الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون

                                                                                                                                                                                                                                      الذين يتبعون الرسول الذي نوحي إليه كتابا مختصا به .

                                                                                                                                                                                                                                      النبي ; أي : صاحب المعجزة ، وقيل : عنوان الرسالة بالنسبة إليه تعالى ، وعنوان النبوة بالنسبة إلى الأمة .

                                                                                                                                                                                                                                      الأمي بضم الهمزة نسبة إلى الأم ، كأنه باق على حالته التي ولد عليها من أمه ، أو إلى أمة العرب ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة لا نحسب ولا نكتب " ، أو إلى أم القرى ، وقرئ بفتح الهمزة ; أي : الذي لم يمارس القراءة والكتابة ، وقد جمع مع ذلك علوم الأولين والآخرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والموصول بدل من الموصول الأول بدل الكل ، أو منصوب على المدح ، أو مرفوع عليه ; أي : أعني : الذين ، أو هم الذين ، وأما جعله مبتدأ على أن خبره يأمرهم ، أو أولئك هم المفلحون ; فغير سديد .

                                                                                                                                                                                                                                      الذي يجدونه مكتوبا باسمه ونعوته ، بحيث لا يشكون أنه هو ، ولذلك عدل عن أن يقال : يجدون اسمه ، أو وصفه مكتوبا .

                                                                                                                                                                                                                                      عندهم زيد هذا لزيادة التقرير ، وأن شأنه عليه الصلاة والسلام حاضر عندهم لا يغيب عنهم أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                      في التوراة والإنجيل اللذين تعبد بهما بنو إسرائيل سابقا ولاحقا ، والظرفان متعلقان بيجدونه ، أو بمكتوبا ، وذكر الإنجيل قبل نزوله من قبيل ما نحن فيه من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم قبل مجيئهما .

                                                                                                                                                                                                                                      يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر كلام مستأنف لا محل له من الإعراب ، قاله الزجاج ، متضمن لتفصيل بعض أحكام الرحمة التي وعد فيما سبق بكتبها إجمالا ، فإن ما بين فيه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإحلال الطيبات وتحريم الخبائث ، وإسقاط التكاليف الشاقة ، كلها من آثار رحمته الواسعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : في محل النصب على أنه حال مقدرة من مفعول يجدونه ، أو من النبي ، أو من المستكن في مكتوبا ، أو مفسر لمكتوبا ; أي : لما كتب .

                                                                                                                                                                                                                                      ويحل لهم الطيبات التي حرمت عليهم بشؤم ظلمهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ويحرم عليهم الخبائث كالدم ولحم الخنزير ، والربا والرشوة .

                                                                                                                                                                                                                                      ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ; أي : يخفف عنهم ما كلفوه من التكاليف الشاقة ، التي هي من قبيل ما كتب عليهم حينئذ ، من كون التوبة بقتل [ ص: 280 ] النفس ، كتعيين القصاص في العمد والخطأ من غير شرع الدية ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وإحراق الغنائم ، وتحريم السبت .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن عطاء : أنه كانت بنو إسرائيل إذا قاموا يصلون لبسوا المسوح ، وغلوا أيديهم إلى أعناقهم ، وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة ، وأوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة . وقرئ : ( آصارهم ) ، أصل الأصر : الثقل الذي يأصر صاحبه من الحراك .

                                                                                                                                                                                                                                      فالذين آمنوا به تعليم لكيفية اتباعه عليه الصلاة والسلام ، وبيان لعلو رتبة متبعيه واغتنامهم مغانم الرحمة الواسعة في الدارين ، إثر بيان نعوته الجليلة ، والإشارة إلى إرشاده عليه الصلاة والسلام إياهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإحلال الطيبات وتحريم الخبائث ; أي : فالذين آمنوا بنبوته وأطاعوه في أوامره ونواهيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وعزروه ; أي : عظموه ووقروه ، وأعانوه بمنع أعدائه عنه ، وقرئ بالتخفيف ، وأصله المنع ، ومنه التعزير .

                                                                                                                                                                                                                                      ونصروه على أعدائه في الدين .

                                                                                                                                                                                                                                      واتبعوا النور الذي أنزل معه ; أي : مع نبوته ، وهو القرآن ، عبر عنه بالنور المنبئ عن كونه ظاهرا بنفسه ومظهرا لغيره ، أو مظهرا للحقائق كاشفا عنها لمناسبة الاتباع . ويجوز أن يكون معه متعلقا باتبعوا ; أي : واتبعوا القرآن المنزل مع اتباعه صلى الله عليه وسلم بالعمل بسنته ، وبما أمر به ونهى عنه ، أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه .

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك إشارة إلى المذكورين من حيث اتصافهم بما فصل من الصفات الفاضلة ; للإشعار بعليتها للحكم ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتهم وسمو طبقتهم في الفضل والشرف ; أي : أولئك المنعوتون بتلك النعوت الجليلة .

                                                                                                                                                                                                                                      هم المفلحون ; أي : هم الفائزون بالمطلوب ، الناجون عن الكروب ، لا غيرهم من الأمم ، فيدخل فيهم قوم موسى عليه الصلاة والسلام دخولا أوليا ، حيث لم ينجوا عما في توبتهم من المشقة الهائلة ، وبه يتحقق التحقيق ويتأتى التوفيق والتطبيق بين دعائه عليه الصلاة والسلام وبين الجواب ، لا بمجرد ما قيل من أنه دعا لنفسه ولبني إسرائيل ، أجيب بما هو منطو على توبيخ بني إسرائيل على استجازتهم الرؤية على الله عز وجل ، وعلى كفرهم بآياته العظام التي أجراها على يد موسى عليه الصلاة والسلام ، وعرض بذلك في قوله تعالى : " والذين هم بآياتنا يؤمنون " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأريد أن يكون استماع أوصاف أعقابهم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به ، كعبد الله بن سلام ، وغيره من أهل الكتابين ، لطفا بهم وترغيبا في إخلاص الإيمان والعمل الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية