الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ردود العلماء على دعوى : إجماع أهل المدينة ] ولم تزل هذه المسألة موصوفة بالإشكال ، وقد دارت بين أبي بكر الصيرفي وأبي عمر [ بن عبد البر ] من المالكية . وصنف الصيرفي فيها وطول في كتابه " الأعلام " الحجاج فيها مع الخصم ، وقال : قد تصفحنا قول من قال : العمل على كذا ، فوجدنا أهل بلده في عصره يخالفونه ، كذلك الفقهاء السبعة من قبله ، فإنه مخالفهم ، ولو كان العمل على ما وصفه لما جاز له [ ص: 448 ] خلافهم ; لأن حكمه بالعمل كعلمهم لو كان مستفيضا .

                                                      قال : وهذا عندي من قول مالك على أنه عمل الأكثر عنده ، وقد قال ربيعة في قول : ادعى مالك العمل عليه ، فقال ربيعة : وقال قوم : - وهم الأقل - ما ادعى مالك أنه عمل أهل البلد . وقال مالك : التسبيح في الركوع والسجود لا أعرفه ، حكاه عنه ابن وهب ، ثم إنا رأينا ما ادعاه من العمل إنما علمنا عنه بخبر واحد ، كرواية القعنبي ، وابن بكير ، والسبكي ، وابن مصعب ، وابن أبي إدريس ، وابن وهب ، وهؤلاء كلهم يجوز عليهم العلم .

                                                      ووجدنا في كتاب الموطإ هذه الحكاية ، ولم نشاهد العمل الذي حكاه ، ووجدنا الناس من أهل المدينة وغيرهم على خلافه ، وقال أبو حيان التوحيدي في " البصائر " : سمعت القاضي أبا حامد المروروذي يقول : ليس الاعتماد في الإجماع على أهل المدينة على ما رآه مالك ; لأن مكة لم تكن دون المدينة ، وقد أقام النبي - عليه الصلاة والسلام - بها كما أقام بالمدينة ، ومن عدل عن مكة وأهلها مع قيام النبي - عليه السلام - بين أظهرهم وسكانها الغاية في حمل الشريعة بغير حجة ، جاز أن يعدل خصمه عن المدينة وأهلها بحجة .

                                                      وذلك أن الشريعة كملت بين جميع أهل العصر الذين تحققوا النبي عليه الصلاة والسلام ، وحفظوا عنه ، وابتلوا بالحوادث ، فاستفتوه ، واختلفوا في الأحكام فاستقضوه ، وتخوفوا العواقب فاستظهروا به ، ثم إنهم بعد أن صار إلى الله كانوا بين مقيم بالمدينة ، ومقيم بمكة ، ونازل بينهما ، وظاهر عنهما إلى الأمصار البعيدة ، واستقرت الشريعة على الكتاب والسنة الشائعة ، والقياس المنتزع ، والرأي الحسن ، والإجماع المنعقد ، فلم [ ص: 449 ] يكن بلد أولى من بلد ، ولا مكان أولى من مكان ، ولا ناس أولى وأحفظ لدين الله من ناس ، وهم في الإصابة شركاء ، وفي الحكم بما ألقى إليهم متفقون . قال : وكان يطيل الكلام في تهجير المدلين بهذا القول . ا هـ . وقال ابن حزم في الأحكام : هذا القول لصق به بعض المالكية محتجين بما روي في فضل المدينة ، وليس ذلك لفضل أهلها ، وقد صح أن مكة أفضل منها ، وقد كان الصحابة في غيرها ، وقد تركوا من عمل أهل المدينة سجودهم مع عمر في { إذا السماء انشقت } وسجودهم معه إذا قرأ السجدة ، ونزل عن المنبر فسجد ، وفعل عمر إذ أعلم عثمان وهو يخطب يوم الجمعة بحضرة المهاجرين والأنصار ، فقالوا : ليس على ذلك العمل . وأيضا فإن مالكا لم يدع إجماع أهل المدينة إلا في ثمان وأربعين مسألة في موطئه فقط ، وقد تتبعنا ذلك فوجدنا منها ما هو إجماع ، ومنها ما الخلاف فيه موجود في المدينة ، كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر وهو عميد أهل المدينة يرى إفراد الأذان ، والقول فيه : حي على خير العمر ، وبلال يكرر قد قامت الصلاة ، ومالك لا يرى ذلك ، والزهري يرى الزكاة في الخضراوات ، ومالك لا يراها ، ثم ذكر لهم مناقضات كثيرة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية