الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الدم يعرض للحامل]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الحامل ترى الدم: فقال مالك وقوم من أصحابه: هو حيض. وقال ابن القاسم في " كتاب محمد" في المطلقة تعتد بثلاث حيض ثم يظهر بها حمل: لو أعلم أن الأول حيض مستقيم لرجمتها . فنفى عن الحامل الحيض. يريد: لأن الحيض جعله الله دليلا على براءة الرحم وعلى عدم الحمل، ولو صح اجتماع الحيض والحمل لم يكن فيه دليل على البراءة.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن; لأن الشأن في الحيض أنه لا يأتي إلا من عدم الحمل ويطرأ الحيض على الحمل في نادر من النساء، فيحمل في البراءة به على الغالب، فإن وجد في نادر من النساء غير ذلك كان لها حكم الحيض، وإذا كان حيضا فإنها لا تخلو أن ترى الحيض على أوقاتها المعتادة قبل الحمل لم يمسك عنها الحمل شيئا ، أو أمسك لأجل الحمل ثم أتى بعد ذلك، فإن أتى بعد ذلك، فإن أتى في أوقاتها المعتادة ولم يحتبس لأجل الحمل - جلست قدر حيضة واحدة قولا واحدا. وهو معنى قول أشهب: إلا أن تكون استرابت من [ ص: 213 ] حيضتها شيئا من أول ما حملت فهي على حيضتها . ويختلف في قدر تلك الحيضة حسب ما تقدم في غير الحامل.

                                                                                                                                                                                        واختلف إن احتبس عنها على العادة، فقال مالك مرة: تجلس حيضة واحدة كالحائل . وقال: وما حبس الحمل من حيضتها بمنزلة حبس الرضاع والمرض ، .

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: ليس أول الحمل مثل آخره، إن رأته في أوله أمسكت قدر ما يجتهد لها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إن رأته في ثلاثة أشهر أو نحوها احتبست خمسة عشر يوما ونحوها، وإن رأته بعد ستة أشهر احتبست عشرين يوما ونحوها .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في " كتاب ابن حبيب" : إن رأته في أول شهور الحمل تركت قدر أيامها والاستظهار، فإن كان في الشهر الثاني جلست مثلي ذلك ولم تستظهر، وفي الثالث مثل أيامها ثلاث مرات، وفي الرابع تربعها كذلك حتى تبلغ ستين ليلة، وإن تمادى بها الدم لم تزد .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب : تضعف أيام حيضتها ثم تغتسل; لأن دمها أكثر من دم الحائض . [ ص: 214 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في " المبسوط" : تكف عن الصلاة، وليس لذلك وقت، ولكن إذا استرابت من طوله ويرى أنه سقم حدث، وليس مما يعرض للنساء في الحمل- رأيت أن تغتسل وتصلي وتصنع ما تصنع المستحاضة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: أما القول إنها كالحامل فليس بالبين; لأن هذه تقدم لها سبب في حبس الدم واجتماعه، ولهذا كان حكم النفاس حكم الحيض وإن بلغ ستين يوما على أحد الأقوال، ولم يجعل الزائد على الحيضة المعتادة استحاضة. والقول إنه تجلس بقدر احتباسه من عدد الحيض المتقدم حسن ، ولو قيل مثل ذلك في غير الحامل إذا كانت صحيحة وليست بمرضع احتبس الدم عنها أشهرا، ثم أتاها وتمادى على العادة على لون دم الحيض وريحه. ولا أحملها في الزائد على الخمسة عشر يوما على الاستحاضة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية