الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : في محل الأنفال : اختلف الناس فيها على ثلاثة أقوال : الأول : محلها الخمس . [ ص: 378 ]

                                                                                                                                                                                                              الثاني : محلها ما عاد من المشركين أو أخذ بغير حرب .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : رأس الغنيمة حسبما يراه الإمام .

                                                                                                                                                                                                              قال القاسم بن محمد : قال ابن عباس : كان ابن عمر إذا سئل عن شيء قال : لا آمرك ولا أنهاك . فكان ابن عباس يقول : والله ما بعث الله محمدا إلا محللا ومحرما . قال القاسم : فسلط على ابن عباس رجل فسأله عن النفل ; فقال ابن عباس : الفرس من النفل ، والسلاح من النفل . وأعاد عليه الرجل ، فقال له مثل ذلك حتى أغضبه . فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ؟ مثل صنيع الذي ضربه عمر بالدرة حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه ، س فقال الرجل : أما أنت فقد انتقم الله منك لابن عمر .

                                                                                                                                                                                                              وقال السدي وعطاء : هي ما شذ من المشركين .

                                                                                                                                                                                                              وعن مجاهد : { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس ; فقال المهاجرون : لمن يدفع هذا الخمس ؟ لم يخرج منا . فنزلت : { يسألونك عن الأنفال } والصحيح أنه من الخمس ، } كما روي في صحيح مسلم أن الإمام يعطي منه ما شاء من سلب أو غيره ; خلافا للشافعي ، ومن قال بقوله من فقهاء الأمصار . فأما هذا السؤال هاهنا فإنما هو عن أصل الغنيمة التي نفل على ما أنزل الله لنا من الحلال على الأمم .

                                                                                                                                                                                                              المعنى : يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنيمة التي نفلتكها . قل لهم : هي لله وللرسول ، فاتقوا الله ولا تختلفوا ، وأصلحوا ذات بينكم ، لئلا يرفع تحليلها عنكم باختلافكم .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن { ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا . فتسارع إلى ذلك الشبان ، وثبت الشيوخ تحت الرايات ، فلما فتح عليهم جاءوا يطلبون شرطهم ، فقال الشيوخ : لا تستأثروا به علينا ، كنا ردءا لكم ، لو انهزمتم لانحزتم إلينا ، فأبى الشبان وقالوا : جعله رسول الله لنا ، فتنازعوا فأنزل الله : [ ص: 379 ] { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } } .

                                                                                                                                                                                                              وروي { أنهم اختلفوا فيها على ثلاث فرق ; فقال قوم : هو لنا ، حرسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : هو لنا ، اتبعنا أعداء رسول الله . وقالت أخرى : نحن أولى بها ، أخذناها ، فنزلت : { يسألونك عن الأنفال } }

                                                                                                                                                                                                              وروى { أبو أمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، فقال : فينا أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسوله ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على بواء ; أي على السواء . }

                                                                                                                                                                                                              المسألة السابعة : قال علماؤنا : { فسلموا لرسول الله الأمر فيها ; فأنزل الله : { واعلموا أنما غنمتم } . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم } . فلم يمكن بعد هذا أن يكون النفل من حق أحد ; وإنما يكون من حق رسول الله . وهو الخمس .

                                                                                                                                                                                                              والدليل عليه الحديث الصحيح عن ابن عمر : خرجنا في سرية قبل نجد ، فأصبنا إبلا ، فقسمناها ، فبلغت سهماننا أحد عشر بعيرا ، ونفلنا بعيرا بعيرا .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية