة ، فإن كانت الزيادة تغير إعراب الكلام تعارضت الروايتان ، وإن كانت الزيادة لا تغير اللفظ احتمل أن يتعارضا ; لأنه على كل حال قد وهم .

                                                      قال : وهذا إذا لم يقارنه استهانة ، فلو روى الحديث تارة بالزيادة وتارة بحذفها استهانة وقلة تحفظ ، سقطت عدالته ولم يقبل حديثه . السابع : إن كانت الزيادة تغير إعراب الباقي ، كما لو روى راو في أربعين شاة شاة ، وروى الآخر نصف شاة ، لم يقبل ، ويتعارضان ، وهو الحق عند الإمام الرازي وأتباعه ، وحكاه الهندي عن الأكثرين . قال : [ ص: 238 ] لأن كل واحد منهما يروي غير ما رواه الآخر ، فيكون منافيا له معارضا ، فلا يقبل إلا بعد الترجيح . قال : وخالف أبو عبد الله البصري والمزي ، وفي " المعتمد " لأبي الحسين : قبل أبو عبد الله البصري الزيادة سواء أثرت في اللفظ أم لا ، إذا أثرت في المعنى ، وقبلها القاضي عبد الجبار إذا أثرت في المعنى دون اللفظ ، ولم يقبلها إذا أثرت في إعراب اللفظ .

                                                      الثامن : أنها لا تقبل إلا إذا أفادت حكما شرعيا ، حكاه القاضي عبد الوهاب . فلو لم تفد حكما لم تعتبر ، كقولهم : في محرم وقصت به ناقته في أخافيق جرذان . قال : فإن ذكر الموضع لا يتعلق به حكم شرعي ، وهذا حكاه ابن القشيري ، فقال : وقيل : إنما تقبل إذا اقتضت فائدة جديدة . التاسع : عكسه ، أنها تقبل إذا رجعت إلى لفظ لا يتضمن حكما زائدا كما حكاه ابن القشيري . العاشر : تقبل لو كانت باللفظ دون المعنى ، حكاه القاضي أبو بكر في " التقريب " ويحتمل أنه الذي قبله . الحادي عشر : بشرط أن يكون راويها حافظا ، وهو قول أبي بكر الخطيب ، والصيرفي . قال الصيرفي : وهو حينئذ بمعنى من نقل تلك الزيادة مستقلا بها ، لا شريك معه في الرواية . ثم قال : والحاصل : أن كل من لو انفرد بحديث يقبل فإن زيادته مقبولة ، وإن خالف الحفاظ . الثاني عشر : إن تكافأ الرواة في الحفظ والإتقان ، وزاد حافظ عالم بالأخبار زيادة ، قبلت ، وإن كان لا يلحقهم في الحفظ لم تقبل ، وهو قول [ ص: 239 ] ابن خزيمة في صحيحه ، ويحتمل رجوعه لما قبله ، وإنما اختلفت العبارة . الثالث عشر : إن كان ثقة ، ولم يشتهر بنقل الزيادات في الوقائع ، وإنما كان ذلك منه على طريق الشذوذ قبلت . كرواية مالك : ( من المسلمين ) في صدقة الفطر ، وإن اشتهر بكثرة الزيادات مع اتحاد المجلس ، وامتناع الامتياز بسماع ، فاختلفوا فيه . فمذهب الأصوليين قبول زيادته ، ومذهب المحدثين ردها للتهمة . قاله أبو الحسن الإبياري في " شرح البرهان " .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية