الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وعلى الناظر في كتاب الله الكاشف عن أسراره النظر في هيئة الكلمة وصيغتها ومحلها ; ككونها مبتدأ أو خبرا أو فاعلة أو مفعولة ، أو في مبادئ الكلام أو في جواب ، إلى غير ذلك من تعريف أو تنكير أو جمع قلة أو كثرة إلى غير ذلك .

ويجب عليه مراعاة أمور :

أحدها - وهو أول واجب عليه - : أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفردا كان أو مركبا قبل الإعراب ; فإنه فرع المعنى ، ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها من المتشابه الذي استأثره الله بعلمه ; ولهذا قالوا في توجيه النصب في كلالة في قوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة [ ص: 411 ] ( النساء : 12 ) أنه يتوقف على المراد بالكلالة ، هل هو اسم للميت أو للورثة أو للمال ، فإن كان اسما للميت فهي منصوبة على الحال ، وإن " كان " تامة لا خبر لها بمعنى وجد . ويجوز أن تكون ناقصة ، والكلالة خبرها ، وجاز أن يخبر عن النكرة ; لأنها قد وصفت بقوله : يورث ، والأول أوجه ، وإن كانت اسما للورثة فهي منصوبة على الحال من ضمير يورث لكن على حذف مضاف ، أي : ذا كلالة ، وعلى هذا فـ " كان " ناقصة ، ويورث خبر ، ويجوز أن تكون تامة ، فـ " يورث " صفة ، ويجوز أن يكون خبرا ، فتكون صفته ، وإن كانت اسما للمال فهي مفعول ثان لـ " يورث " كما تقول : ورثت زيدا مالا . وقيل : تمييز وليس بشيء ، ومن جعل الـ ( كلالة ) الوارثة فهي نعت لمصدر محذوف ; أي : وارثه كلالة ، أي : يورث بالوراثة التي يقال لها الكلالة ، هذا كله على قراءة يورث بفتح الراء ، فأما من قرأ يورث بكسرها مخففة أو مشددة ، فالكلالة هي الورثة أو المال .

ومن ذلك تقاة في قوله تعالى : إلا أن تتقوا منهم تقاة ( آل عمران : 28 ) في نصبها ثلاثة أوجه مبنية على تفسيرها ، فإن كانت بمعنى الاتقاء فهي مصدر كقوله تعالى : أنبتكم من الأرض نباتا ( نوح : 17 ) ، وإن كانت بمعنى المفعول أي : أمرا يجب اتقاؤه فهي نصب على المفعول به ، وإن كانت جمعا لـ " رام " و " رماة " فهي نصب على الحال .

ومن ذلك إعراب أحوى من قوله تعالى : غثاء أحوى ( الأعلى : 5 ) ، وفيه قولان متضادان : أحدهما : أنه الأسود من الجفاف واليبس ، والثاني : أنه الأسود من شدة الخضرة ، كما فسر : مدهامتان ( الرحمن : 64 ) فعلى الأول هو صفة لـ غثاء ، وعلى الثاني هو حال من المرعى ، وأخر لتناسب الفواصل .

ومنه قوله تعالى : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء ‎وأمواتا ( المرسلات : 25 و 26 ) ، فإنه قيل : الكفات الأوعية ، ومفردها " كفت " ، والأحياء والأموات كناية عما نبت وما لا ينبت ، وقيل : الكفات مصدر كفته إذا ضمه وجمعه ، فعلى الأول أحياء وأمواتا صفة لكفاتا ، كأنه قيل : أوعية حية وميتة ، أو حالان ; وعلى الثاني فهما مفعولان لمحذوف ، ودل عليه " كفاتا " أي : يجمع " أحياء وأمواتا " .

[ ص: 412 ] ومنه قوله : سبعا من المثاني ( الحجر : 87 ) ، فإنه إن كان المراد به القرآن فـ " من " للتبعيض ، و ( القرآن ) حينئذ من عطف العام على الخاص ; وإن كانت الفاتحة فـ ( من ) لبيان الجنس ، أي : سبعا هي المثاني .

تنبيه

قد يقع في كلامهم : " هذا تفسير معنى " ، و " هذا تفسير إعراب " ، والفرق بينها أن تفسير الإعراب لا بد فيه من ملاحظة الصناعة النحوية ، وتفسير المعنى لا يضر مخالفة ذلك ، وقد قال سيبويه في قوله تعالى : ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ( 171 ) " تقديره : مثلك يا محمد ، ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به " .

واختلف الشارحون في فهم كلام سيبويه ; فقيل : هو تفسير معنى ، وقيل : تفسير إعراب ، فيكون في الكلام حذفان : حذف من الأول ، وهو حذف داعيهم ، وقد أثبت نظيره في الثاني ، وحذف من الثاني ، وهو حذف المنعوق ، وقد أثبت نظيره في الأول ; فعلى هذا يجوز مثل ذلك في الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية